إذا قلنا لكم إن حلول أصعب المشكلات التي يواجهها العالم، كالفقر وعدم المساواة والتغير المناخي، ستصبح متوفرة في العقد المقبل، فستردون على الأرجح بأن الأمر مستحيل وغير معقول ومنافٍ للعقل. لقد سبق أن سمعنا هذه الإجابات عن توقعاتنا الماضية التي ثبتت صحتها فيما بعد. والآن؛ فإننا نتوقع حدوث أسرع وأعمق وأهم التقلبات التقنية في التاريخ مصحوبة بلحظة تعيشها الحضارة للمرة الأولى.
تحولات كبرى
في السنوات العشر المقبلة، ستشهد أهمّ التقنيات تحوّلات مؤثرة على القطاعات الخمسة الأساسية التي يقوم عليها اقتصادنا العالمي، أي المعلومات والطّاقة والغذاء والنقل والمواد، ومعها كل صناعة كبرى في عالم اليوم.
ستنخفض التكاليف بمعدل 10 مرّات أو أكثر بينما تزداد فعالية عمليات الإنتاج 10 أضعاف باستخدام 90 في المائة أقل من الموارد الطبيعية، وإنتاج نفايات بكميات أقل تتراوح بين 10 مرات و100 مرة.
هذه التقلّبات التقنية ستقلب نموذج الاستخراج والاستغلال وشحّ المواد ومبدأ التحكم المركزي للإنتاج رأساً على عقب، وتدعم نموذجاً جديداً من الابتكار المحلّي الذي يعتمد على وسائل منتشرة وغير محدودة. ستنقلنا إلى عالم لا يعتمد على الفحم والنفط والحديد والماشية والإسمنت؛ بل على الفوتونات والإلكترونات والحمض النووي والجزيئات والبتّات (بت - أصغر وحدة للمعلومات).
نحن لسنا بحاجة إلى اختراقات تقنية. فقد باتت الطاقتان الشمسية والرياح اليوم أرخص مصادر الطّاقة في معظم أنحاء الكوكب، وفي النقل، دفعتنا شركتا «أوبر» و«ليفت» إلى إعادة التفكير في النقل كخدمة، أما في الزراعة، فتعمل شركة «إمبوسيبل فودز» وغيرها على تحويل الزراعة التقليدية.
وإضافة إلى ذلك، يعدّ صعود حركات مثل «بلاك لايف ماترز (حياة السود مهمّة)» و«مي تو (أنا أيضاً)»، مثالاً على قدرة شبكات المعلومات غير المركزية على تعبئة المجتمعات.
مفترق طرق
تقف البشرية اليوم أمام مفترق طرق؛ إذ نملك نحن البشر القوّة على التقاط المكاسب الاجتماعية المذهلة التي تقدمها لنا هذه التقنيات، إلا إن قدرتنا على ذلك تعتمد على تحوّل غير مسبوق في المجتمع.
تمثّل نماذجنا الفكرية ونظمُ معتقداتنا والأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التي تشكّل مجتمعة نظامنا التنظيمي) بقايا الحقبة الصناعية التي تطوّرت معاً لتحسّن صناعات الأمس. ومع تسارع هذه التقلّبات، يزداد عجز القادة عن فهم وإدارة وتنظيم عالمنا، ولهذا السبب، نعيش اليوم التفاوت الاجتماعي والاضطرابات والتدمير البيئي والجائحة العالمية التي تعيث فوضى في مجتمعنا... وهذه ليست إلا البداية.
يقدم أحدث كتبنا «ريثينكينغ هيومانيتي Rethinking Humanity (إعادة النظر بالبشرية)»، خطة عمل مفصلة للمستثمرين وصانعي السياسات وأصحاب الشركات الكبرى لمساعدتهم في تقدير نظام الإنتاج الجديد الذي يقوم على الابتكار وحل أكثر التحديات العالمية إنهاكاً.
فيما يلي، سنطلعكم على بعض الخطوات التي يجب ألا ينساها قياديو القطاعين الخاص والعام.
ترتكز الخطوة الأولى على الاعتراف بسرعة وحجم وعفوية التقلبات المقبلة، وتسريع الطروحات والبنى التحتية وسلاسل القيمة الخاصة بنظام الإنتاج الجديد. يتوجب علينا أن نقاوم الحاجة إلى حماية الصناعات القديمة القائمة التي ستؤدّي إلى الإبقاء على الأنظمة غير التنافسية والأصول المحصورة والخسائر التي تُقدّر بتريليونات الدّولارات. عوضاً عن ذلك، نحتاج إلى التركيز على حماية النّاس والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي بينما نعمل على إخماد نموذج الإنتاج الاستخراجي القديم (الذي يعتمد على الوقود الأحفوري والزراعة الصناعية) وفقاً لاستراتيجية محدّدة. وفي الوقت نفسه، على الحكومات أن تخرج من تجارة الطّاقة، أي أن تتخلّى عن توليد الطاقة الكهربائية والنقل وخطوط الأنابيب والمناجم.
تسريع التحديث
يجب على الحكومات أن تركّز على تسريع اعتماد البنى التحتية الجديدة وسلاسل القيمة في المجالات الخمسة الأساسية:
* المعلومات: اتصالات الجيل الخامس والنطاق العريض وشبكات الأقمار الصناعية الصغيرة والمركبات الجوية الآلية.
* الطاقة: الشمسية، وطاقة الرياح، والبطاريات.
* النقل: بطاريات وشبكات شحن تلبّي حاجات أساطيل من المركبات، ودعم إلكترونيات الطيران، ودمج وتحويل خطوط السكك الحديدية والنقل العام على مبدأ «النقل على شكل خدمة (Transportation as a Service)».
* الغذاء: الغذاء الموزع والمحلي، ومراكز التخمير الدقيق.
* المواد: بناء قدرات إنتاج للبروتينات والمواد العضوية بواسطة التخمير الدقيق.
تعدّ المعلومات مركز كلّ تحوّل؛ إذ تنطوي بيانات المستهلكين حول استخدام الطّاقة والنقل والغذاء الخاص والعناية الصحية على قيمة كبيرة.
ملكية البيانات الشخصية
* حق الملكية الفردية للبيانات: يقدّم ضمان الملكية الفردية للبيانات وإمكانية التحكّم بها مكاسب اقتصادية للمستهلكين الذين يتعرّضون اليوم للاستغلال من قبل الأطراف الثالثة. نوصي بأن يتم التعامل مع بيانات المستخدمين كأنها ملكية فكرية، بحيث يمتلك الأفراد جميع بياناتهم الشخصية ويتمتعون بحق السماح باستخدامها لأي كان وبشروطهم الخاصّة. وبناءً عليه، تصبح «الاتفاقات القانونية» التي تجبر بموجبها شركات مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«أمازون» المستخدمين على التخلّي عن حقوقهم في تبادل البيانات مقابل الحصول على التطبيقات، غير قانونية.
* الاستثمارات والأصول المالية: تحمل التقلّبات المتوقّعة آثاراً كبيرة على الاستثمارات وإدارة الأصول.
تجب حماية الرواتب التقاعدية والمدخرات من الأصول المحصورة واستخدامها في بناء النظام الجديد. نحتاج إلى ابتكار فئات أصول جديدة تتيح للأفراد الاستثمار مباشرة في المشاريع الصغيرة المنتجة للنقد، كالطاقة الشمسية المحلية ومصانع البطاريات ومركبات النقل الخدماتية ومراكز التخمير الدقيق. إن أرقام العائدات الثابتة لهذه الاستثمارات ستكون مقاربة جداً لخطط رواتب التقاعد (وأفضل بكثير من محافظ التقاعد التقليدية)، بالإضافة إلى أنها وسيلة جيّدة لسدّ الحاجات الأساسية التي صُممت المعاشات التقاعدية لتلبيتها (كالغذاء والسكن والطاقة والنقل).
يشكّل تغيير القواعد لصالح المساهمة في توظيف أموال التقاعد والمدخرات في هذه التقنيات والمشاريع، الخطوة الأولى والأساسية نحو ملكية موزعة ومشتركة؛ أو عقد اجتماعي جديد مبني على «الحق» في الحصول على الطاقة وغيرها من الحاجات.
* مؤسسا «ريثينك إكس» ومعدّا كتاب «ريثينكينغ هيومانيتي»، «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».