تراجع كبير لحرية التعبير في الهند

في ظل استقطاب الحكومة اليمينية لوسائل الإعلام

تراجع كبير لحرية التعبير في الهند
TT

تراجع كبير لحرية التعبير في الهند

تراجع كبير لحرية التعبير في الهند

قالت المحكمة العليا في الهند، أخيراً، أثناء سماعها التماساً بشأن تظلم برنامج تلفزيوني «إن الطريقة التي تدير بها بعض وسائل الإعلام النقاش أصبحت مثيرة للقلق بعدما دأبت على تكرار عبارات الإساءة والتشهير»، مطالبة مختلف وسائل الإعلام بفرض نوع من الرقابة الذاتية. وبعدما كانت الهند في الماضي تفتخر باحتضانها صحافة نابضة بالحياة ومتنوعة، بات المحللون يرون أن الصحافة في أكبر الدول الديمقراطية في العالم تواجه اليوم مشكلة جدية بعدما اتخذت اتجاهاً معاكساً تماماً في السنوات القليلة الماضية.

أكثر من 100 ألف مطبوعة
توسّعت صناعة الإعلام الهندية، بشكل كبير منذ التسعينيات، ويوجد الآن أكثر من 100 ألف صحيفة ومجلة مسجلة، بالإضافة إلى أكثر من 400 قناة إخبارية بلغات مختلفة، وحوالي 150 قناة إخبارية في انتظار الموافقة من الحكومة. إلا أن المنتقدين من المعلقين والمتابعين في عموم الهند يسجلون تراجع جودة الخطاب ومستواه في وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة، لا سيما، بعدما أدى التوسع الإعلامي إلى تقلّص الحرية في المجال العام، وانتشار القيَم النخبوية والوجّهات المحافظة اجتماعياً.
كيف ولماذا إذن أصبح أداء الهند - وهي دولة تتمتع بصحافة حرة وقضاء مستقل - سيئاً للغاية في المؤشرات العالمية لقياس حرية الإعلام؟ وكيف يمكننا التوفيق بين حقيقة أن هناك دستوراً وقوانين تضمن حرية الصحافة ومنصات إعلامية تقوم بعملها بضراوة في ظل تراجع مرتبة الهند؟
في عام 2019، تراجعت الهند مرتبتين إلى 140 من أصل 180 (بين 180 دولة) في «مؤشر حرية الصحافة العالمي» الذي تصدره منظمة «مراسلون بلا حدود». وما حدث خلال السنوات القليلة الماضية هو أن جزءاً كبيراً من وسائل الإعلام قد عبر إلى الجانب المظلم. وأدى الظهور واسع النطاق لمنصّات إعلامية متعدّدة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إعادة تعريف دور وسائل الإعلام في السياسة والحكومة، وكذلك تعريف العلاقة بين الإعلام والسياسة.

الإعلام الهندي ومودي
ثم أنه نظراً لتاريخ رئيس الوزراء (القومي اليميني) ناريندرا مودي، مع وسائل الإعلام، بالأخص مع بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية، استحدثت رئاسة وزرائه نموذجاً جديداً للعلاقات بين وسائل الإعلام والحكومة. وخلال السنوات الخمس لمودي (2014 - 2019)، عمل حزبه الهندوسي المتشدد «بهاراتيا جاناتا» والحكومة التي يقودها على تفعيل صيغة بسيطة جوهرها: انزع الشرعية عن وسائل الإعلام الموجودة، ثم أسس قنوات اتصال خاصة بك مع الناخب والمواطن.
للعلم، انتُخب ناريندرا مودي في مايو (أيار) 2014، وبحلول أغسطس (آب)، كان من الواضح أن وسائل الإعلام الرسمية فقط هي التي سترافق مودي في رحلاته إلى الخارج، وهو ما يختلف عن الحال السابق. وفي سبتمبر (أيلول) 2014، أصدرت نقابة المحررين في الهند بياناً جاء فيه، «نظراً لتأخير إنشاء واجهة إعلامية في مكتب رئيس الوزراء، ونظراً لتقييد التواصل مع الوزراء والبيروقراطيين في المكاتب، والحد من تدفق المعلومات في الداخل والخارج، بات من الواضح أن الحكومة في أيامها الأولى تسير على طريق يتعارض مع معايير الخطاب الديمقراطي والمساءلة».
وحقاً، ذكرت العديد من التقارير الإعلامية أن رئيس الوزراء طلب من كبار البيروقراطيين وزملائهم في مجلس الوزراء الامتناع عن التحدث مع الصحافيين. وقطع مودي بشكل فعال جميع الاتصالات مع وسائل الإعلام بعيد وصوله إلى السلطة، واختار بدلاً من ذلك توجيه رسائله من خلال التغريدات والبرامج الإذاعية مثل «مان كي با» والمقابلات غير الرسمية مع الصحافيين الموالين له. وحسب تعبير أحد الصحافيين، «غيّر مودي بكل بساطة قواعد التعامل مع وسائل الإعلام، بحيث لم تعد هناك مؤتمرات صحافية ولا مقابلات إلا للصحافيين المختارين بعناية، كما أنه حرص على تجنب النقاد، واختارت حكومته مؤسسات إعلامية بأكملها. لقد تبين زيف عبارة أن الحكومة بحاجة إلى وسائل إعلام حقيقية، إذ إن ما تبين كان العكس تماماً. فمع منح الحكومة حصراً حق تنظيم الأحداث الرسمية لدور الإعلام التي ترعى هذه المناسبات كل عام باعتبارها مصدر دخلها الأساسي، ومع ظهور رئيس الوزراء والوزراء للتحدث في مناسباتهم دون غيرهم، غدا إغضاب هؤلاء المسؤولين يعني سحب تلك العائدات».

استغلال وسائل التواصل الاجتماعي
من ناحية ثانية، تزامنت حقبة مودي مع الارتفاع الهائل في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الهند. وهذه وسيلة استغلتها هذه الحكومة إلى أقصى حد لاستهداف النقاد، وتعبئة الرأي العام، واستخدام شعارات مثل «معاداة القومية» لتشويه سمعة أي شخص ينتقد، ولو تلميحاً، سياسة الدولة. واليوم في الهند وحدها أكثر من 560 مليون مستخدم للإنترنت و34 مليون مستخدم لـ«تويتر»، وأكثر من 350 مليون حساب على «فيسبوك».
وتشير التقديرات إلى أنه بين عامي 2016 و2018 فقط، ارتفع عدد الهنود الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي من 168 مليوناً إلى 326 مليوناً، ما يجعلها أداة سهلة للحزب الحاكم لنشر أنصاف الحقائق والأخبار المزيّفة عبر شبكة الإنترنت من خلال حسابات غير رسمية، وإطلاق العنان لها، وتصيّد الصحافيين الذين يحاولون مواجهتهم. وفي هذا السياق، قال المعلق أجاي شوكلا، «إن السبب الجذري لهذا التدمير لنظامنا الإعلامي البيئي وتعويضه بإطار دعاية هو الناطقون باسم الحكومة والحزب الحاكم. ويساعد الحكومة في ذلك باقتدار خلية تكنولوجيا المعلومات التابعة للحزب، والمتحدثون باسم الحزب، وبالطبع (فيسبوك). هناك الملايين من الحسابات المزيّفة و(المتصيّدين) المدرّبين تدريباً جيداً على الإساءة المتزامنة لأي صوت عاقل، وكلها أساليب تضمن سماع ما تريد الحكومة سماعه فقط. ورغم ذلك، من المفارقات أن المنصّات الرقمية توفر أيضاً المساحة الوحيدة حيث يمكن للمرء سماع بعض الأصوات المستقلة ووجهة نظر مخالفة لما تريد الحكومة سماعه».
على صعيد آخر، من المفترض أن تعكس عملية أو لعبة «تقييم المشاهدات التلفزيونية» إجمالي عدد مشاهدي التلفزيون، لكن في ظل سيطرة الإعلام والمعلنين على جميع وكالات التصنيف والمؤسسات التنظيمية، فإن صدقية البيانات المتعلقة بجودة وعدد المشاهدات التي تقدمها أي منظمة تعتبر مشكوكاً فيها، حيث يجري طمس الأخبار والبيانات الحقيقية في غرف الأخبار. والمثير للدهشة أن أياً من الوكالات المهنية لا توفر نسبة مشاهدة كاملة للقنوات الإخبارية. فوفقاً لتقديرات تقريبية، لا يشاهد أكثر من ثمانية ملايين (أقل من واحد في المائة من إجمالي المشاهدات) أخبار أوقات الذروة في جميع القنوات الإخبارية يومياً، في حين يتصفح حوالي 450 مليون قارئ الصحف يومياً. وفي المقابل، شهدت الفترة بين 2009 - 2019 سباقاً غير مسبوق في عدد المشاهدات، حيث تقوم دور الإعلام الرائدة في الهند بتغطية القضايا وفقاً للانتماء الآيديولوجي الصارم والالتزام الثابت تجاه حزب سياسي (في بعض الحالات العديد من الأحزاب).
وفي هذا السياق، قال المحرر السابق برابهو تشاولا، إن «عبارة الإعلام الهندي تعتبر تسمية خاطئة. فمع عولمة الهند من خلال إصلاحات مدفوعة بشكل ملحوظ، أصبح تعظيم التقييمات وتقليل الأخبار بمثابة شعار مزدوج لنجاح أي مؤسسة إعلامية.

لقد جرى الاستعاضة عن المالكين غير المرئيين برؤساء تنفيذيين ذوي رواتب عالية حوّلوا المروّجين إلى خبراء في السوق وأصحاب نفوذ. ومع ذلك تمكنت وسائل الإعلام المطبوعة من الاحتفاظ بمصداقيتها وقبولها، لأن المحتوى يحتاج إلى كلمات وليس إلى صوت».
في أي حال، تغيّر المشهد الإعلامي الهندي بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. إذ نجح أولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى أروقة السلطة في التأثير على نشر المعلومات، من خلال وسائل الإعلام بامتلاكهم هذه المنافذ جزئياً والتأثير بشكل عرضي على طريقة تقديم الأخبار. إلا أن هذه التبعية باتت إشكالية للغاية عندما تكسب وسائل الإعلام أموالاً إضافية من خلال بث الإعلانات الحكومية على وجه التحديد، مما يساهم في نشر أجندتها.
على صعيد آخر، يعتبر تصيد الساسة وفناني «بوليوود» والصحافيين اليوم سلوكاً سائداً على نطاق واسع. فبالنسبة للناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح «المتصيّدون» - والكثير منهم كيانات مجهولة الهوية - جزءاً من الحياة اليومية. وغالباً ما تتفوق قدرتهم على التعبير على قدرة الآخرين. وغالباً ما تتراوح فكرتهم عن المشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما بين المزاح غير المؤذي والافتراء إلى التهديدات الشرسة وحتى الأذى الجسدي، ثم، هناك أيضاً «المتصيّدون» المدفوعون.



السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.