الأزمة اللبنانية تدفع اللاجئين السوريين إلى تحت خط الفقر

«الجوع حالة شبه دائمة»... وبرنامج أممي للمساعدات الشتوية

مظاهرة للاجئين سوريين أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة في بيروت منتصف الشهر الحالي (إ.ب.أ)
مظاهرة للاجئين سوريين أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة في بيروت منتصف الشهر الحالي (إ.ب.أ)
TT

الأزمة اللبنانية تدفع اللاجئين السوريين إلى تحت خط الفقر

مظاهرة للاجئين سوريين أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة في بيروت منتصف الشهر الحالي (إ.ب.أ)
مظاهرة للاجئين سوريين أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة في بيروت منتصف الشهر الحالي (إ.ب.أ)

«توقفنا عن شراء اللحم والدجاج، لم نتذوق طعمه منذ أكثر من 15 يوماً»، يقول محمد الدبس (54 عاماً) الذي جاء إلى لبنان قبل 4 سنوات نازحاً من منطقة الحسكة في الشمال السوري.
ولا يختلف حال الدبس عن غالبية اللاجئين السوريين الذين فاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، أزماتهم المعيشية، حتى باتت نسبة كبيرة منهم تحت خط الفقر.
وفي حين تشير التقديرات إلى أن ما يقارب من 50 في المائة من اللبنانيين باتوا يعيشون تحت خط الفقر، ولا سيما مع الأزمات الاقتصادية التي توالت على البلد هذا العام وتأثير وباء «كورونا»، تقول المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد إن «نسبة اللاجئين الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع ارتفعت في الأشهر الأخيرة إلى نسبة تتراوح بين 55 و80 في المائة». ويتقاضى الدبس من الأمم المتحدة شهرياً 600 ألف ليرة (400 دولار على سعر الصرف الرسمي، ونحو 80 دولاراً وفق سعر الصرف في السوق الموازي) يذهب نصفها لإيجار المنزل الذي يسكنه في البقاع (شرق لبنان) لأنه لم يحصل على خيمة تؤويه مع أطفاله السبعة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».
ومع ارتفاع أسعار السلع الغذائية في لبنان، أصبح المبلغ المتبقي لا يكفي لشراء الحاجات الغذائية، لذلك يعتمد الدبس على ابنه الأكبر أحمد (13 عاماً) الذي يعمل أجيراً في ورشة لصيانة السيارات ويتقاضى 50 ألف ليرة أسبوعياً.
وكان كل فرد من أفراد العائلات اللاجئة يحصل على 27 دولاراً أو ما يعادلها من الليرة اللبنانية شهرياً من الأمم المتحدة قبل الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان. لكن بعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة وارتفاع أسعار السلع الأساسية، باتت المبالغ التي يحصل عليها اللاجئون قليلة، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى زيادة المساعدة المالية إلى 70 ألف ليرة (نحو 47 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي، و10 دولارات وفق سعر الصرف الموازي)، ويحصل هؤلاء على المساعدة في البطاقة التموينية التي يشترون بها من التعاونيات ومراكز بيع السلع الغذائية، بحسب ما يقول لاجئون سوريون يقيمون في لبنان.
ودفعت أوضاع لبنان الاقتصادية عدداً من السوريين إلى المغادرة بطرق مشروعة أو غير مشروعة، فقد كان عدد المسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين 910 آلاف بداية العام الحالي، إلا أن العدد تناقص في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 879 ألفاً. لكن، وبحسب ما تقول الناطقة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، «لا يمكن تأكيد أن دوافع جميع من غادروا لبنان هذا العام سببها الوضع الاجتماعي والاقتصادي».
وتقول أبو خالد لـ«الشرق الأوسط» إن المفوضية خلال تواصلها مع الأفراد الذين حاولوا الهروب من لبنان عن طريق البحر في الأسابيع الماضية «توصلت إلى نتيجة مفادها أن دوافع معظم هؤلاء كانت أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المزرية ومعاناتهم المعيشية»، إضافة إلى مغادرة عدد قليل من العائلات بسبب تأثرها بانفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) الماضي.
ويتحدث اللاجئون السوريون في لبنان عن صعوبة غير مسبوقة في تأمين أبسط حاجاتهم الأساسية، فطعام بعضهم أصبح خبزاً مبلولاً بالشاي، كما يقول تركي عبيد (43 عاماً) المقيم في أحد مخيمات الطيبة في رياق (شرق لبنان). ويضيف عبيد لـ«الشرق الأوسط» أنه «حتى البرغل أكل الفقراء ارتفع سعر الكيلو منه إلى 7 آلاف ليرة بعدما كان لا يتجاوز الألفي ليرة».
وليس بعيداً من عبيد، يروي محمد تمام إبراهيم (52 عاماً) كيف اضطر إلى إيقاف الحليب عن ابنته فدوى (3 أعوام) بسبب عدم قدرته على دفع ثمنه، فهو يكسب مليون و200 ألف ليرة لبنانية شهرياً من عمله، ولكن هذا المبلغ فقد قيمته الشرائية لأن السلع (ما عدا المحروقات والأدوية والخبز) تسعر على أساس سعر صرف السوق السوداء.
لا يكفي هذا المبلغ لإطعام عائلة إبراهيم الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الجوع حالة شبه دائمة في عائلتنا. البطاقة الشهرية المحددة لنا من المفوضية لا تكفي ثمن مواد غذائية ولا نستطيع تأمين ليتر مازوت للتدفئة ونحن على أبواب الشتاء». وأضاف مازحاً: «حتى الفأر الذي يدخل خيمتنا لا يجد كسرة الخبز».
يُشار إلى أنه مؤخراً وللتعويض الجزئي عن التضخم للاقتصاد اللبناني، ارتفعت المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي من 40 ألف ليرة للفرد شهرياً إلى 70 ألف ليرة. إلا أن هذه الزيادة لا تستطيع التعويض عن ارتفاع الأسعار، إذ كان صندوق النقد الدولي قدر تضخم أسعار المستهلكين هذا العام عند 85.5 في المائة، نتيجة تدهور العملة المحلية التي تراجع سعر صرفها الموازي بنسبة 70 في المائة‏ منذ نهاية 2019.
ولمواكبة هذا التضخم، يقول أبو خالد إن المفوضية ستطلق قريباً برنامجها المخصص للمساعدة الشتوية لعام 2020. نظراً إلى الزيادة الكبيرة في عدد العائلات اللاجئة التي تعيش تحت خط الفقر المدقع والتي لم تعد قادرة على دفع تكاليف حاجاتها الأساسية للبقاء على قيد الحياة، شارحة أن برنامج المساعدات المالية النقدية المرتقب «يهدف إلى مساعدة الشريحة الأوسع من اللاجئين على تلبية حاجاتها الموسمية الأساسية مثل الوقود والمواد الأخرى».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).