خطف المسؤولين والسياسيين يُبرز تغوّل الميليشيات في ليبيا

أعادت واقعة خطف المسؤول الرسمي لإعلام حكومة «الوفاق» محمد عمر بعيو، من منزله بالعاصمة طرابلس على يد مجموعة ميليشياوية، إلى أذهان الليبيين عمليات مشابهة سابقة أبطالها وزراء ومسؤولون كبار في الدولة تم خطفهم في وضح النهار بسبب معارضتهم لتوجهات المجموعات المسلحة، ولم يطلَق سراحهم إلا بجهود مضنية.
ومرت ثلاثة أيام على اعتقال بعيو الذي خطفته كتيبة «ثوار طرابلس» التابعة للمجلس الرئاسي، وسط صمت برّره بعض الأوساط بضعف الحكومة في مواجهة تغول الميليشيات التي تمارس الفعل ذاته منذ أن خطفت رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان عام 2013.
وقال رئيس «مجموعة العمل الوطني» في ليبيا خالد الترجمان لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المجموعات سبق وخطفت علي زيدان، في عملية هي على الأرجح ابتزازية، ثم احتجزوا في مارس (آذار) 2014 نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام السابق (المنتهية ولايته)، وحاولوا تشويه صورته، ولكن لم ينجحوا في استدراجه، وبعد ذلك تم نفي أمر الاختطاف».
وخُطف زيدان في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 على يد قوة مسلحة من مقر إقامته بأحد فنادق العاصمة. لكن بعد خروجه من الحكومة في مارس 2014، اتهم مجموعة سياسية لم يُفصح عنها بالوقوف وراء خطفه بهدف «إطاحة الحكومة بالقوة المسلحة».
وأضاف الترجمان أن الخطف «فعل معتاد لدى الميليشيات التي لا تعترف بأي شيء، ولا تؤمن إلا بالسلاح الذي قادها إلى السلطة بعد سقوط النظام السابق، وبالتالي باتت تستخدمه لفرض آرائها على القرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي، لتحقيق مصالحها فيما يتعلق بتعيين المسؤولين بالوزارات والإدارات، ولكن طبعاً الأمر يختلف تبعاً لقوة هذه الميليشيا عن غيرها». واتهم تنظيم «الإخوان» بـ«الاعتماد على توظيف من يواليه من الميليشيات ودفعها لخطف مسؤولين وقيادات سعياً لإعادة خلط الأوراق بما يحقق مصالحه في أوقات محددة».
وبين أسماء شخصيات عديدة تم خطفها، رئيس «حزب التغيير» جمعة القماطي الذي خطف في أكتوبر 2012 بعد مهاجمته للتصرفات والممارسات التي يقوم بها بعض المجموعات المسلحة.
ورأى عضو المجلس الأعلى للدولة في طرابلس عادل كرموس، أن «ما حدث في واقعة خطف بعيو وتكرارها على مدار السنوات الماضية هو أمر متوقَّع مع الأسف في ظل عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد».
وقال كرموس لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه النوعية من الحوادث تقع في عموم البلاد، وليس في المنطقة الغربية فقط»، لافتاً إلى عملية خطف النائبة سهام سرقيوة من قلب منزلها في بنغازي في يوليو (تموز) 2019. وأضاف أنه «رغم ضخامة الآلة الإعلامية في التركيز على حوادث الخطف في الغرب الليبي فقط، فإنه في كل حادث في العاصمة تعلن الجهة الخاطفة عن نفسها وأسباب الخطف وغالباً ما يتم الإفراج عن المخطوف بعد أيام أو فترة قليلة، كما حدث في حالة علي زيدان، ونوري أبو سهمين، أما الخطف والإخفاء بمدن الشرق فيحيط به الغموض التام كما حدث مع سرقيوة التي لم يعرف أحد مصيرها حتى الآن».
ورغم إدانته لمثل هذه الحوادث وإقراره بسيطرة الميليشيات على الأرض، يرى كرموس أن تغير المشهد «يكمن في قدرة الحكومة على فرض إدارتها عبر وزراء أقوياء يعملون على ضبط الميليشيات عبر خطة موضوعية لمعالجة القضية بكل أبعادها».
ولفت إلى أن تسريح وحلّ أي ميليشيا خارجة على القانون هو الاتجاه الذي يسعى إلى إنجازه وزير الداخلية في حكومة «الوفاق» فتحي باشاغا، «رغم قلة الدعم الموجه، وعدم مساندة البعض له باتخاذ مواقف استفزازية كالإصرار على تعيين شخصية مثيرة للجدل كمحمد بعيو (المخطوف) المحسوب على نظام القذافي، والمعروف بمواقف موالية لقيادات معركة الكرامة التي يقودها خليفة حفتر».
وفي مايو (أيار) الماضي، أُعلن عن اعتقال وزير الاقتصاد والتخطيط في حكومة عبد الله الثني شرق البلاد، كامل الحاسي، الذي اختفى من دون أن يُعرف مصيره. وفي نهاية مارس 2018 اختُطف عميد بلدية طرابلس عبد الرؤوف بيت المال.
أما عبد المنعم اليسير، عضو «المؤتمر الوطني العام» الليبي (المنتهية ولايته)، فعدّ حادث اعتقال بعيو «يؤكد أنه لم يعد هناك أحد في مأمن، وأنه لا فرق بين شباب المتظاهرين وبين مسؤول كبير في حكومة الوفاق، فالجميع عُرضة لبطش الميليشيات المسلحة التي تتحكم في المنطقة الغربية».
وذكّر بمحاصرة وزراء في الحكومة أكثر من مرة ومطاردتهم من الميليشيات وباستخدام السلاح «لإجبارهم على إصدار قرارات بتعيينات في مناصب قيادية، وتحديداً في السفارات بالخارج، وهو ما قد تحقق لها بالفعل».
واتهم تنظيم «الإخوان المسلمين» و«الجماعة الليبية المقاتلة» بـ«التخطيط الممنهج للعمل على عدم عودة الجيش والشرطة بعد قيام الثورة، ليتاح المجال أمام تغول تلك الميليشيات واستخدامها في تخويف الليبيين وإقصاء أي معارضة لها».
وأوضح اليسير لـ«الشرق الأوسط» أن «أغلب الإدارات والوزارات السيادية والبنوك تخضع للتأمين من الميليشيات غير النظامية، وقيادات تلك الميليشيات كانت تفرض على الجميع بطرابلس، خصوصاً مديري البنوك والوزراء، منحهم رواتب لأعداد ضخمة من منتسبيهم وإلا تعرضوا للخطف».
وحذّر من مغبّة استمرار الوضع الراهن وتأثيره على الأوضاع المستقبلية للبلاد، «خصوصاً مع استمرار هروب رؤوس الأموال إلى الخارج». ولفت إلى أنه «تم خطف سياسيين ومسؤولين في المصالح المهمة وتجريدهم من ملابسهم وتصويرهم وتهديدهم بنشر هذه الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما هددوا رجال أعمال بخطف أبنائهم وزوجاتهم، ولذا هرب بعض رجال الأعمال من المنطقة الغربية».
ويعد بعيو آخر المنضمين إلى قائمة طويلة من السياسيين والمسؤولين الذين اختطفتهم الميليشيات في ليبيا.