تقابل الرئيس دونالد ترمب المرشح الجمهوري ومنافسه الديمقراطي جو بايدن لمدة 90 دقيقة، لعرض نهجهما في التعامل مع وباء «كوفيد- 19»، ومستقبل نظام التأمين الصحي، وقضية التوترات العرقية والاقتصاد والطاقة والتغير المناخي، ومن يستطيع منهما تهدئة التوترات النووية مع كوريا الشمالية ومواجهة طموحات الصين.
وشهدت المناظرة الرئاسية الأخيرة مساء الخميس في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي، اشتباكات حامية، وشن المرشحان هجمات شخصية بعضهما على بعض؛ لكنها في رأي كل المحللين كانت أقل غضباً وصراخاً، وأفضل كثيراً من المناظرة الرئاسية الأولى التي جرت في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، وشابها كثير من المقاطعة والاشتباك غير المنظم والفوضى.
ويستمر الرئيس ترمب في حشد الناخبين لإعادة انتخابه؛ حيث يشارك في مسيرتين انتخابيتين في فلوريدا مساء الجمعة، بينما يلقي بايدن خطاباً في مدينة ويلمنغتون في ولاية ديلاوير محل إقامته. ومع العد التنازلي ليوم التصويت في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) لتحديد من سيكون الرئيس القادم، سعى ترمب إلى تصوير نفسه بأنه رجل خارج دوائر السياسيين، وهي الصورة التي قدمها للناخبين قبل أربع سنوات. وكرر مساء الخميس أنه نجح في الانتخابات وأصبح رئيساً؛ لأنه ليس سياسياً، وأن إخفاقات السياسيين في واشنطن مثل أوباما وبايدن، هي ما أوصلته إلى السلطة في 2016.
في المقابل أصر بايدن على أن ترمب رئيس غير كفء لبلد يواجه أزمات متعددة، منها: الوباء، وفقدان الوظائف، والظلم العنصري، وحاول ربط إخفاقات ترمب بما يعانيه الأميركيون في حياتهم اليومية.
وكرس ترمب جانباً كبيراً من أدائه خلال المناظرة لإطلاق سهام اتهامات تورط مالي وفساد سياسي، مدعياً أن هانتر بايدن نجل نائب الرئيس السابق كان متورطاً في معاملات تجارية في الخارج بمساعدة والده، مشيراً إلى رسائل إلكترونية وصفقات بملايين الدولارات. وقد واجه بايدن تلك الاتهامات بالدفاع عن نفسه بأنه لم يتلقَّ أي أموال من أي دولة أجنبية، وأن رسائل البريد الإلكتروني لا تقدم أي دليل على ارتكاب أي مخالفات، واصفاً الاتهامات بأنه «قمامة». وحاول بايدن دفع كرة الاتهامات إلى ترمب، متهماً محاميه رودي جولياني بالعمل مع جاسوس روسي لشن حملة تشويه متعلقة بأوكرانيا. وأشار نائب الرئيس السابق إلى قيامه بإعلان إقراراته الضريبية للرأي العام، متهماً ترمب بالاستمرار في رفض الإفراج عن إقراراته الضريبية. وقال بايدن متحدياً ترمب: «أعلن إقراراتك الضريبية، أو توقف عن الحديث عن الفساد»، بينما كرر ترمب دفاعاته بأنها قيد التدقيق، وبأنه دفع ضرائب تقدر بملايين الدولارات مقدماً.
ويقول المحللون إن ترمب لم ينجح في تركيز الأضواء على إنجازاته الاقتصادية بشكل واضح، ولم يسلط الضوء على أرقام البطالة المنخفضة، واعتمد بشكل كبير على تكرار اتهام بايدن بأنه قضى ثماني سنوات في منصب نائب الرئيس ولم ينجز شيئاً ملموساً.
وباء «كورونا»
كان وباء «كورونا» من القضايا الرئيسية التي أخذت مساحة كبيرة من النقاش خلال المناظرة، وتمسك كل مرشح بسياساته حول مواجهة الفيروس. كرر الرئيس ترمب تصريحاته السابقة بضرورة فتح الاقتصاد. وقال إنه من الخطأ إلحاق مزيد من الضرر بالاقتصاد بسبب خوف العدوى من «كوفيد- 19» الذي يتعافى منه معظم المصابين. وشدد على أن لقاحاً سيكون جاهزاً بحلول نهاية العام؛ بينما قال بايدن إن البلاد تتجه نحو «شتاء مظلم» بسبب مساعي ترمب لإلغاء قيود التباعد الاجتماعي، على الرغم من ارتفاع حصيلة الوفيات الناجمة عن الوباء إلى أكثر من ربع مليون أميركي. واتهم بايدن خصمه ترمب بأنه لا يملك خطة أو سياسة واضحة لمكافحة الوباء. وقال ترمب لأول مرة إنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن تداعيات الوباء؛ لكنه سرعان ما تجنب اللوم قائلاً: «إنه ليس ذنبي أن ينتشر الوباء، إنه خطأ الصين».
الرعاية الصحية والهجرة
وفي قضية متصلة، تجادل المرشحان حول سياستهما فيما يتعلق ببرامج الرعاية الصحية، وهي القضية المهمة التي تشغل الرأي العام الأميركي، مع توقعات تنصيب القاضية إيمي باريت في المحكمة العليا، واتجاهها إلى الحكم بعدم دستورية برنامج «أوباما كير» للرعاية الصحية، وبالتالي فقدان الملايين من الأميركيين لتلك البرامج. وقال ترمب إنه سيأتي بـ«خطة رعاية صحية جميلة وجديدة تماماً»؛ لكنه لم يقدم أي تفاصيل حول الشكل الذي ستبدو عليه خطة الاستبدال ببرنامج «أوباما كير». وقال بايدن إن خطته ستخفض أسعار الأدوية وأقساطها، من خلال السماح للمرضى من خلال برنامج الرعاية الطبية بالتفاوض على أسعار الأدوية مع شركات التأمين.
وفي قضية الهجرة والمهاجرين، اتهم المرشح الديمقراطي جو بايدن إدارة ترمب بفصل الأطفال عن أسرهم عند الحدود، مشيراً إلى وجود أكثر من 500 طفل يمكن تحديد مكان آبائهم. وأعلن بايدن أنه سيوفر مساراً للمهاجرين غير الشرعيين - ممن ولدوا في الولايات المتحدة ويقدر عددهم بنحو 11 مليون مهاجر - للحصول على الجنسية الأميركية. ودافع ترمب عن سياساته المقيدة للهجرة، متهماً إدارة أوباما بأنها هي التي وضعت سياسة الفصل وبناء أقفاص احتجاز الأطفال.
الطاقة والتغير المناخي
أشار المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى أنه سيبتعد عن الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة، وسيعمل على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول 2050، وأشار إلى أنه سينهي الدعم الفيدرالي لصناعة النفط والغاز، وأنه يملك خطة لمكافحة تغير المناخ والاستثمار بشكل مكثف في مصادر الطاقة المتجددة كالرياح، معترضاً على رفض ترمب النتائج العلمية لمشكلة التغير المناخي. وقال بايدن: «إن أربع سنوات أخرى من رئاسة ترمب معناها مواجهة ورطة حقيقية». وهاجم ترمب هذه التصريحات مشيراً إلى أنها ستأتي بانتكاسة سياسية للشركات المنتجة للنفط، وقال لمنافسه: «أنا أعرف الرياح أكثر منك. إنها مكلفة للغاية وتقتل الطيور»، وهو ما دفع بايدن إلى الضحك.
كوريا الشمالية والصين
في الجزء الثاني من النقاش، تحول التركيز إلى التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية. وحذر بايدن من أن دولاً مثل روسيا وإيران «ستدفع ثمناً» للتلاعب والتدخل في الانتخابات الأميركية.
بينما زعم ترمب أن إدارة أوباما تركت لها تركة مثقلة بالمشكلات مع كوريا الشمالية. وقال إنه نجح في تلطيف العلاقات وتجنب نشوب حرب. وهاجم بايدن علاقة ترمب مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون، ومنحه الشرعية رغم قيام بيونغ يانع بأربعة تجارب نووية، وعدم تخليها عن ترسانتها النووية.
هل تغيّرت توجهات الناخبين؟
> من غير الواضح أن هذه المناظرة قد أحدثت فارقاً كبيراً في توجهات الناخبين وميول التصويت. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الأميركيين قد اتخذوا قراراتهم بالفعل بشأن المرشح الذي يدعمونه. ووفقاً للإحصاءات حول التصويت المبكر والتصويت عبر البريد، فقد قام أكثر من 47 مليون شخص بالتصويت بالفعل. ويقول المحللون إن الناخبين المؤيدين لترمب كانوا منزعجين من سلوكه المتوتر والعدواني في المناظرة الأولى، وشعروا بالارتياح لأدائه المتزن ليلية الخميس.
وازداد المؤيدون لبايدن طمأنينة بأنه لديه الصحة والطاقة لأداء مهام منصب الرئيس رغم سنه الكبير.
لغة الجسد وتكتيكات الدفاع
> طبقت لجنة الإشراف على المناظرات الرئاسية قاعدة إيقاف تشغيل الميكروفونات لأحد المرشحين بينما يتكلم الآخر، وهو ما جعل المناظرة أكثر هدوءاً واتزاناً؛ إلا أن تعبيرات الوجه والجسد كانت واضحة لدى كل من بايدن وترمب في الاعتراض والهجوم والدفاع. فقد استخدم بايدن ابتسامات السخرية والضحك كتكتيك هجومي عدة مرات، خلال إجابات ترمب حول التوصل إلى لقاح بحلول نهاية العام. وكرر ابتسامته الساخرة حينما قال ترمب إنه لا يوجد رئيس كان قاسياً على روسيا أكثر من دونالد ترمب. وأعرب بايدن عن دهشة مبالغ فيها وضحكة ساخرة حينما قال ترمب إنه لم يحصل على أموال من أعماله في الصين وروسيا، وإنه دفع ملايين الدورات كضرائب. وضحك بايدن ساخراً من اتهام ترمب بأنه يملك ملايين الدولارات ويعيش حياة مرفهة ويملك كثيراً من المنازل. وضحك ساخراً حينما قال ترمب إنه يدعم حق المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة في الحصول على الرعاية الصحية. واستطاع بايدن مقاطعة ترمب أثناء حديثه عن إيميلات هانتر بايدن قائلاً: «هذا ليس صحيحاً» وكررها مرة أخرى حينما كان يتحدث ترمب عن دفع مساعدات للمزارعين الأميركيين في مواجهة تحديات الصين التجارية.
وبينما استخدم ترمب الاسم الأول لخصمه في توجيه الحديث له والانتقادات استخدم بايدن لفظ «هذا الشخص» مستخدماً ذراعه في الإشارة إلى ترمب، بما يعتبره علماء النفس وتحليل لغة الجسد أسلوباً للتقليل والتحقير من الخصوم. وبعد تراشق متبادل استخدم بايدن استراتيجية الحديث المباشر عبر شاشة التلفزيون إلى الناخبين قائلاً: «الأمر لا يتعلق بعائلتي وعائلته، الأمر يتعلق بأسرتك أنت». ويبدو أن الرئيس ترمب استطاع السيطرة على انفعالاته بشكل كبير خلال المناظرة، ومحاولاته المقاطعة، إلا أنه اكتفى بهز رأسه حينما وجَّه بايدن إليه الاتهامات بدفع ضرائب للصين، وعدم الكشف عن إقراراته الضريبية. وهز رأسه نافياً الاتهامات المتعلقة بالاتصال التليفوني مع رئيس أوكرانيا، ودفاع بايدن عن ابنه. واستخدم ترمب كلتا يديه مراراً في إجابته عن الأسئلة في أسلوب دفاعي يعبر عنه جسده بصورة دائمة. وكان واضحاً حرص كل مرشح على ارتداء رابطة عنق تمثل اللون الرسمي للحزب الذي ينتمي إليه؛ حيث ارتدى الرئيس ترمب رابطة عنق حمراء، وارتدى بايدن رابطة عنق زرقاء.
إشادات بكريستين ويلكر منسّقة المناظرة
> اشتبك المحللون والناخبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الفائز في المناظرة؛ لكنهم اتفقوا على فائز واضح في المناظرة، وهي كريستين ويلكر، مذيعة أخبار شبكة «إن بي سي» التي أدارت المناظرة بكفاءة وموضوعية. وأشادت عدة منظمات إعلامية وسياسية ونسائية بسيطرتها على المناظرة. وقالت إحدى المنظمات: «لقد أثبتت كريستين ويلكر أنه إذا أردت أن تنجز العمل بصورة جيدة فاعهد به إلى امرأة».
وقد نشأت كريستين في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، وتخرجت في جامعة «هارفارد» عام 1998، وتعد ثاني امرأة سوداء تدير مناظرة رئاسية منذ 28 عاماً، بعد كارول سيمبسون التي استضافت المناظرة الرئاسية في عام 1992. ووصفت كيلي أودونيل من محطة «إن بي سي نيوز» زميلتها بأنها طرحت أسئلة مدروسة، وكانت صارمة في إدارة المناظرة بما يقدم للناخبين رؤية واضحة وإجابات مباشرة من المرشحين.
مَن الفائز؟
> كالعادة، تنافس كل معسكر في إعلان الفوز في المناظرة، وسارع ترمب إلى نشر وإعادة نشر عديد من التغريدات لاستطلاعات رأي تظهر فوزه في المناظرة بفارق كبير، ونشر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «لاس فيجاس ريفيو» أعطى ترمب 92 في المائة من الأصوات. ونشر ترمب أيضاً استطلاع من موقع «ذي ديلي واير» الإخباري منحه الفوز بنسبة 95 في المائة. إلا أن المحللين قللوا من تلك الاستطلاعات غير الدقيقة والتي يمكن التلاعب بها.
وأعلنت حملة ترمب في بيان أن الرئيس ترمب استطاع كشف جو بايدن كسياسي من واشنطن يتحدث كثيراً ولا يتخذ أي إجراء. وقالت الحملة إن ترمب قام بتفكيك سجل بايدن، وعرض قضية واضحة مفادها أنه أنجز في 47 شهراً ما حققه بايدن في 47 عاماً.
في المقابل، أعلنت حملة بايدن أن مرشحها الديمقراطي فاز في المناظرة الأولى وفي المناظرة الأخيرة ليلة الخميس، واتهمت المنافس الجمهوري دونالد ترمب بأنه أهدر فرصته الأخيرة في تقديم أي مبررات للناخب الأميركي ليعيد انتخابه لأربع سنوات أخرى. وقالت الحملة إن بايدن كان المرشح الوحيد الذي يتمتع بالحكمة والخبرة والقدرة على التغلب على الأزمات التي أخفق فيها ترمب، وإن بايدن قادر على توحيد البلاد مرة أخرى. ونشرت شبكة «سي إن إن» استطلاعاً أشارت فيه إلى أن 52 في المائة ممن تابعوا المناظرة يعتقدون أن بايدن فاز بها مقابل 41 في المائة لترمب. وجاءت نتائج استطلاع للرأي أجرته شبكة «سي بي إس نيوز» مشابهة؛ حيث أشارت إلى أن 54 في المائة ممن تابعوا المناظرة يرون أن بايدن هو الفائز، وأشار 35 في المائة إلى أن ترمب هو الفائز. بينما أظهر استطلاع للرأي لمشاهدي قناة «فوكس نيوز» أن 74 في المائة من المشاهدين يعتقدون فوز الرئيس على بايدن، مقابل 24 في المائة يعتقدون فوز بايدن. وأشار بعض المحللين إلى أن ترمب لم يوجه ضربة قاضية لخصمه؛ لكنه بالتأكيد سجَّل بعض التقدم.