قبل المناظرة الرئاسية الأخيرة التي أجريت الخميس، ضغط الرئيس دونالد ترمب من أجل أن تكون السياسة الخارجية موضوعاً رئيسياً في مواجهته مع المرشح الديمقراطي جو بايدن. ويعتقد كثيرون أن هذا المجال يمكن أن يقدم فيه المرشح الجمهوري الحجة الأقوى أمام الناخبين للبقاء 4 سنوات إضافية في البيت الأبيض. ويشعر ترمب بأنه يقف على أرض صلبة إذا شاء التحدث عن سياسته الخارجية، بخلاف المسائل الداخلية التي يوجد حولها كثير من الجدل. وينعكس ذلك في قول كبير مستشاري حملة الرئيس لعام 2020، جايسون ميللر، إن «السياسة الخارجية ميزة هائلة لدى ترمب في السباق الانتخابي»، بينما تعد «تجربة جو بايدن في السياسة الخارجية كارثة كاملة». ولهذا السبب، وجه رئيس حملة المرشح، بيل ستيبيين، رسالة إلى لجنة المناظرات الرئاسية طالباً «التركيز على السياسة الخارجية» في المناظرة الأخيرة. لكن هذه المحاولة أخفقت، ولم يدع الديمقراطيون هذه المحاولة تمر، إذ أكد مسؤول الإعلام الوطني في حملة الديمقراطيين، تي جي داكلو، أن «الحملتين اتفقتا مع لجنة المناظرات الرئاسية منذ أشهر على أن تختار مديرة المناظرة المواضيع»، مضيفاً أن «حملة ترمب تكذب بشأن ذلك الآن لأن دونالد ترمب يخشى مواجهة مزيد من الأسئلة حول رده الكارثي على (كوفيد-19)».
وقال خبير السياسة الخارجية الأميركية لدى جامعة تافتس في ماساتشوستس، دانيال دريزنر، إنه «نسبياً، من الأفضل لترمب أن يتحدث عن السياسة الخارجية، بدلاً من الحديث عن وضع البلاد»، مشيراً إلى لائحة يمكن لترمب أن يعتمد عليها، من دون أن يعني ذلك أنها لمصلحته.
وعد أن هناك نقطتي ضعف إضافيتين دفعتا ترمب إلى المطالبة بإجراء نقاش حول السياسة الخارجية، بيد أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، موضحاً أن ثمة سببين لذلك: الأول هو أن بايدن أكثر خبرة وحنكة عند الحديث عن السياسة الخارجية فقد تعامل معها طوال عقود من خلال ترؤسه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والثاني شغله منصب نائب الرئيس لثماني سنوات.
وفي ظل الخلاف على صورة أميركا في العالم، تقدم «الشرق الأوسط» هنا لمحة عامة عن السياسات الخارجية التي يعتمدها ترمب، ويمكن أن يعتمدها بايدن إذا فاز بالرئاسة.
نجاحات وإخفاقات لترمب
سجل ترمب عدداً من النجاحات في مجالات خارجية كثيرة. وهو يكرر أنه قاد الحملة العسكرية الدولية التي أدت إلى اجتثاث «داعش» في سوريا والعراق، وقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وأمر بقتل قائد «فيلق القدس» لدى «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وتوسط في تطبيع تاريخي للعلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، فضلاً عن أنه حسن وضع الولايات المتحدة في اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية -المعروف باسم نافتا- مع كندا والمكسيك، ووقع المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري مع الصين، وأشرف على توقيع الولايات المتحدة و«طالبان» اتفاق سلام يمهد لسحب كل القوات الأميركية تقريباً من أفغانستان، وساعد في تسهيل المفاوضات الدبلوماسية بين صربيا وكوسوفو. ويمكن لترمب أن يدعي أن اجتماعات القمة له مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون جعلت بيونغ يانغ توقف -على الأقل في الوقت الحالي- اختباراتها النووية وعمليات إطلاق الصواريخ التي يمكن أن يصل مداها إلى الأراضي الأميركية. كما أنه لم يبدأ أي حروب جديدة أيضاً.
وفي المقابل، يتجنب بايدن أن يكون حاداً في إجاباته عن التساؤلات الكثيرة في شأن سياسة ترمب الخارجية. وعندما سئل أخيراً عما إذا كانت سياسة ترمب الخارجية تستحق بعض الثناء، فأجاب: «قليلاً، لكن ليس كثيراً»، مضيفاً: «نجد أنفسنا في وضع نشعر فيه بالعزلة في العالم أكثر مما كنا عليه في أي وقت مضى». وعرض في الوقت ذاته لما عده أخطاء ترمب الخارجية: لديك إيران أقرب إلى امتلاك مواد نووية كافية لصنع قنبلة، وكوريا الشمالية لديها مزيد من الرؤوس والقنابل النووية والصواريخ الباليستية، مشيراً إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يجاهرون بأنهم لا يستطيعون الاعتماد علينا، مضيفاً أن هناك موقفاً أميركياً صعباً في الشرق الأقصى وغرب المحيط الهادئ، بسبب طموحات الصين، واستمرار الخلافات بين اليابان وكوريا الجنوبية. غير أن بايدن أشاد بالجهود التي بذلها الرئيس ترمب حيال «اتفاقات إبراهيم» بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
مواقف ومآخذ لبايدن
ويرتبط طلب ترمب التركيز على السياسة الخارجية بأن في إمكانه مهاجمة مجالات متعددة من السجل الطويل لبايدن في السياسة الخارجية، مما يضع الأخير في وضع دفاعي. ويتيح النقاش حول الشؤون الدولية لترمب أن يهاجم بايدن في قضايا عدة، مثل دعمه لحرب العراق، ومعارضته قتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وفشله في كبح عدوانية الصين ضد الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس باراك أوباما. ويرى الديمقراطيون أن إجمالي العجز التجاري في الولايات المتحدة الذي سعى ترمب إلى خفضه جزئياً عن طريق تغيير العلاقات التجارية مع الصين يقترب من أعلى مستوى له على الإطلاق، فضلاً عن أنه تغاضى عن اعتقال الصين لنحو مليوني مسلم من الأويغور. ويدعي الديمقراطيون أيضاً أن إيران اقتربت أكثر من القدرة على تطوير سلاح نووي، على الرغم من سياسة «الضغط الأقصى» والعقوبات التي فرضها ترمب على النظام الإيراني، علماً بأنه لم يتمكن من إقناع مجلس الأمن بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة تلقائياً على طهران، على الرغم من انتهاكاتها المتواصلة لخطة العمل المشتركة الشاملة، أي الاتفاق النووي. ويأخذ الديمقراطيون على إدارة ترمب أن كوريا الشمالية صارت في عهده قوة نووية أكبر مما كانت عليه قبل 4 سنوات عندما تولى منصبه.
بوتين وشي ثم ترمب
وفي استطلاع مثير أجري في 17 دولة رئيسية عن الثقة بزعماء العالم، حل ترمب في المرتبة الثالثة، بعد الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينغ. لذلك كان يمكن للنقاش في شأن السياسية الخارجية أن يؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة إلى ترمب، علماً أيضاً بأن قلة من الناخبين الأميركيين تهتم بالسياسة الخارجية، أو تصوت لمرشح رئاسي دون آخر بناء على السياسات الخارجية التي تعد مسرحاً للنخبة فقط في الولايات المتحدة.
وأفاد خبير السياسة الخارجية الأميركية في الجامعة الكاثوليكية، جاستن لوغان، بأن السياسة الخارجية هي «المعادل السياسي للعبة البولو» بالنسبة إلى الأميركيين، مضيفاً أن فوز ترمب المحتمل في النقاش حول السياسة الخارجية لن يؤدي على الأرجح إلى التقدم على بايدن في استطلاعات الرأي، بل «يمكن أن يجعل الأمور أسوأ» بالنسبة إلى ترمب.