استمرار استقالات قيادات «النهضة» يفضح حجم أزماتها الداخلية

الخلافات بدأت منذ إعلان الغنوشي نيته التمديد على رأس الحركة

الغنوشي رئيس «النهضة»... (الشرق الأوسط)
الغنوشي رئيس «النهضة»... (الشرق الأوسط)
TT

استمرار استقالات قيادات «النهضة» يفضح حجم أزماتها الداخلية

الغنوشي رئيس «النهضة»... (الشرق الأوسط)
الغنوشي رئيس «النهضة»... (الشرق الأوسط)

كشفت استقالة آمنة الدريدي، عضو مجلس شورى «حركة النهضة التونسية»، (إسلامية)، التي يتزعمها راشد الغنوشي، عن عمق الأزمة الداخلية التي يعرفها هذا الحزب منذ إعلان الغنوشي نيته التمديد على رأس الحركة، وذلك في تجاهل تام لمقتضيات النظام الداخلي للحزب، الذي لا يسمح له بالترشح لرئاسة الحزب للمرة الثالثة على التوالي.
ولئن لم تذكر الدريدي الأسباب الفعلية التي تقف وراء قرار استقالتها، فإن مصادر عدة مقربة من «حركة النهضة» تؤكد أن مغادرة الدريدي تأتي في مناخ يطغى عليه ازدياد أعداد «النهضويين» الغاضبين من عدم احترام مبدأ تداول رئاسة الحزب، خصوصاً من بين قيادات الجيلين الثاني والثالث.
وكانت الدريدي قد ترشحت السنة الماضية ضمن قائمة «حركة النهضة» في دائرة تونس الثانية، وهي عضو في مكتب المرأة والأسرة داخل الحركة.
وعرفت «النهضة» خلال السنوات الماضية استقالات عدة؛ أبرزها استقالة حمادي الجبالي رئيس الحكومة السابق، احتجاجاً على طريقة إدارة الحركة أزمة 2013 التي أدت إلى خروجها من السلطة، واستقالة عبد الحميد الجلاصي، أحد أبرز القيادات التاريخية للحركة، الذي قال إن «النهضة تعاملت مع الدولة بمنطق الغنيمة طيلة وجودها في الحكم».
كما عرفت الحركة استقالة زياد العذاري، الأمين العام للحركة، بسبب اختلافه مع بقية القيادات، ومن بينهم الغنوشي، حول خطها السياسي وطريقة تشكيل القائمات الانتخابية خلال انتخابات 2019، ومسار اختيار رئيس الحكومة، ومنهجية تشكيلها.
وفي هذا السياق، قال خالد البارودي، المحلل السياسي التونسي، إن الخلافات داخل «حركة النهضة» «برزت للعيان خلال المؤتمر العاشر للحزب، حيث ظهرت أكثر من رؤية سياسية، وفريقان اثنان: الأول يطالب بمزيد من الديمقراطية في إدارة الشؤون الداخلية للحركة، فيما تمسك الفريق الثاني بضرورة الإبقاء على وضع خاص لمنصب رئاسة الحركة، بوصفه يتطلب كاريزما خاصة، لا تتوفر حالياً إلا لدى الغنوشي، في إشارة إلى علاقات الغنوشي الخارجية المتشعبة والمتطورة، مما يعود بالنفع على الحزب ككل».
أما على مستوى المشهد السياسي الحالي، فيرى بعض المراقبين أن «حركة النهضة» قد تعرف «أياماً صعبة» تنذر بانقسام حتمي، خصوصاً في ظل وجود دعوات للخروج عن الحركة، وتأسيس حزب سياسي آخر يعتمد المبادئ نفسها، ولا يعيد الأخطاء الكثيرة التي مرت بها تجربة حكم «النهضة».
والملاحظ أنه بعد تولي الغنوشي رئاسة البرلمان واجهت «النهضة» صعوبات جمة من قبل أحزاب المعارضة، ممثلة خصوصاً في «الحزب الدستوري الحر»، الذي تتزعمه عبير موسي، وبرزت خلافات داخلية ترجمتها «مجموعة المائة»، التي عارضت التمديد للغنوشي، وطالبت باحترام النظام الداخلي للحزب. وكانت مجموعة من «شباب النهضة» قد انتقدت القيادات المعارضة للغنوشي، وهو ما عدّ دعماً غير مباشر للتمديد لرئيس الحركة، وتمسكاً ببقائه رئيساً لها لدورة ثالثة.
وأكد سامي الطريقي، عضو لجنة الإعداد لمؤتمر «النهضة»، المزمع عقده نهاية السنة الحالية، وجود توجه للاحتكام إلى آلية الاستفتاء الداخلي لحسم الخلاف حول التمديد للغنوشي على رأس الحزب. وقال إن الفصل الـ«133» من النظام الأساسي للحركة يمكن رئيس الحزب، أو أغلبية أعضاء مجلس الشورى، من الدعوة إلى استفتاء لتجاوز هذا الخلاف في حال تواصله، مشيراً إلى أن جميع قيادات «النهضة»؛ بمن فيهم رئيس الحزب نفسه، «لا يتبنون فكرة التمديد للغنوشي ولا يدافعون عنها، بل يدافعون عن مبدأ أن يكون التداول عبر صندوق الاقتراع».
في المقابل، كشف بلقاسم حسن، عضو المكتب التنفيذي لـ«النهضة»، عن تواصل الاستعدادات لعقد مؤتمر الحزب، دون الانتباه كثيراً إلى الخلافات الداخلية. وقال إن الخلاف حول بقاء الغنوشي على رأس الحركة من عدمه «بسيط وسيعرف الحل في إطار هياكل الحزب، وهو ليس خلافاً معقداً كما يصوره الإعلام المحلي، وتروج له الأحزاب المعارضة»، عادّاً أن الحل «يكمن في تنفيذ ما جاء به النظام الداخلي للحزب، لأنه أعطى سلطة تقدير الخلافات وحلها للمؤتمرين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.