«فساد الجوائز الأدبية» في رواية مغربية

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

«فساد الجوائز الأدبية» في رواية مغربية

غلاف الرواية
غلاف الرواية

صدر للكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج، عن دار هاشيت أنطوان - نوفل، روايته الجديدة «أحجية إدمون عَمران المالح» التي تركز حبكتها الرئيسية على كشف أسرار وكواليس الجوائز الأدبية، وشبهات الفساد التي تلاحقها، وهي الثيمة التي حركت أحداث الرواية نحو موضوع آخر، هو الجالية المغربية من أصول يهودية التي هاجرت إلى فرنسا؛ هذا الموضوع قاده لتفكيك إشكالية الهوية لدى اليهود المغاربة الذين تتقاطع في ثقافتهم هويات متعددة.
مدخل الرواية مثّل صدمة عنيفة، حين يكشف الراوي عن صفقات شبيهة بعمليات «المافيا» لدفع روايات بعينها نحو صدارة الجوائز الأدبية؛ تشير الجملة الافتتاحية دون مواربة إلى ما يحدث خلف الكواليس: «مّرِرْ رواية (اليوم المقدس) إلى القائمة القصيرة، وستحصل فوراً على شيك بعشرين ألف فرنك».
جاءت تلك الجملة الشبيهة بعروض المافيا التي لا يمكن رفضها على لسان فرانز غولدشتاين، المحرر الرئيس في دار نشر فرنسية، تمثل واجهة لغسل أموال المافيا الفرنسية، وكانت موجهة بإغراء مبطن بتهديد إلى «عمران المالح»، المشرف على صفحة الكتب في جريدة «لوموند» عضو لجنة تحكيم جائزة أدبية.
ويشكل ذلك العرض الصراع الذي يحرك حبكة الرواية التي من خلالها نتعرف على تفاصيل من كواليس عالم النشر. كما نتعرف على التفاصيل الشخصية للبطل عمران، اليهودي المغربي الذي هاجر إلى إسرائيل، ولم يستطع تحمل البقاء هناك، فنفى نفسه إلى فرنسا، حيث وجد نفسه في مواجهة اليهودي الآخر، فرانز غولدشتاين: «عزيزي، نحن نفكر في المستقبل، ولا نسجن أنفسنا بمحدودية الحاضر. هذه الرواية لن تحقق الكثير اليوم. ربما ستثير بعض القلاقل هنا وهناك، وقد تمنع في أكثر من دولة إسلامية، وقد لا تبيع أكثر من مليون نسخة. كاتبها لا يزال مغموراً اليوم، لكنه بعد سنوات قليلة سيصير نجماً». ثم ابتسم فرانز، وارتسم على وجهه مزيج من الخبث والخيلاء، وأخذ المنديل ومرره على شفتيه، قبل أن يتابع: «سيكون نجماً تابعاً لنا نوجهه حيث نشاء كيفما نشاء». ثم وضع أصابع يده على طرف الطاولة، واقترب بوجهه هامساً: «خذ مني هذه النصيحة: حان الوقت لتتخلى عن أوهامك الشيوعية. فكر في مصلحتك الذاتية، وفكر في خدمة بني جنسك. هذا العالم لنا؛ كان لنا وسيبقى لنا» (ص 41).
يتحدث احجيوج هنا عن جائزة أدبية فرنسية، بحكم زمان ومكان أحداث الرواية، فهل تنطبق على جميع الجوائز، قديمها وحديثها؟
رواية «أحجية إدمون عَمران المالح» هي الثانية في رصيد الكاتب محمد سعيد احجيوج، بعد روايته الأولى «كافكا في طنجة» التي صدرت في القاهرة، في ديسمبر (كانون الأول) 2019. كما أصدر من قبل مجموعتين قصصيتين: «أشياء تحدث» (2004)، و«انتحار مرجأ» (2006). وسبق له الفوز بثلاث جوائز شعرية. كما فاز مخطوط روايته «ليل طنجة» بجائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وأصدر أيضاً مجلة «طنجة الأدبية» (2004 - 2005)، وعدداً من المشاريع الأدبية والثقافية.
- من أجواء الرواية
«التلخيص -كما الترجمة- خيانة؛ كلاهما يقوم على التأويل. تجد في الرواية أحداثاً وأفكاراً قابلة لتأويلات متعددة، مختلفة أو متكاملة، أو حتى متناقضة. حين ترتكب جرم التلخيص، فإنك تضطر، بوعي أو من دونه، إلى انتقاء تأويل واحد فقط؛ هذه خيانة للنص. الروايات العظيمة لا يمكن تلخيصها. العظمة تأتي من تعدد مستويات القراءة والتأويل؛ التلخيص يقتل ذلك».


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
TT

ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية

كشفت أعمال المسح المتواصلة في الإمارات العربية المتحدة عن مواقع أثرية موغلة في القدم، منها موقع تل أبرق التابع لإمارة أم القيوين. يحوي هذا التل حصناً يضمّ سلسلة مبانٍ ذات غرف متعددة الأحجام، يجاوره مدفن دائري جماعي كبير. وتُظهر الدراسات أن هذه المنشآت تعود إلى فترة تمتد من الألف الثالث إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وترتبط بمملكة عُرفت في تراث بلاد الرافدين باسم ماجان. خرجت من هذا التل مجموعة من اللقى تشهد لتعدّدية كبيرة في الأساليب، وضمَّت هذه المجموعة بضع قطع ذهبية، منها قطعة منمنمة على شكل كبش، وقطعة مشابهة على شكل وعلَين متجاورين.

يقع تل أبرق عند الخط الحدودي الفاصل بين إمارة أم القيوين وإمارة الشارقة، حيث يجاور الطريق الرئيسي المؤدي إلى إمارة رأس الخيمة. شرعت بعثة عراقية باستكشاف هذا الموقع في عام 1973، وبعد سنوات، عُهد إلى بعثة دنماركية تابعة لجامعة كوبنهاغن بإجراء أعمال المسح والتنقيب فيه، فأجرت تحت إدارة العالِم دانيال بوتس خمس حملات بين عامَي 1989 و1998. خرج تل أبرق من الظلمة إلى النور إثر هذه الحملات، وعمد فريق من الباحثين التابعين لكلية برين ماور الأميركية وجامعة توبنغن الألمانية على دراسة مكتشفاتها في 2007. تواصلت أعمال التنقيب في السنوات التالية، وأشرفت عليها بشكل خاص بعثة إيطالية تعمل في إمارة أم القيوين منذ مطلع 2019.

استعاد دانيال بوتس فصول استكشاف هذا الموقع في كتاب صدر عام 1999 تحت عنوان «ماجان القديمة... أسرار تل أبرق». زار الباحث تل أبرق للمرة الأولى في 1986، يوم كان يقود أعمال التنقيب في مواقع مجاورة، وزاره ثانية بعد عامين، بحثاً عن مؤشرات أثرية خاصة تتعلّق بالأبحاث التي كان يقودها، وكان يومها يعتقد أن تاريخ هذا التل يعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ثم عهد إلى العالِمة الدنماركية آن ماري مورتنسن بمشاركته في استكشاف هذا الموقع، وتبيّن له سريعاً أن الأواني التي كشفت عنها أعمال المسح الأولى تعود إلى القرون الثلاثة الأولى قبل الميلاد بشكل مؤكّد. إثر هذا الاكتشاف، تحوّل موقع تل أبرق إلى موقع رئيسي في خريطة المواقع الأثرية التي ظهرت تباعاً في الأراضي التابعة للإمارات العربية المتحدة، وتوّلت البعثة الدنماركية مهمة إجراء أعمال المسح المعمّق فيه خلال خمسة مواسم متتالية.

حمل عنوان كتاب دانيال بوتس اسم «ماجان القديمة»، وهو اسم تردّد في تراث بلاد الرافدين، ويمثّل جزءاً من شبه جزيرة عُمان كما تُجمع الدراسات المعاصرة. يذكر قصي منصور التركي هذا الاسم في كتابه «الصلات الحضارية بين العراق والخليج العربي»، ويقول في تعريفه به: «تعدّدت الإشارات النصية المسمارية عن المنطقة التي عُرفت باسم ماجان، وهي أرض لها ملكها وحاكمها الخاص، أي إنها تمثّل تنظيماً سياسياً، جعل ملوك أكد يتفاخرون بالانتصار عليها واحداً تلو الآخر». عُرف ملك ماجان بأقدم لقب عند السومريين وهو «إين» أي «السيد»، كما عُرف بلقب «لوجال»، ومعناه «الرجل العظيم». واشتهرت ماجان بالمعادن والأحجار، وشكّلت «مملكة ذات شأن كبير، لها ملكها واقتصادها القوي»، ودلَّت الأبحاث الحديثة على أن مستوطنات هذه المملكة، «بما فيها الإمارات العربية وشبه جزيرة عُمان الحالية، كانت لها قاعدة زراعية، ولكي تجري حماية استثماراتهم هذه شعر المستوطنون بضرورة بناء التحصينات الدفاعية الممكنة لقراهم، حيث احتوت كل قرية أو مدينة صغيرة على أبراج مرتفعة، بمنزلة حصن مغلق واسع، يتفاوت ارتفاعاً ومساحةً بين مدينة وأخرى». يُمثّل تل أبرق حصناً من هذه الحصون، ويُشابه في تكوينه قلعة نزوى في سلطنة عُمان، وموقع هيلي في إمارة أبو ظبي.

يتوقّف دانيال بوتس أمام اكتشافه قطعةً ذهبيةً منمنمةً على شكل كبش في مدفن تل أبرق، ويعبّر عن سعادته البالغة بهذا الاكتشاف الذي تلاه اكتشاف آخر هو كناية عن قطعة مشابهة تمثّل كما يبدو وعلَين متجاورين. وتحمل كلٌّ من هاتين القطعتين ثقباً يشير إلى أنها شُكّلت جزءاً من حليٍّ جنائزية. إلى جانب هاتين الحليتين الذهبيتين، تحضر حلقة على شكل خاتم، وقطعة على شكل ورقة نباتية مجرّدة، إضافةً إلى زر صغير، وتُكوّن هذه القطع معاً مجموعة ذهبية صغيرة تجذب ببيرقها كما بصناعتها المتقنة. يحضر الكبش في وضعية جانبية، ويتميّز بطابع تجسيمي دقيق، يتجلى في جانبيه. في المقابل، يحضر الوعلان متقابلين بشكل معاكس، أي الذيل في مواجهة الذيل، ويتميّزان كذلك بحذاقة في التنفيذ تظهر في صياغة أدّق تفاصيل ملامح كل منهما.

يذكر احد النقوش أن «لوجال ماجان»، أي عظيم ماجان، أرسل ذهباً إلى شولكي، ثاني ملوك سلالة أور الثالثة الذي حكم من 2049 إلى 2047 قبل الميلاد. ويربط دانيال بوتس بين قطع تل أبرق الذهبية وبين هذا الذهب، مستنداً إلى هذه الشهادة الأدبية، ويجعل من هذه القطع قطعاً ملكية ماجانية. في الخلاصة، يبرز كبش تل أبرق ووعلاه بأسلوبهما الفني الرفيع، ويشكّلان قطعتين لا نرى ما يماثلهما في ميراث مكتشفات تل أبرق الذي ضمّ مجموعة من البقايا الحيوانية، تُعد الأكبر في شبه الجزيرة العربية.

من هذا الموقع كذلك، عثرت البعثة الإيطالية في عام 2021 على مجموعة من اللقى، منها تمثال نحاسي صغير على شكل وعل، يبلغ طوله 8.4 سنتيمتر. يعود هذا التمثال إلى فترة زمنية مغايرة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي، ويتميّز بطابعه الواقعي الذي يعكس أثراً هلنستياً واضحاً. يماثل هذا التمثال مجموعة كبيرة من القطع مصدرها جنوب الجزيرة العربية، كما يماثل قطعاً معدنية عُثر عليها في قرية الفاو، في الربع الخالي من المملكة السعودية.