الخرطوم و{الجنائية الدولية} تبحثان خيارات محاكمة البشير عن جرائم دارفور

من بينها تشكيل محكمة مختلطة بعد التشاور مع مؤسسات الدولة وأسر الضحايا

فاتو بنسودا خلال لقائها عدداً من المسؤولين السودانيين في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
فاتو بنسودا خلال لقائها عدداً من المسؤولين السودانيين في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

الخرطوم و{الجنائية الدولية} تبحثان خيارات محاكمة البشير عن جرائم دارفور

فاتو بنسودا خلال لقائها عدداً من المسؤولين السودانيين في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
فاتو بنسودا خلال لقائها عدداً من المسؤولين السودانيين في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

أسفرت المحادثات بين مسؤولي حكومة السودان الانتقالية، والمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، عن طرح عدة خيارات، بينها تشكيل محكمة مختلطة بشأن محاكمة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، بتهم ارتكاب جرائم إبادة في إقليم دارفور غرب البلاد، بحسب ما أعلن وزير العدل السوداني أمس.
وقال الوزير نصر الدين عبد الباري، في مؤتمر صحافي: «التقينا بها (بنسودا)... وتطرقنا لعدة خيارات ومقترحات فيما يتعلق بشأن القضايا أمام المحكمة، ونتطلع للوصول إلى رؤية مشتركة».
وأضاف عبد الباري موضحاً: «من بين تلك الخيارات التسليم والمثول، أو تكوين محكمة هجينة (مختلطة)، أو محكمة خاصة، عقب التشاور مع مؤسسات الدولة وأسر الضحايا».
من جهته، أكد النائب العام السوداني، تاج السر الحبر، التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وشدّد على أن المبدأ العام هو «عدم الإفلات من العقاب».
ووصلت بنسودا إلى الخرطوم السبت، في زيارة للسودان تستمر 5 أيام، بهدف بحث القضايا التي تنظر فيها المحكمة والمتصلة بإقليم دارفور. وخلال زيارتها قدمت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، مقترحات للأجهزة العدلية السودانية، لبحث صيغة التعاون بين الطرفين بخصوص مثول الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر اعتقال من «الجنائية الدولية»، وفي المقابل قدم الجانب السوداني عدة مقترحات حول الملف ذاته.
وعقد أمس اجتماع ثلاثي، ضم النيابة العامة السودانية ووزارة العدل، والمدعية العامة للجنائية فاتو بنسودا، ناقش كيفية التعاون بين السودان والمحكمة الدولية.
وقال النائب العام السوداني، في تصريحات مشتركة، إن اللقاء تناول مسائل فنية كثيرة ومتعددة، لكنه لم يتطرق إلى كل التفاصيل.
من جانبه، قال وزير العدل، نصر الدين عبد الباري، إن الاجتماع الثلاثي تطرق للخيارات المختلفة في القانون الجنائي الدولي بشأن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وأوضح أن الحكومة تقدمت بعدد من المقترحات، كما تقدمت مدعية المحكمة وفريقها في المقابل بمقترحات، تتعلق بقضايا المواطنين السودانيين أمام المحكمة.
وأضاف عبد الباري: «اتفقنا على استمرار النقاش في الأيام المقبلة، وفي المستقبل القريب للوصول لرؤية مشتركة تلبي آمال الضحايا، وتتماشي مع رغبة الحكومة والقانون الجنائي الدولي».
ومن جانبها، قالت بانسودا إن هدف المحكمة الجنائية الدولية تحقيق العدالة لضحايا الحرب بعيداً عن السياسة. مؤكدة أن الاجتماع «كان مثمراً، وناقش عدداً من الخيارات والتعاون مع الحكومة بحق الذين أصدرت المحكمة أوامر اعتقال في حقهم».
بدوره، أكد وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، استعداد بلاده تسهيل مهام وفد المحكمة لتحقيق الأهداف المشتركة. وقال في بيان صحافي أمس، عقب لقائه وفد الجنائية: «نحن ندعم جهود المحكمة لتحقيق العدالة بمصداقية وشفافية».
وأشارت «الخارجية» إلى أن زيارة وفد الجنائية الدولية «تأتي في إطار التنسيق والتكامل مع حكومة الفترة الانتقالية بخصوص المتهمين، الذين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بحقهم أوامر قبض، وتعاون الحكومة الجاد من الحكومة فيما تقدمه من دعم للمحكمة لتحقيق العدالة».
من جهة ثانية، دعت «جبهة الثورة» السلطات الحكومية والعدلية للتعاون الكامل غير المحدود مع المدعية العامة، وتسهيل مهمتها بخصوص مثول الأشخاص الذي صدرت بحقهم أوامر قبض، وفقاً لما تم التوافق عليه في اتفاق السلام في جوبا.
وقالت «الثورية» في بيان إن وصول وفد المحكمة للبلاد «يشكل حداً فاصلاً في تاريخ العدالة الدولية، وخطوة أولية نحو إنصاف ضحايا الإبادة الجماعية ومحاربة ظاهرة الإفلات من العقاب».
وكانت الحكومة والحركات المسلحة في دارفور قد توصلت إلى اتفاق في فبراير (شباط) الماضي، يقضي بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بالإقليم أمام المحكمة الجنائية الدولية. لكن لم يتوصل الطرفان إلى صيغة مشتركة حول كيفية مثول المطلوبين.
جدير بالذكر أن السلطة الانتقالية في السودان بشقيها (مجلسي السيادة والوزراء)، تعهدت بالتعاون الكامل مع «الجنائية الدولية» في القضايا، التي تنظر فيها، وعلى وجه الخصوص أوامر القبض التي صدرت بحق عدد من المتهمين.
وتطالب «الجنائية الدولية» بالرئيس المعزول عمر البشير، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون الحاكم السابق لولاية جنوب كردفان، بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، حدثت في إقليم دارفور، كما تبحث عن أدلة جديدة بخصوص أحد الموقوفين. ويمثل حالياً أمام الجنائية الدولية علي «كوشيب»، أحد قادة الميليشيات القبلية، لتورطه في أعمال قتل واغتصاب ونهب للمدنيين.
وكانت «الجنائية الدولية» قد أصدرت في عامي 2009 و2010 مذكرتي اعتقال بحق الرئيس المعزول، بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في دارفور إبان فترة حكمه. وبحسب الأمم المتحدة، فإن أعداد القتلى خلال الحرب التي جرت في دارفور، قاربت 300 ألف قتيل وأكثر من 3 ملايين لاجئ ونازح.
وقد أحال مجلس الأمن الدولي في 2005 قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وقضى القرار بملاحقة مسؤولين سودانيين في الحكومة والجيش، وقادة ميليشيات قبلية، عن عمليات قتل وتهجير، واغتصاب جرت في دارفور.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».