التحشيد الإلكتروني يسجل مكاسب عربية جديدة

إلغاء حفل سعد لمجرد وقضية مي نعيمة أحدث تعابيره

TT

التحشيد الإلكتروني يسجل مكاسب عربية جديدة

في مشاهد لافتة، لعب التحشيد الإلكتروني دورا كبيرا في «حسم» وتحقيق «نجاحات ولو بشكل مؤقت» في بعض القضايا والدعوات التي شغلت الرأي العام، تصل إلى درجة «المكاسب» عربيا وغربيا. وعلى سبيل المثال، تسببت ما يُمكن وصفها بـ«احتجاجات إلكترونية» على مواقع التواصل الاجتماعي في إلغاء حفل الفنان المغربي سعد لمجرد على أساس «اتهامه في قضايا اغتصاب»، وقبلها تسببت في إجراء تحقيقات بحادثة «التعدي على فتاة جنسيا» بأحد فنادق القاهرة رغم مرور سنوات على وقوع الحادثة. كذلك شملت النجاحات الكثير من القضايا عربيا وعالميا، ربما كان أشهرها أخيرا كشف «جرائم التحرش في العالم» تحت هاشتاغ Me too.
الإفادات السابقة تثير تساؤلات حول مدى تأثير مواقع التواصل في الرأي العام ودورها في التحشيد الإلكتروني فيما يعرف الآن بقوة «السوشيال ميديا». وعلاقة هذه القوة بدور وسائل الإعلام التقليدي، التي اعتادت على مدار عقود اختيار القضايا وتشكيل أجندة الرأي العام سياسيا واجتماعيا.
وبينما يقول خبراء إن «دور وسائل الإعلام التقليدية (تراجع) في الحشد وتشكيل الرأي العام». يرى آخرون أنها «ما زالت محتفظة بدورها، وإن لم يظهر ذلك على السطح».
المدوّنة المغربية شامة درشول، المتخصصة في التحليل الإعلامي والقوة الناعمة، دعت إلى «التمييز بين الرأي العام، والرأي العام الرقمي»، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «الرأي العام الذي ألفناه كانت تؤطره الصحافة التقليدية والأحزاب إلى غير ذلك، في حين أن الرأي العام الرقمي عرفناه أولا مع المدونات، أو ما كان يعرف بصحافة المواطن، ومع أفول نجمها، ظهرت الشبكات الاجتماعية، ليشكلا معا الإعلام البديل أو الجديد».
وأردفت درشول أنه «لم يكن متصورا أن هذه المنصات المجانية التي أسستها شركات أميركية على أنها منصات توفر لمستخدمها إمكانية نشر المحتوى بالمجان، دون أي قيود حقيقية، ستتحول إلى (أم الإعلام والصحافة)، وستصبح أداة التأثير الأول في صناعة الرأي العام، ومن ثم، تسحب البساط من المؤسسات التقليدية التي كانت تشرف على توجيه الرأي العام قبل ظهور هذا الإعلام الذي لم يعد لا بديلا ولا جديدا». ثم تابعت: «هذه الشبكات على مدار 3 10 سنوات، هي عمرها، باتت جزءا من حياتنا وليس مجرد عالم افتراضي، وهذه أسباب قوتها. إذ إنها توفر ما يعرف بـReal Time أي نقل الحدث في وقته وحينه، من دون حاجة للانتظار، ولا الرقابة، كما يفعل الإعلام التقليدي، الذي يعتمد في عمله على قيود وقواعد، جاءت الشبكات الاجتماعية لتكسرها، وأصبحت قادرة على سجن أشخاص وتغيير قوانين وإقالة مسؤولين». وأكدت أن «الشبكات الاجتماعية (التهمت) العالم وليس فقط الإعلام التقليدي، ووضعته في جيب واحد - على حد قولها، لتصبح مفتاحا لدخول عوالم أخرى من الحياة الافتراضية».
من ناحية أخرى يرى الحسين أولباز، وهو مدير شركة تواصل وإنتاج تلفزيوني في العاصمة الأميركية واشنطن، أن «وسائل التواصل أصبحت أهم محرك للرأي العام دوليا». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لم نعد أسرى لحملات التأثير التقليدية مثل التلفزيون والإذاعة والصحف، لأننا دخلنا فعلا إلى العصر الرقمي الذي أصبحت تحكمه وسائل التواصل الاجتماعي، فالرأي العام والتوجهات السياسية ومصادر الأخبار أصبحت الآن في يد فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتيك توك وغيرها من المنصات».
بدوره، قال الدكتور يوتام أوفير، الأستاذ المساعد بقسم التواصل جامعة ولاية نيويورك - بفالو الأميركية، لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الصعب القول ما إذا كان سلوك الأفراد، هو نتيجة السوشيال ميديا. فنحن نعرف على وجه الخصوص أن هناك أحداثا دعمتها السوشيال ميديا، مثل الربيع العربي، وحركة احتلال وول ستريت، عندما ساهمت في توفير وسيلة فعالة للحشد»، مضيفا أن «مواقع التواصل، أداة تواصل فعالة، وأكبر مميزاتها أنها تتيح للأفراد نشر رسائلهم بسرعة ولعدد كبير».
جدير بالذكر، أنه وفق بحث نشره «مركز بيو» الأميركي للأبحاث منتصف يوليو (تموز) الماضي، فإن «بعض الأميركيين يستخدمون مواقع التواصل كوسيلة للحشد، بهدف القيام بفعل معين بنسبة 32 في المائة، ويستخدمونها لإظهار تأييدهم لقضية معينة بنسبة 36 في المائة، في حين يستخدمونها في البحث عن معلومات بشأن أماكن المسيرات والمظاهرات بنسبة 35 في المائة».
وحسب أوفير «بغض النظر عن الاعتقادات السائدة، ما زالت الوسائل التقليدية تلعب دورا مركزيا في وضع الأجندة. ورغم حقيقة حصول الناس على معلوماتهم عبر السوشيال ميديا، فإن معظم هذه المعلومات تأتي من أو تعتمد على وسائل الإعلام التقليدية. وفي نهاية اليوم عندما تدخل تويتر، مثلا، لمعرفة ما يحدث، ستجد مجموعة من الروابط لمواضيع، معظمها من وسائل الإعلام التقليدية»، مضيفا «بينما يعتقد كثيرون بأنهم يحصلون على معلوماتهم من (السوشيال ميديا) فإن الحقيقة أنهم يحصلون عليها من وسائل الإعلام التقليدية». مشيرا إلى «نتائج دراسة حديثة ذهبت إلى أن أكبر مصدر للمعلومات الخاطئة على الشبكة الرقمية ليس عامة الناس؛ بل النخبة من سياسيين ووسائل إعلام تقليدية».
أوفير يعتقد بأن «السوشيال ميديا ستختفي في يوم من الأيام مثلها مثل وسائل الإعلام الأخرى، وستفقد بعض قوتها وهيمنتها أو يصار إلى الاستعاضة عنها بشكل جديد منها. ولكن، وحتى ذلك الوقت، فهي توفر الآن مساحة آمنة للناس للتواصل، وتمكين الحركات الاجتماعية، والالتفاف حول حراس البوابة التقليديين».
عودة إلى شامة درشول، التي ترى أن «العلاقة بين الإعلام التقليدي ومواقع التواصل، لا يصح أن تكون لا علاقة تنافس ولا علاقة تكامل... لأنه إذا اعتبرناها علاقة تنافس، فهذا يعني أننا نعترف بها إعلاميا، في حين أن فلسفتها هي كسر قواعد وقيود الإعلام المألوفة... وكذلك لا يمكن اعتبارها تكاملا، لأنها لا تزال تعتبر منصات للمحتوى وليست شركات للنشر. وهذا ما جعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب يهدد تويتر بأنه سيوقع على قانون جديد يعتبر مواقع التواصل شركات للنشر وليس مجرد منصات، كي يستطيع محاسبتها كما تحاسب باقي وسائل الإعلام التقليدي». وطالبت «وسائل الإعلام التقليدية بالكف عن ترديد كلمات أن المستقبل للتكنولوجيا فقط، وأن الميديا التقليدية ماتت، لأن ما سيقتل الميديا التقليدية فعلا، هو هذا الاعتقاد الخاطئ، والسقوط في فخ الأرقام، من عدد المشاهدات، وعدد المشاركات».
وحقا، حسب دراسة أجراها مجموعة من الباحثين في جامعة زيوريخ بسويسرا وجامعة دبلن بآيرلندا، نشرت منتصف يوليو (تموز) الماضي بعنوان «مواقع التواصل الاجتماعي ووضع الأجندة»، فإن «المنصات الإلكترونية قللت من سلطة حارس البوابة) للإعلام التقليدي، وربما زادت من قدرة فاعلين آخرين على تشكيل ووضع الأجندة، لتصبح مواقع التواصل منصات تواصل سياسية». لكن الدراسة أكدت في الوقت ذاته «صعوبة تحديد دور كل من الإعلام التقليدي ووسائل التواصل في وضع الأجندة وحشد الرأي العام، لتداخل العلاقات بينهما».
هذا، وتكمن خطورة هذه المواقع بحسب أولباز، في «تحولها إلى أسلحة فتاكة تستخدمها بعض الحكومات والجماعات والأفراد للتأثير في الرأي العام، من أجل الوصول إلى أهدافها. فـ(تنظيم داعش) الإرهابي مثلا يستخدم تلغرام لنشر خطابه الدعائي، وبعض الدول تستخدم فيسبوك وتويتر لتعميق الخلافات الآيديولوجية في الدول الغربية». ويرجح أولباز أن «يكون المستقبل القريب، هو عصر سيطرة منصات التواصل على توجهات الناس واختياراتهم وحتى رغباتهم وأهوائهم». وبدوره، يقول أوفير إن «بعض الحشد الإلكتروني يحدث في وسائل التواصل الأقل انتشارا، وهو ما يتربط بالحركات التي تعتمد على نظريات المؤامرة والمعلومات الخاطئة، على سبيل المثال بدأ تويتر وفيسبوك أخيرا محاربة نظريات المؤامرة التي ابتكرها أتباع ما يسمى بحركة كيو آنون وأغلقا الكثير من حساباتهم».



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.