يحظى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحيّز يقلّ نظيره من الاهتمام - سلباً أو إيجاباً - في مجمل وسائل الإعلام الأميركية، التقليدية منها والمعاصرة. ويعتقد المراقبون أن ذلك يثير الإعجاب وربما الغيرة والحسد عند نائب الرئيس السابق جو بايدن، خصمه اللدود في الانتخابات الرئاسية. «لأن وسائل الإعلام زائفة جداً، وفاسدة للغاية، إن لم تكن لدي وسيلة تواصل اجتماعي، لا أسميها (تويتر) (…) لا أتمكن من إيصال كلمتي»، أجاب ترمب بشكل حاذق على سؤال محاورته الصحافية سافانا غوثري عبر شبكة «سي بي إس» الأميركية للتلفزيون عن واحدة من تغريداته المثيرة، عارفاً أن لديه أكثر من 87 مليون متابع على «تويتر»، أي أكثر بـ8 أضعاف من بايدن الذي يتبعه نحو 11 مليون من المغردين، في اليوم الذي كان يشارك فيه وفي التوقيت ذاته في مناسبة مماثلة مع الصحافي جورج ستيفانوبولوس عبر شبكة «آي بي سي» التلفزيونية. ومع أن وسائل الإعلام الأميركية في غالبها أشادت بما سمته «الأداء المتوازن والهادئ» للمرشح الديمقراطي، تمكن منافسه الجمهوري من الحصول على المساحات الرئيسية في الوسائل التي يعتبرها «يسارية» و«معادية» له كصحيفة «النيويورك تايمز» وقناة «سي إن إن» و«آكسيوس»، أكثر من الوسائل اليمينية والمحافظة التي تتودد إليه وتدافع عنه صراحة مثل «فوكس نيوز» و«نيويورك بوست» و«بريتبارت».
تكرس جامعة أوريغون جزءاً من اهتماماتها البحثية حول دور وسائل الإعلام في عملية الانتخابات. ويجمع ثلاثة من الباحثين فيها على أن ترمب يدرك أن الصحافيين والإعلاميين لديهم الكثير من السلطة على العملية السياسية في الولايات المتحدة. فعلى رغم أن وسائل الإعلام اضطلعت بدور مهم في السياسة منذ أن نص التعديل الأول للدستور الأميركي على حرية الصحافة باعتبارها حجر الزاوية للديمقراطية الأميركية، يحتاج الناخبون إلى المعلومات لاتخاذ قرارات مستنيرة ومدروسة، ولا بديل أمامهم غير الحصول عليها من الصحافيين والإعلاميين. لكن هل هذا يعني أن في إمكان وسائل الإعلام تغيير نتيجة الانتخابات مثلاً؟
يدعي ترمب منذ الآن أن الانتخابات «زورت» من خلال التغطية الإعلامية المنحازة.
وغيّرت التحولات الأخيرة في المشهد الإعلامي الأميركي طريقة تفاعل الصحافة مع المرشحين وحملاتهما وجمهور الناخبين لدى كل منهما. وتعرضت السلطة الرابعة لانتقادات من الجانبين بسبب طريقة تغطيتها لانتخابات عام 2016. إذ تلاحظ المديرة التنفيذية لمركز أغورا للصحافة في بورتلاند ريجينا لورانس أن تأثير الصحافيين على الانتخابات يبدأ باختيار المرشحين الذين يقررون تغطية نشاطاتهم لأن «لهذه الخيارات تأثير كبير على تصورات الناخبين»، مشيرة إلى أن ترمب «كان قادراً على الحصول على ما يعادل مشتريات إعلانية ضخمة من دون الحاجة إلى إنفاق الكثير من المال». بالنسبة لوسائل الإعلام، كان سبب هذه التغطية غير المتكافئة المردود الاقتصادي لهذه الوسائل أكثر من التحيز السياسي. وبفضل شهرته وقدرته على إثارة الجدل، كانت تلك القصص غالباً عن ترمب، خلافاً لبايدن الذي يتجنب الإثارة، محاولاً قدر الإمكان المحافظة على صورته كرئيس مرجو للولايات المتحدة. وترى لورانس أن «عقوداً من البحث توضح أن وسائل الإعلام الرئيسية تميل إلى رؤية الانتخابات من منظور المنافسة»، إذ كثيراً ما تجري تغطية الحملات وكأنها «أحداث رياضية، مع التركيز على الفائز، وعلى الخاسر، وعلى من يتقدم، ومن يتراجع، وكيف يتقدم أو يتخلف في استطلاعات الرأي».
وفقاً لدراسة حديثة أجراها مركز «بيو» للأبحاث، يحصل 62 في المائة من الأميركيين على أخبارهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، من دون أن يدركوا أنه جرت تصفية هذه الأخبار من العيوب. وتنبه الخبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة نيكول داهمان بأن «ما نراه على (فيسبوك) تمليه الخوارزميات التي تحدد ما نراه بناءً على ما يعجبنا وما لا يعجبنا»، موضحة أنه «بدلاً من الحصول على مجموعة متنوعة من وجهات النظر التي تساهم في الخطاب السياسي، نرى رجع صدى لمواقفنا المسبقة». وقالت إن هذه المنصات: «تتيح للمرشحين وسيلة مباشرة للتواصل مع الجمهور، وبالتالي تجاوز وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية كحارس بوابة».
في موازاة ذلك، تواجه وسائل الإعلام ضغوطاً متزايدة للتحقق من دقة الأخبار التي تنشرها، بسبب نشوء منظمات مثل «بوليتيفاكت» ومواقع إلكترونية مثل «فاكت تشيك» التي تطرح في الوقت ذاته «أسئلة صعبة حول ما يقوله المرشحون» حيال القضايا التي يثيرونها أمام الرأي العام. وغالباً ما يجري الاستشهاد بالعمل الاستثنائي الذي يقوم به الصحافي السابق في «النيويورك تايمز» نايت سيلفر في موقع «538»، حيث يجمع الكثير من البيانات من استطلاعات الرأي التي «تؤثر على تصورات الناخبين»، علماً أيضاً بأن أداء المرشحين في الاستطلاعات يمكن أن يؤثر بعد ذلك على نوع التغطية التي يحصلون عليها.
على رغم السعي المعلن لوسائل الإعلام هذه إلى إعطاء مساحة متكافئة للمرشحين الجمهوري والديمقراطي، طبقاً للقوانين والأعراف المرعية في الانتخابات الأميركية، يتربع دونالد ترمب على عرش اهتمامات السلطة الرابعة، ليس فقط لمجرد أنه الرئيس، بل لمواقفه النارية أو اللاذعة أو غير المعتادة، إن لم يكن ذلك في مؤتمر صحافي ففي واحدة من حملاته الانتخابية، وإن لم يكن في قرارات تنفيذية ففي تعيينات حكومية وإدارية. ويمكن لتغريدة منه على «تويتر» أن تحتل صدارة الصفحات الأولى. يحصل ذلك كله على رغم أنه لا يكف عن كيل الاتهامات، ذات اليمين وذات اليسار، بأنها تنشر وتبث «الأخبار الزائفة» وبأنها «عدو الشعب» الأميركي.
ورداً على سؤال عن الأثر المحتمل لوسائل التواصل الاجتماعي على الانتخابات الرئاسية، يقول باتريك إيغان من جامعة نيويورك إن التغريدة المفضلة لديه من دونالد ترمب، هي عندما تعرض عام 2017 لانتقادات بسبب استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي باعتبار أنها غير رئاسية. وكتب ترمب رداً دقيقاً قائلاً: «ليست رئاسية - (لكنها) رئاسية في العصر الحديث»، موضحاً أن الرئيس «يجدها أداة معاصرة ذات تأثير كبير في تحديد أجندة الأخبار لليوم والأيام المقبلة». وهو «يقرع على الطبول ذاتها في الحملة الرئاسية لعام 2020».
ترمب يهاجم وسائل الإعلام... ويتربع على عرش اهتماماتها
عدد متابعيه 8 أضعاف من يتابعون بايدن على «تويتر» ويحتفظ بموقعه في الصدارة
ترمب يهاجم وسائل الإعلام... ويتربع على عرش اهتماماتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة