ارتياح في الجزائر لتأييد فرنسا الدستور الجديد

لاحظ مراقبون لزيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى الجزائر، أول من أمس، أن الرئيس عبد المجيد تبون حصل على دعم مهم لسياساته، وخصوصاً مسعى تعديل الدستور الذي سيعرض على الجزائريين للتصويت في الأول من الشهر المقبل. ويعتبر رأي وموقف باريس من الأحداث الكبيرة في الجزائر أمراً مهماً، وغالباً ما تبدي سلطات البلاد حساسية منه في حال كان غير مؤيد لمشروعاتها.
وصرَّح لودريان للصحافة بعد لقائه تبون، بأن «الجزائر على عتبة مرحلة مهمة، ستسمح للشعب الجزائري بالتصويت في أول نوفمبر (تشرين الثاني) على مشروع مراجعة الدستور»، وقال إن «الرئيس تبون أعرب عن نياته في إصلاح المؤسسات، لتعزيز الحوكمة والتوازن بين السلطات والحريات». وقال أيضاً: «ينبغي على الجزائريين أن يجسدوا طموحاتهم، المعبر عنها بتحضر وكرامة وفي إطار مؤسسات قادرة على بلورتها»، مشيراً إلى «أنهم هم وحدهم من يستطيعون ترجمة تطلعات الحراك الشعبي».
وبدا واضحاً من تصريحات لودريان الذي يزور الجزائر للمرة الثالثة منذ بداية العام، أنه تحاشى دعم مطلب الحراك بشكل صريح، ويتمثل في تغيير النظام، لعلمه أن ذلك يسبب انزعاجاً للسلطة الجديدة التي لم يقتنع المتظاهرون بها. وتوقف الحراك بإرادة نشطائه في مارس (آذار) الماضي بسبب وباء «كورونا»، وتجري محاولات لإعادته إلى الشارع على خلفية تراجع الإصابات بالفيروس، غير أن الحكومة توظف قوات الأمن بشكل واسع، لمنع حدوث مظاهرات خصوصاً في العاصمة.
وعادة لا ترغب السلطة في أن تتدخل باريس في شأن داخلي، كما هو الشأن بالنسبة لحملات اعتقال المتظاهرين السلميين الجارية حالياً؛ لكنها ترحب وتبدي ارتياحاً عندما تتلقى منها التأييد بخصوص سياساتها الداخلية، مثل موضوع الدستور.
وسئل لودريان، قبل أن يغادر الجزائر في اليوم نفسه، عن موقف فرنسا من سجن الصحافي خالد درارني مراسل القناة الفرنسية «موند 5»، ومراقب منظمة «مراسلون بلا حدود» الذي دانه القضاء بعامين حبساً نافذاً بسبب نشاطه الصحافي وانخراطه في الحراك، فقال: «لقد بلغنا هذا القرار (الإدانة)، وفرنسا تؤكد من جديد تمسكها بحرية الصحافة وبضمان أمن الصحافيين. إن حرية الإعلام حق أساسي تنبغي حمايته».
ولاحظ نشطاء حقوقيون ومحامو الصحافي أن تصريح لودريان لا يدين سجنه بالرغم من أن فرنسا تعلم أن درارني سجن لأنه صحافي؛ بدليل أنه اعتقل وهو ينقل أطوار مظاهرة معارضة للنظام. وعادة ما ترجح فرنسا مصلحتها الاقتصادية في الجزائر، عندما يتعلق الأمر بإبراز مواقف مرتبطة بحرية التعبير وحقوق الإنسان.
وأكد لودريان في تصريحاته، بشأن التعاون الاقتصادي، أن «المؤسسات الفرنسية الموجودة في الجزائر عديدة، وتساهم في ديناميكية الاقتصاد وإنشاء مناصب الشغل»، وأشاد - حسبما نقلته وكالة الأنباء الحكومية الجزائرية - بـ«الإصلاحات التي بادر بها الرئيس تبون، قصد تنويع الاقتصاد الجزائري وتخفيف الإجراءات ومرافقة المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة». وأضاف: «إننا نشيد بهذه الرغبة، ويبقى الحوار الجاري بيننا (اقتصادياً) مهماً من أجل أن تجد المؤسسات الفرنسية مكانتها كاملة، في إطار هذه الإصلاحات، وأن تستمر في المساهمة في ازدهار الجزائر».
وبعكس رأي فرنسا، يقول خبراء اقتصاديون جزائريون، إن الحكومة تحت إشراف رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، لا تملك خطة واضحة لتنويع الاقتصاد، عدا الوعود القديمة بـ«الخروج من التبعية للنفط والغاز». ووصف لودريان الجزائر بأنها «شريك مهم بالنسبة لفرنسا»، عندما تحدَّث عن الأزمات في الجوار، وخصوصاً الوضع في ليبيا، وعدَّها «قوة التوازن التي تفضل الحل السياسي للأزمات، في إطار متعدد الأطراف». ومثل هذه التصريحات تحظى بإعجاب كبير في الأوساط الحاكمة بالجزائر، إذ تشجعها على التعاطي إيجابياً مع طلبات الحكومة الفرنسية بحل مشكلات بيروقراطية أزلية، تواجه المستثمرين الفرنسيين.