سنوات السينما

ليل وقضبان
(1973)
****
رحيل الممثل محمود ياسين يوم الأربعاء الماضي يترك ثغرة في صفوف نجوم السينما المصرية التي أحبها الجمهور وتآلف معها. ليس إنه كان من ذلك النوع من الممثلين الناجحين في معظم أدوارهم، فلديه أداءات لم تصمد أمام الرغبة في تجاوز الظاهر من الأداء إلى الباطن. لكنه في أفلام أخرى (وهذا الفيلم من بينها) نجح في الانتماء إلى التكوين العام للفيلم، ذلك الذي أسسه المخرج أشرف فهمي عن سيناريو مصطفى محرّم.
«ليل وقضبان» هي حكاية سوداوية (وصّورت بالأبيض والأسود على يدي مصطفى إمام) حول سجن يشي بديكتاتورية القائمين عليه (ويوحي بمن هم خلفهم في ذلك الحين) يديره (اللواء) توفيق (محمود مرسي). كونه يحمل رتبة عسكرية هو استكمال لما يوحي به الفيلم من نماذج وتمهيد لكيف يمكن لرجل عسكري الخلفية أن يُدير سجناً يجمع في زنزاناته المذنبين والأبرياء في وقت واحد.
أحد هؤلاء الأبرياء السجين أحمد (محمود ياسين) الذي يُطلب منه ذات ليلة بالتوجه إلى منزل مدير السجن لتصليح عطل كهربائي. تستقبله سميرة (سميرة أحمد) زوجة المدير وخلال وجوده في البيت يفتح مخزون صدره لها. تستمع وتناقش وتتساءل وتجد نفسها منجذبة إليه.
هي مسألة وقت قبل أن تطلبه من جديد، ثم مرّة ثالثة ويجهل تام من قِبل مدير السجن المشغول بمتابعة كيفية تنفيذ أوامره القاسية بحق السجناء. لكن تكرار المناسبات التي يتوجه فيها السجين أحمد إلى منزل اللواء يُثير ملاحظة رئيس الحرس شلقامي (توفيق الدقن) الذي لا يفوته كذلك أن أحمد وسميرة في سن أصغر بكثير من سن الزوج، وبالتالي فإن احتمال قيام علاقة عاطفية أو جنسية احتمال وارد، بل هو مؤكد في ذهنه.
لن تمر تلك اللقاءات من دون عقاب صارم. الأمر ليس من النوع الذي سيتحمل المسؤولية، وليس من النوع الذي يغفر بالطبع. أساساً، وكما يذكر الفيلم من أحد اللقاءات الأولى، تعيش الزوجة عذاباً عاطفياً، فهي لا تجد في حضن زوجها أي حنان. يحث السيناريو على هذه النقطة وسواها من تلك التي تصنّف حاجة الشخصيتين سميرة وأحمد إلى ما هو مفقود في حياتهما، ويوفر المخرج المعالجة الفنية الصحيحة لتمرير هذا الوضع برويّة ومن دون تسرّع.
أخرج أشرف فهمي فيلمه هذا سنة 1973 وهي السنة التي تم فيها تحرير سيناء في حرب ضروس. لكن العلاقة بين المضمون، وبين ما حدث في ذلك العام ليست واردة. الأبعاد السياسية مناطة بالحكم العسكري العام، رغم أن مقدّمة الفيلم تذكر أن هذه الأحداث تقع في أربعينات القرن الماضي.
أشرف فهمي، بدوره، أحد المخرجين الجيدين الذين تم إغفالهم من الذكر كثيراً. انطلق في سياق الفيلم التجاري أساساً ثم مال لمحاولة دمج التجاري بنفسٍ اجتماعي. محاولته الأولى في هذا المضمار كانت في «صور ممنوعة» قبل سنة واحدة من «ليل وقضبان» وهو وجد رقابة صارمة منعت الفيلم من العرض بقرار حاسم. فيلمه التالي كان أيضاً من تلك الأعمال التي تهدف للجمع بين النجاح الجماهيري والمضامين الحذرة، وهو «رغبات ممنوعة». أما في «ليل وقضبان»، فإن غاية المخرج بدت كما لو أنه قرر التوجه لما هو صعب وخطر. والرقابة حينها ترددت قبل الإفراج عن الفيلم، إن لم يكن لسبب ما فلأنه ذكر أن أحداثه تمّت قبل ثورة 1952 وليس بعدها.
في كل الأحوال لم ينل أشرف فهمي الكثير من التقدير النقدي، لكنه هنا وفي أفلام أخرى عديدة برهن عن جدارته ولو في أفلام دون أخرى. لاحقاً ما أخرج «الشيطان يعظ» كأحد أفضل أفلام تم اقتباسها عن أعمال نجيب محفوظ. كلاهما، «ليل وقضبان» و«الشيطان يعظ» من بين أفضل أفلام المخرج التي بلغت نحو 40 فيلماً.