انتقادات واسعة لتأجيل الاستشارات واتهامات لعون بخرق الدستور

مصادر الحريري اعتبرت أن القرار يهدف إلى عدم تكليفه

TT

انتقادات واسعة لتأجيل الاستشارات واتهامات لعون بخرق الدستور

استدعى قرار الرئيس ميشال عون تأجيل موعد الاستشارات النيابية إلى الأسبوع المقبل ردود فعل رافضة خاصة في ظل المرحلة الصعبة التي يعيشها لبنان وبدء العد العكسي لمهلة المبادرة الفرنسية، وهو ما ردت عليه مصادر مطلعة على موقف الرئاسة رابطة التأجيل بتأمين أكبر قدر ممكن من التأييد للرئيس المكلف وتوفير الأجواء لتسهيل تأليف الحكومة وحصولها على الثقة، إضافة إلى عدم تأييد 40 نائبا في محافظة جبل لبنان للرئيس سعد الحريري، فيما قالت مصادر نيابية في «تيار المستقبل» لـ«الشرق الأوسط» إن الحريري لن يعتذر عن ترشحه، معتبرة أن التأجيل كان هدفه عدم تكليفه، ورأى نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي أن الأخير سيحافظ على تأييد الأكثرية النيابية يوم الخميس المقبل في الاستشارات.
وقال الفرزلي في حديث إذاعي إن «الأجواء كانت إيجابية عشية الاستشارات، وقرار التأجيل أتى مفاجئا»، مضيفا «لا علم لي بما جرى في الدقائق الأخيرة وما هي خلفيات التأجيل، وأتوقع أن تتم الاستشارات الخميس المقبل، وأن يحافظ الرئيس سعد الحريري على تأييد الأكثرية».
ومع رفض رئاسة الجمهورية التعليق على الانتقادات التي وجهت للرئيس عون، قالت مصادر مطلعة على موقفها لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هناك مواضيع يجب أن تدرس قبل تكليف رئيس الحكومة وأهمها تأمين أكبر قدر ممكن من التأييد للرئيس المكلف والأجواء التي من شأنها تسهيل عملية التأليف وحصول الحكومة على الثقة، مجددة التأكيد أن رئيس الجمهورية تلقى اتصالات من رؤساء كتل نيابية تمنوا عليه تأجيلها».
ورأت أن على المنتقدين أن ينظروا جيدا إلى الوضع السياسي في لبنان لمعرفة أسباب التأجيل وكي لا يصبح في البلاد رئيس حكومة تصريف أعمال وآخر مكلف، إضافة إلى تأمين أكبر قدر من التوافق الوطني وأن يسمى الرئيس المكلف بإجماع مناطقي.
وردت مصادر الرئاسة على الانتقادات التي وجهت إلى رئيس الجمهورية والتي رفضت حجة الميثاقية. وفي رد على سؤال عن أن هذه الميثاقية لم تكن مؤمنة عند تكليف حسان دياب في غياب أصوات كتلة تيار المستقبل، قالت المصادر: «هذا ليس السبب الأساسي للتأجيل إنما أيضا هناك أكثر من 40 نائبا يمثلون محافظة جبل لبنان لم يكن موقفهم مؤيدا للحريري، وهذا رقم ليس بقليل».
وجددت المصادر التأكيد على أن الرئيس عون لا يزال يدعم المبادرة الفرنسية وهو يعمل لإنقاذها خاصة بعد اختلاف المواقف حيالها، وأضافت «الخلاف ليس على المبادرة الفرنسية وبنودها الإصلاحية إنما على طريقة تنفيذها».
وفي رد على ما تحدثت عنه المصادر لجهة عدم تأييد نواب جبل لبنان لـلحريري، قالت مصادر نيابية في «المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما يحصل لا يعدو كونه هرطقات دستورية ولم تحصل التسمية حتى يعرف من سيصوت ضد الحريري ومن معه»، ورأت أن «سبب التأجيل كان واضحا وهو عدم تكليف الحريري»، مؤكدة في الوقت عينه أن «رئيس تيار المستقبل» لن يعتذر عن ترشحه لترؤس الحكومة وسيبقى يعمل لكل ما يخدم نجاح المبادرة الفرنسية وتحت سقفها ولعدم تفويت هذه الفرصة.
من جهته، أكّد القيادي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش أن قرار تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لا مُبرّر له، ورئيس الجمهورية بهذه الخطوة تخلّى عن مسؤولياته في هذه الظروف الصعبة، مشيرا في حديث إذاعي «إلى أن جبران باسيل يرفض ويُعطّل عودة الحريري لرئاسة الحكومة»، مشيراً إلى أن التوقيت لا يحتمل مناكفات سياسية، وقال إن «حزب الله» لم يُعلن أي شيء حتى الآن.
وفي سياق الانتقادات وبعدما كان قد نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري استياؤه من تأجيل الاستشارات، قال النائب في كتلته قاسم هاشم إن «التكليف لا يحتاج للميثاقية»، لافتا إلى «تفسير البعض للدستور وفق مصالحه الضيقة وليس وفق المصلحة العليا». وأوضح في حديث إذاعي أن «هذه الاستشارات الملزمة مختلفة عن التأليف الذي يفترض الميثاقية، فهي شكل من أشكال الانتخابات، تأتي بتسمية رئيس الحكومة وفق الأكثرية، غير أن المكون المسيحي كان سيشارك في هذه الاستشارات عبر تيار المردة وبعض المستقلين».
ولم يكن موقف «الحزب التقدمي الاشتراكي» مختلفا عن الاستياء العام من تأجيل الاستشارات. وعلّق النائب هادي أبو الحسن على ما حصل قائلا: «ظنوا أننا سنقاطع وحاولوا الاختباء وراء موقفنا ليسقطوا تسمية الحريري ونسوا بأننا نضع مصلحة البلد قبل مصلحتنا، فكم امتهنوا سياسة التعطيل من أجل الصهر والكرسي، فلنتذكر من عطل التشكيلات القضائية وتعيينات الناجحين وغيرها واليوم بتعطيل البلد يطلقون رصاصة الرحمة على دولة تحتضر وشعب يجوع».
وأضاف «يا له من انتهاك فاضح للدستور ويا لها من جريمة بحق الوطن والمواطن الذي يفتقد للدواء والاستشفاء والغذاء والعيش الكريم، يا له من تعدّ وتهور، يا لها من خفة ما بعدها خفة بقيادة البلاد، يا لها من إهانة للمشردين والمنكوبين والمظلومين!».
وعلى خط «التيار الوطني الحر» وجّه النائب ماريو عون انتقادات مباشرة للحريري ملمّحا إلى أن التأجيل كان بسبب تعاطيه مع «كتلة لبنان القوي» ورئيسها النائب جبران باسيل. وقال إن «التيار الوطني الحر لم يعطل مسار الاستشارات. كل ما في الأمر أن الطريقة التي تعامل بها الحريري مع الملف الحكومي ومعنا تضرب بعرض الحائط كل الأصول المتعارف عليها. بدليل أنه طرح نفسه مرشحا لرئاسة الحكومة، وأجرى مفاوضات ومشاورات من خارج الدستور». وقال إن «تكتل لبنان القوي ليس كتلة صغيرة، بل الكتلة الأكبر. ويجب أن يؤخذ برأيه على المستويات كلها: العددي والسياسي والميثاقي».
وإذ أعلن أن الأسبوع الفاصل عن الموعد الجديد للاستشارات لن يغير موقف التيار، حض ماريو عون الحريري على «تغيير استراتيجيته تجاهنا، وإلا فليعتذر عن المهمة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.