اجتماع القاهرة ينتهي «من دون توافق» على إطار دستوري ليبي موحّد

وفدا مجلس النواب و«الأعلى» يتفقان على جولة جديدة لحسم الخلافات

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها مدينة جنزور غرب طرابلس أمس للمطالبة بالاستفتاء على الدستور (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها مدينة جنزور غرب طرابلس أمس للمطالبة بالاستفتاء على الدستور (أ.ف.ب)
TT

اجتماع القاهرة ينتهي «من دون توافق» على إطار دستوري ليبي موحّد

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها مدينة جنزور غرب طرابلس أمس للمطالبة بالاستفتاء على الدستور (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها مدينة جنزور غرب طرابلس أمس للمطالبة بالاستفتاء على الدستور (أ.ف.ب)

انتهى اجتماع وفدي مجلسي النواب والأعلى لـ«الدولة» الليبي، الذي احتضنته القاهرة على مدى يومين، إلى عدم التوافق على إطار دستوري موحد، لكن المجتمعين اتفقوا في المقابل على جولة ثانية، قد تكون في غضون شهر، لحسم الخلافات المتعلقة بالدستور.
واكتفى المجتمعون في نهاية اجتماع اليوم الثاني، مساء أول من أمس، بإصدار بيان ختامي، دون الإعلان عن التوصل لأي تفاهمات أو نتائج محددة، أكد على أن «الطرفين اللذين أبديا مرونة فائقة في الحوار، اتفقا على الاستمرار في المناقشات، وأعربا عن رغبتهما في عقد جولة ثانية في جمهورية مصر العربية، لاستكمال المُناقشات البناءة حول الترتيبات الدستورية»، و«لكي يُجري مجلس النواب حواراً مُجتمعيا للوصول إلى توافُقات دستورية، تسمح للبلاد بالمُضي قدماً في المسار الدستوري».
وأوضح عضو مجلس الأعلى للدولة، عبد القادر أحويلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الخلاف بين الوفدين تمحور حول رغبة ممثلي مجلس النواب في إجراء تعديلات على مسودة الدستور، التي تم إعدادها عام 2017، قبل طرحها للاستفتاء الشعبي، بينما كانت وجهة نظرنا كوفد مجلس الدولة أنه لو فتحت المسودة للتعديل في الوقت الراهن فإنه لن يتم الاتفاق عليها، وسينهار المشروع برمته بسبب تعدد الآراء داخل المجتمع الليبي».
وقال أحويلي بهذا الخصوص: «البعثة الأممية تدخلت لإيجاد تسوية بين الوفدين، وعرضت أن تقبل المسودة بوضعها الراهن لمدة ثلاث سنوات، ثم تطرح للتعديل، مع توفير ضمانات دولية لإجراء هذا التعديل عبر النص على ذلك في الاتفاق السياسي، وفي قانون الاستفتاء. لكن وفد مجلس النواب رفض هذا الطرح».
وأوضح أحويلي أن مجلسه تقدم بمقترح آخر، وهو «أن تقبل المسودة على أن يتم تعديلها في أول دورة برلمانية، أي بعد أربعة أشهر من نفاذ الدستور، وبدء عمل البرلمان الجديد، لكن هذا المقترح رفض أيضا من قبل وفد مجلس النواب»، مشيراً إلى أن صياغة البيان الختامي «جاءت بها إشارة دالة على أن مجلس النواب وحده سيجري حواراً مجتمعياً للوصول إلى توافقات دستورية»، وأن المجلس الأعلى «اقترح أن تكون الجلسة المقبلة للمسار الدستوري في تونس، بالتوازي مع منتدى الحوار السياسي، الذي ترعاه البعثة والذي سيعقد مطلع الشهر المقبل، لكن القرار الأخير في هذا الشأن يعود للبعثة الأممية».
في موازاة ذلك، قال عضو مجلس النواب الليبي، إسماعيل الشريف، إن ما حدث بالجلسات «مجرد نقاش موضوعي بين الجانبين»، متوقعاً إمكانية التوصل لتوافق بين وفدي المجلسين في الجولة الثانية. وأضاف الشريف لـ«الشرق الأوسط» أن «مجلس النواب يرى أن مشروع الدستور الحالي، الذي أعد عام 2017، يتضمن كثيرا من العيوب، خاصة أن صياغته جرت في فترة كانت فيها البلاد تمر بصراعات وحرب... لكن نحن كسياسيين توافقنا حول ضرورة الانتهاء من المرحلة الانتقالية الراهنة، التي أفسدت المشهد السياسي وأهدرت أموال الدولة، سواء عبر تمرير مشروع الدستور هذا أو بغيره، والانتقال إلى مرحلة دائمة»، مشيراً إلى أن كل الخيارات «مفتوحة للنقاش مرة ثانية».
ودافع الشريف عما طرح في البيان الختامي حول إجراء مجلسه حواراً مجتمعياً للوصول إلى توافقات دستورية، وقال في هذا السياق: «هناك قاعدة عريضة من الليبيين ترفض هذا المشروع، بما فيهم أنصار النظام السابق، الذين يشكون من عدم تمكنهم من المشاركة بإعداده، وذلك بسبب تطبيق قانون العزل السياسي عليهم حينذاك، بالإضافة إلى مقاطعة عدد من قيادات المكونات الاجتماعية من الأمازيغ والتبو والطوارق لجلسات الهيئة التأسيسية، التي أعدت مسودة الدستور».
وتابع الشريف موضحا: «فور انتهاء اجتماعات القاهرة، بدأنا فعلياً كمجلس نواب بالعمل والتنسيق مع كل الشرائح، الرافضة لمشروع الدستور، ومحاولة مناقشتها وطمأنتها حول مخاوفهم بأن هناك ضمانات إذا تم تمرير مسودة الدستور، حيث قد يتم تعديلها خلال ثلاث سنوات»، لافتا إلى أن «القرار في النهاية للشعب الليبي، الذي سوف يستفتي على هذا الدستور فيقبله، أو يرفضه».
وانتهى الشريف قائلاً: «نحن نحاول التوصل إلى دستور يحقق طموح الليبيين ولو بشكل نسبي، وليس فرض مشروع دستور، قد يثير بوضعه الراهن كثيرا من الصراعات مستقبلاً».
من جانبها، قللت صباح جمعة، عضو مجلس النواب، من رفض مجلسها مسودة الدستور بشكلها الحالي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «هذا لا يعني نهاية النقاش...فالوفدان اتفقا على إنهاء المرحلة الانتقالية، والبدء في ترتيبات المرحلة الدائمة، وهذا هو المهم».
وانتهت النائبة قائلة: «جميع الحاضرين قدموا وجهات نظر ومقترحات، وكل وفد سيعود للتشاور مع القاعدة العريضة داخل مجلسه، ومن ثم العودة مجدداً للاجتماع والتباحث حولها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.