حمدوك: العقوبات الأميركية على السودان تضر بالديمقراطية

قال: من الظلم اعتبار الخرطوم عاصمة منبوذة... والشعب السوداني لم يكن إرهابياً قط

عبد الله حمدوك (أ.ف.ب)
عبد الله حمدوك (أ.ف.ب)
TT

حمدوك: العقوبات الأميركية على السودان تضر بالديمقراطية

عبد الله حمدوك (أ.ف.ب)
عبد الله حمدوك (أ.ف.ب)

ناشد رئيس الوزراء السوداني واشنطن لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، قائلاً إن هذا سيحدث «تغييراً كبيراً» لبلده الفقير في خضم محاولاته للانتقال نحو الديمقراطية.
وفي مقابلة أجرتها معه «فاينانشيال تايمز»، قال عبد الله حمدوك، إن العقوبات الأميركية المترتبة على تصنيف السودان كدولة إرهابية، «أصابت اقتصادنا بالشلل». وأضاف أنه ليس هناك ما يضمن استمرار المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في مسارها الصحيح حتى الانتخابات المقررة عام 2022.
وأشار حمدوك، وهو خبير في الشؤون الاقتصادية البالغ 64 عاماً، إلى أن «الفترات الانتقالية دائماً ما تتسم بالفوضى وهي بطبيعتها لا تسير في خط واحد أو اتجاه محدد».
وأوضح حمدوك أن الطريق نحو الديمقراطية محفوف بالمخاطر جراء تصنيف الولايات المتحدة للسودان كدولة راعية للإرهاب. وكانت واشنطن قد وضعت السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1993 عندما استضاف نظام الرئيس السابق عمر البشير أسامة بن لادن.
وأشار حمدوك إلى أن السودان، الذي دمرته سنوات من سوء الإدارة والحرب الأهلية والفساد، جرى عزله عن منظومة التمويل الدولي، وعجز عن إعادة هيكلة 60 مليار دولار متأخرات ديون على كاهله.
وقال حمدوك لـ«فاينانشيال تايمز»: «إننا معزولون عن العالم»، مضيفاً أنه من الظلم معاملة السودان باعتباره دولة منبوذة على مدار أكثر عن 20 عاماً بعد طرد السودان أسامة بن لادن، وبعد عام من إسقاطه النظام الذي آواه.
وقال: «الشعب السوداني لم يكن إرهابياً قط. تلك كانت أفعال النظام السابق فحسب».
وكانت تكهنات أشارت إلى أن السودان يتجه للاعتراف بإسرائيل حال رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن حمدوك أصر على أنه لن تكون هناك مقايضة في هذا الأمر.
وقال: «نود التعامل مع هذين المسارين على نحو منفصل. ونعتقد أننا قدمنا ما يجعلنا جديرين برفع اسم بلادنا من القائمة»، وذلك في إشارة إلى موافقة السودان على تسديد تعويضات لأسر ضحايا حادث تفجير المدمرة الأميركية «كول» الذي وقع عام 2000. ويوشك السودان على التوصل لاتفاق بخصوص تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، والتي نفذها تنظيم «القاعدة» الذي يتزعمه بن لادن.
وأقر حمدوك، التكنوقراط الذي اعتاد التعامل مع بيروقراطيين ومصرفيين أكثر عن الجنرالات، بوضعه المتزعزع في ظل فترة انتقالية يقودها حلفاء سابقون للبشير على مدار الشهور الـ21 الأولى.
وقال حمدوك: «أدركت عندما تلقيت الدعوة للانضمام إلى الحكومة أنها لن تكون بمهمة سهلة». جدير بالذكر أن حمدوك عمل سنوات خارج البلاد في البنك الأفريقي للتنمية واللجنة الاقتصادية لأفريقيا، حيث عمل نائباً للأمين التنفيذي.
من جهته، قال مو إبراهيم، رجل أعمال سوداني والذي أنشأ مؤسسة تحمل اسمه لتعزيز الديمقراطية، إن حمدوك والمؤسسة العسكرية «بينهما علاقة عمل معقولة»، لكنه أضاف أنه «يسير على خيط رفيع في ظل وجود جميع هذه القوى من حوله». وقال رئيس الوزراء إن التشريعات التي جرى تمريرها من أجل تفكيك قوانين سابقة تعد دليلاً على أنه قادر على العمل مع المؤسسة العسكرية.
ومع هذا، أشار إبراهيم إلى أن «قوى الحرية والتغيير»، اتحاد واسع قاد الانتفاضة ضد البشير ـ الذي أدين بالفساد وزج به في السجن ـ بدأت تفقد صبرها إزاء الحكومة الانتقالية والمصاعب الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
واعترف حمدوك في حديثة لـ«فاينانشيال تايمز»، بأن الاقتصاد يمر بأزمة عصيبة للغاية، وذلك مع دخول العملة في حالة سقوط حر ووصول معدلات التضخم إلى 160 في المائة وإمكانية وصول عجز الموازنة، الذي بلغ 12 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العام الماضي، إلى أكثر من 20 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي عام 2020.
وقال حمدوك: «لا يمكنك إدارة حكومة بالمعنى اللائق بالاعتماد على أوضاع كتلك». تجدر الإشارة إلى أن إدارته تستعد لإلغاء الدعم على الوقود لتوفير 2 مليار دولار سنوياً، حسبما ذكر رئيس الوزراء، لكنها ستبقي على الدعم على القمح ووقود الطهي والسلع الأساسية الأخرى. جدير بالذكر أن المظاهرات التي اشتعلت بمختلف أرجاء البلاد ضد البشير بدأت أول الأمر بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والنقل، الأمر الذي يكشف أن رفع الدعم قد يؤدي إلى حالة انفجار.
وأشار حمدوك إلى أن حكومته ستسعى في الوقت ذاته لتوفير المال من خلال إبرام اتفاقات سلام مع جماعات متمردة كانت تخوض حرباً ضد النظام السابق. جدير بالذكر أن ما يصل إلى 80 في المائة من دخل السودان موجه إلى المؤسسة العسكرية، ومن المقرر خفض هذه النسبة الآن إلى ما بين 10 في المائة و15 في المائة بالنظر إلى أن السودان الآن لم يعد «اقتصاد حرب».
وذكر رئيس الوزراء أنه ناقش مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية احتمالية محاكمة البشير، ربما أمام «محكمة مختلطة» داخل السودان.
إلا أنه استطرد بأن الخيار الأمثل يبقى إصلاح القضاء، بحيث يتمكن السودان من الاضطلاع بالمهمة وحده. يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تتهم البشير بالتورط في إبادة جماعية على صلة بالصراع في دارفور خلال العقد الأول من الألفية الجديدة.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».