ورقة الكاظمي الإصلاحية البيضاء تصطدم بسوداوية الأفكار السياسية

تتضمن تغييرات بعضها جوهري للواقع الاقتصادي الصعب

TT

ورقة الكاظمي الإصلاحية البيضاء تصطدم بسوداوية الأفكار السياسية

مرة أخرى يفاجئ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الطبقة السياسية العراقية بما لا يسرّها. فبعد إعلانه تحديد موعد الانتخابات المبكرة وهو ما جعلها ملزمة بالبحث عن مقاربة بين قانون انتخابي جديد اضطرت إلى تشريعه تحت وطأة المظاهرات، وبين كيفية الحفاظ على مصالحها، قدم الكاظمي مؤخراً ما سماها «الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي» في البلاد.
هذه الورقة تتضمن إصلاحات بعضها جوهري للواقع الاقتصادي في البلاد في ظل تفشي الفساد في كل مرافق الدولة ومؤسساتها؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أصوات هنا وهناك بشأن مدى إمكانية تحقيق مثل هذه الإصلاحات في غضون سنة ونصف السنة من عمر الحكومة أو مدى صلاحيتها في التنفيذ بينما هي حكومة انتقالية مهمتها الإعداد للانتخابات وإعادة هيبة الدولة. لكن واقع الحال يشير إلى أن الطبقة السياسية التي بات همها الوحيد هو المحافظة على مكاسبها وأوزانها السياسية والانتخابية، هي التي تعرقل حتى الآن قانون الانتخابات تحت مبررات شتى، وهي نفسها التي تضع العراقيل أمام الحكومة لإعادة هيبة الدولة.
الكاظمي، وفي أثناء حديثه عن ورقته الإصلاحية، أكد أن حكومته تواجه «ضغوطات وعراقيل»، عادّاً «الورقة البيضاء بداية الإصلاح الاقتصادي». وكان الكاظمي عقد مساء أول من أمس اجتماعاً مع الكتل السياسية بحضور رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وجرى خلال الاجتماع مناقشة الورقة. وأشار الكاظمي، طبقاً لبيان صادر عن مكتبه، إلى «حجم التحديات التي تواجه العراق، سواء على المستوى الصحي وتداعيات جائحة (كورونا)، وعلى المستوى الاقتصادي والأزمة المالية الخانقة، وعلى مستوى التحديات الأمنية الكبيرة»، مؤكداً أنه «رغم ما تواجهه الحكومة من ضغوطات وعراقيل، فإنها مصرّة على العمل الجاد لتجاوز المحنة». وأشار إلى أن «معالجة التحديات الاقتصادية مهمة ليست سهلة، والأزمة الحالية منهجية، لا تتعلق بهذه الحكومة وإجراءاتها، وهي تحتاج إلى إصلاح حقيقي وجذري وخطط طويلة الأمد لتجاوزها»، مشدداً على «ضرورة التكامل في العمل ما بين السلطات لتحقيق ما نسعى إليه».
وطبقاً لما يجري تداوله سواء في وسائل الإعلام المحلية في العراق، وعبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، فإن هناك انقساماً بشأن ورقة الإصلاح التي قدمها الكاظمي؛ ففيما يرى كثيرون؛ ومنهم نواب وسياسيون ينتمون إلى كتل مختلفة، أن الإصلاح الحقيقي يتطلب اتخاذ إجراءات قد يكون بعضها جراحياً، فإنه في المقابل بدأت قوى سياسية أخرى عن طريق نشر أخبار أو معلومات دون تبنيها بشكل معلن، وصف الورقة البيضاء بأنها «مجرد إنشاء أو أفكار غير قابلة للتحقيق». يحدث ذلك في وقت تقول فيه بيانات وزارة التخطيط إن نسبة البطالة في العراق ارتفعت في أواخر سنة 2019 إلى 40 في المائة بعد أن كانت 22 في المائة، وذلك نتيجة تفشي جائحة «كورونا».
في سياق ذلك؛ أكد عضو البرلمان العراقي والوزير الأسبق للصناعة والعمل والشؤون الاجتماعية، محمد شياع السوداني، أن الورقة الإصلاحية «خارطة طريق» رغم وجود قرارات «موجعة» فيها. وقال في تصريح إن «الورقة حظيت بنقاش أولي، وهذه الخطوة مقبولة؛ لأننا نتكلم على إصلاح شامل، مما يتطلب وجود حاضنة سياسية برلمانية مؤيدة لهذا الإصلاح»، مؤكداً أن «البرلمان سيتعامل مع هذه الورقة واستحقاقاتها».
وتابع السوداني أن «المشكلة هي في تنفيذ هذه الخطط والاستراتيجيات التي قدمت في ورقة الإصلاح، لهذا لا يمكن التلكؤ في أي فقرة إصلاحية». وأكد أن «الإصلاحات تبدأ أولاً من تقليل الإنفاق حتى نتمكن من تسيير عجلة الدولة».
من جهته؛ أكد عضو لجنة التخطيط الاستراتيجي في البرلمان العراقي النائب آراس حبيب كريم لـ«الشرق الأوسط» أنه «بسبب سوء التفكير مرة، والأداء مرة، والفساد على طول الخط؛ فإنه ليست هناك حلول تقوم على منهجية واضحة للأزمات التي يعيشها البلد». وأوضح أن «كثيراً مما يجري في البلد؛ بما في ذلك مسألة تأخير الرواتب، إنما هو أمر طبيعي لسياسات اقتصادية فاشلة طوال الفترة الماضية بسبب عدم وضوح هوية الدولة ما إذا كانت اشتراكية أم رأسمالية تعتمد اقتصاد السوق».
أما عضو البرلمان العراقي عن «تحالف القوى العراقية» عبد الله الخربيط، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المطلوب كثير جداً ينبغي عمله من قبل الكاظمي في حال أراد تحقيق الإصلاح الحقيقي في البلاد، والبداية يجب أن تكون في الشركات العامة التي يجب أن تصفى تماماً؛ لأن الـ400 مصنع التي لدينا كلها فاشلة، والشركات العامة كلها خسرانة، والرابح منها بابتزاز الناس أو باستخدام الإعفاءات التي تتمتع بها الشركات الحكومية التي لا تدفع ضرائب بينما تأخذ هي ضريبة من المواطن فتعد نفسها رابحة، بينما الأمر ليس كذلك». وأضاف الخربيط، وهو رجل أعمال أيضاً، أن «الأهم بالنسبة للكاظمي هو التخلص من الهيكل الإداري الفاشل؛ حيث ينبغي تحطيمه أولاً لكي يتحقق الإصلاح المطلوب»، مبيناً أن «تغيير الهيكل لا الأشخاص هو ما يجب عمله». وأشار الخربيط إلى أن «الدستور العراقي ينص على أن العراق يعتمد اقتصاد السوق؛ بينما العقلية التي تتحكم هي العقلية الاشتراكية التي أثبتت فشلها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».