أحمد صبري أبو الفتوح: كتابة المرويات الشفاهية تنهل من التاريخ والواقع معاً

صاحب «ملحمة السراسوة» التي صدرت في خمسة أجزاء

أحمد صبري أبو الفتوح
أحمد صبري أبو الفتوح
TT

أحمد صبري أبو الفتوح: كتابة المرويات الشفاهية تنهل من التاريخ والواقع معاً

أحمد صبري أبو الفتوح
أحمد صبري أبو الفتوح

تهيمن كتابة سير العائلات على الأعمال الروائية للكاتب المصري أحمد صبري، وتبدو همه الأساسي في روايته «ملحمة السراسوة» التي تتكون من خمسة أجزاء، متتبعاً من خلالها قصة عائلته من أيام محمد علي حتى ولادته هو، ويبرز شغفه برصد وقائع التاريخ وتضفيرها في مجرى قصصه، بشخصياتها المتخيلة والواقعية، ولا يتم هذا مع الأحداث البعيدة فقط، بل أيضاً مع ما وقع منها أمام عينيه وعاصره من أيام قريبة في حياة المصريين.
عن هذا العالم، والشغف بالتاريخ، ومشروعه الروائي، هنا حوار معه.
> ألم تخشَ وأنت تتعرض لوقائع تاريخية في روايتك «ملحمة السراسوة» أن يؤثر ذلك على روح السرد؟
- وأنا أكتب روايات الملحمة، لم أكن أتخيل أحداثها إلا وهي تجرى على خلفية هذا التاريخ. وفي حكايات هذه الأسرة أن الصراع في بدايته نشب بينها وبين المملوك «قفل»، واحد من أخلص أتباع محمد على باشا، وكان له -كما تقول الحكايات- بعض الفضل في تمكين محمد على باشا من رقاب المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة. إذن، لم أستدعِ التاريخ، إنه مخلوق في قلب الحكايات، وتجاهله كان سينتقص من قيمة وفنية وبناء الملحمة. ولما قتل السراسوة هذا المملوك الأثير لدى الوالي، فروا من وجهه، ولم تكن لتكتمل الحكايات دون التطرق إلى تطورات الأحداث التاريخية، لأنها جزء في مسار الصراع. فحكايات السراسوة لا تستقيم إلا إذا ضُفِّرَت في هذا التاريخ، وضفر هذا التاريخ فيها.
> لماذا شاعت روح السخرية من الواقع في رواية «برسكال»، وبدت كأنها محور آليات التعامل مع الأحداث وتحريكها، لتشير إلى انتهاء زمن البرجوازيات الريفية، ثم اتجاه «برسكال» لتحويل أبيها بعد وفاته لصاحب كرامات ومقام يحج إليه أصحاب الحاجات؟
- المصريون لا يقفون عاجزين أمام أي تحديات، بل يواجهونها بطريقتهم، فليس الغزاة وحدهم هم من يستخدمون الدين لطمس هوية الشعوب، بل إن الشعب نفسه يلجأ إلى هذا الحل في مواجهة اليمينيين وغلاة الدين الظلاميين. وبرسكال لم تفعل إلا ما يفعله الناس؛ إن لم يكن ممكناً التحقق عبر الواقع المعاش، فيمكن تحقيقه عبر الأسطورة. وما دام الظلم الاجتماعي باقياً، ستنشأ الأساطير وتبقى، وستفرض برسكال حيلتها على الطبقية والظلاميين وكل الفاشيين، بوضع أبيها في مرتبة الأولياء للسخرية من الطبقة الحاكمة والظلاميين، وهو نوع من المقاومة عرفته مصر عبر عصور الانحطاط.
> ما الذي يدفع الروائي إلى اللجوء للتاريخ، سواء أكان هذا خاصاً أم عاماً، وهو ينسج عمله... هل هو فقر الواقع أم أن هناك نوعاً من الرغبة في استثمار قصة وتاريخ جاهز بكامل تفاصيله؟
- أنا لجأت إلى مرويات شفاهية أسرية ألبستها ثوباً روائياً. وهذه المرويات -كما سبق وقلت- تجري على خلفية أحداث تاريخية حقيقية، لذا حدث التضافر بين المرويات الخاصة والتاريخ العام. ولا شأن لهذا بفقر الواقع، بل إن الروائي الذي يعتقد في فقر الواقع لا يعرف الكثير عن الإنسان، ومن ثم لا يعرف بالبديهة منطق الرواية؛ أينما يوجد الإنسان توجد الحياة، وأينما توجد الحياة يوجد الصراع، حتى لو جرى بداخل الإنسان الفرد. إذن، لا فقر في أي واقع ما دام أنه يوجد الإنسان وتوجد الحياة.
> رغم أنك اعتمدت في كتابة «ملحمة السراسوة» على آلية الراوي العليم الذي يحكي الأحداث، إلا أنك في بعض المواقف كنت تخرج (بصفة الكاتب) لتمارس نوعاً من السيطرة على حدث ما؟
- لا أحد يختار بالتفصيل كل أساليب السرد التي يلجأ إليها في عمل ما؛ منطق الرواية -كما تعلم- باب كبير يدخل منه الكاتب، ثم تتلبسه روح الرواية، فتتنوع معها الأساليب. وأنا أكتب، وجدتني في حاجة إلى التأكيد على أنني أنا الكاتب الذي يكتب مرويات أسرته، وقد أجريت نوعاً من التقصي والبحث، ولهذا أكتب الحدث بالطريقة التي اختارها منطق الرواية. إنك ما إن تدخل من ذلك الباب، وتأخذ بمقود الرواية، لا بد تدرك أنها هي الأخرى قد أخذت بمقودك؛ «هات وخد» مثل لعبة الكرة، فضلاً عن أنني كنت شغوفاً بألعاب كسر الإيهام عن طريق إعطاء هذا الرواي العليم صوتين: صوت من يروي وصوت من يكتب، وأعجبتني اللعبة، إذ لما راجعت ما كتبت وجدت أنني لم أحدث في الرواية انقطاعاً في التدفق، ولم أضع عقبة في طريق الاستغراق في القراءة.
> لجأت إلى حادث قدري، وهو وفاة «أحمد» أحد شخصيات الملحمة، من أجل أن تكشف صورة أخرى للمرأة وهي تسيطر على مسرح الأحداث، ألم يكن هناك حل فني آخر يمكن أن يشكل مناطق متماسكة في سرد الأحداث؟
- وأنا أكتب الرواية الأولى من الملحمة «الخروج»، مات «أحمد الأول» شاباً، لكن هذا لم يكن حلاً قدرياً، كما تقول، فالمرويات الشفاهية لأسرتي تضمنت هذا، فضلاً عن أن هذه الحادثة انعكست على حياتي شخصياً. وقد أشرت إلى هذا في حينه في الرواية الأولى، ومن ثم أحيلك إلى الرواية الخامسة (الأخيرة) من الملحمة «حكايات أول الزمان»، فلقد سمانى أبى أحمد، وتحايل على الاسم فجعله مركباً «أحمد صبري»، إذ كانت قد نشأت عقدة في تاريخ الأسرة متعلقة باسم أحمد، واقتران الاسم بالدراسة في الأزهر، ولهذا قامت أمي البطلة بانتزاعي من هذا المصير في واقعة مرصودة بالتفصيل في الرواية الأخيرة. إن المرويات الشفاهية التي تسردها كتابة لها أيضاً منطقها، وهذا يعد في رأيي تجديداً، فهذا الحادث الذي تسميه أنت قدرياً لا أعده أنا كذلك، بل إنه لفتة جميلة لما استقر في وجدان السراسوة من معتقدات تعكس روح الإنسان عندما يتعامل مع المفاجآت، وكون أن «بطولة مريم» وريادتها الأسرية تلت هذا الرحيل المفاجئ لا يعنى أنني لجأت لحل مفبرك لأظهر بطولتها، ففي الرواية الثالثة «أيام أخرى» مات ابن سيد أحمد الوحيد شاباً، فنشأ ابنه سليمان الذي لم يره مدللاً معقداً كبيراً رائداً، ثم تحول إلى صوفي جميل، هذا باليقين ليس حلاً قدرياً مفبركاً، ويؤسفني ألا أقرك على هذا.
> في الأجزاء الثلاثة الأولى من «الملحمة»، قدمت شخصيات ذات ملامح ملهمة، لكن في الجزء الرابع والخامس بدت الشخصيات طبيعية، لديها ما هو طيب وما هو رديء... ما الذي يقف وراء ذلك؟
- في الروايتين الأولى والثانية، كان «السراسوة» مطاردين من حاكم جبار بحجم محمد على باشا، فلم يكن ثمة مجال للخطأ، وإلا قُصفت الرؤوس، وأُزيلت الأسرة برمتها من فوق الأرض، ثم بدأ الاستقرار، وفيه قدر لا بأس به من الأمان، حيث وقعت أول حرب بين السراسوة في الرواية الثالثة. ولما حدث الصدام مع الحكومة، وأحرقت العزبة، عادوا ليتحدوا في مواجهة الأخطار من جديد، لكنهم في الروايتين الرابعة والخامسة أصبحوا مجتمعاً آمناً مستقراً يسمح بظهور التطلعات وخبايا النفوس، بل الطبقية، وبات كل سرساوي حاملاً لوجهي الإنسان، الملاك والشيطان، وكل من الوجهين يوهن من حدة الآخر.
> خصصت روايتك «أجندة سيد الأهل» لتناول الأحداث التي جرت في أثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، مركزاً على حادثة الهجوم على الميدان، فيما اشتهر بـ«موقعة الجمل»... هل في هذا إشارة رمزية ما؟ وماذا كنت تقصد؟
- انتهيت من كتابة هذه الرواية في يونية 2011، وكانت الثورة لا تزال متأججة، لكن بعض الوقت كان قد مر بما يسمح بظهور تباشير ما سيحدث مستقبلاً، أقصد مستقبل الثورة، وكان لا بد أن أقف عند حدث فارق في تاريخها السائل القصير، فوقفت عند لوحتين: الشهيد المبتسم رفاعة سيد الأهل، والمعركة التي غدر فيها (موقعة الجمل)، بكل ما يحمله الحدث من إشارات حزينة إلى نبل الثورة ومستقبلها الغامض.



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.