اللعب على «وتر التهدئة»... ملاذ الحوثيين وقت الهزائم

مقاتلون تابعون للحكومة اليمنية في أحد المواقع بالحديدة (إ.ب.أ)
مقاتلون تابعون للحكومة اليمنية في أحد المواقع بالحديدة (إ.ب.أ)
TT

اللعب على «وتر التهدئة»... ملاذ الحوثيين وقت الهزائم

مقاتلون تابعون للحكومة اليمنية في أحد المواقع بالحديدة (إ.ب.أ)
مقاتلون تابعون للحكومة اليمنية في أحد المواقع بالحديدة (إ.ب.أ)

تتجه الأوضاع في محافظة الحديدة غرب اليمن نحو التهدئة من جديد، بعد أسبوع على المعارك العنيفة التي شهدتها الجبهة مع محاولة الميليشيات الحوثية فك الحصار عن عناصرها في مركز مديرية الدريهمي، بعد فشل خطتها لاقتحام محافظة مأرب، لتعيد من جديد اللعب على وتر اتفاقات التهدئة الهشة استعداداً لمغامرة جديدة.
مع بداية هجوم الحوثيين على محافظة مأرب، وهو الهجوم الذي تزامن والمرحلة الأولى من جائحة «كوفيد- 19»، رفضت الميليشيات الهدنة التي أعلنها تحالف دعم الشرعية من طرف واحد واستمرت نحو 6 أسابيع، كما رفضت دعوة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لوقف إطلاق النار وتوحيد الجهود لمواجهة «كورونا»، وواصلت إرسال الآلاف من مقاتليها إلى غرب مأرب وجنوبها، وكانت تعتقد بأن الظروف التي ساعدتها على تحقيق بعض التقدم في فرضة نِهْم ستساعدها في تحقيق اختراق فعلي داخل مأرب.
رغم الدعوات الدولية والاتصالات التي أجراها مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث واقتراحه إعلاناً مشتركاً لوقف القتال متضمناً إجراءات إنسانية واقتصادية، فإن الميليشيات بالغت في تقدير قدرتها.
وذهب الحوثيون إلى شروط تبدو غير قابلة للتحقيق، ومنها أن تكون صاحبة الكلمة العليا في المحافظة وثرواتها النفطية والغازية، مستغلة التزام القوات الحكومية في الحديدة بالهدنة التي أبرمت في استوكهولم نهاية عام 2018، ودفعت بأعداد إضافية من مقاتليها إلى جنوب محافظة مأرب، استناداً إلى تقديرات خاطئة بأن المقاتلين في هذا الاتجاه من قبائل مراد موزعون على جبهتي صرواح (غرب مأرب) وقانية على حدود محافظة البيضاء.
استناداً على تلك التقديرات، وبالتنسيق مع العناصر الإرهابية التي كانت تسيطر على أجزاء من مديرية ولد ربيع في محافظة البيضاء، شنت الميليشيات الحوثية هجوماً واسعاً على مديرية ماهلية، وتقدمت فيها حتى وصلت مديرية رحبة، بموجب اتفاقات مع بعض شيوخ قبائل كان عرابوها وجهاء من المحافظة يعملون لدى الحوثيين؛ لكن سرعان ما أعادت القوات الحكومية وقبائل مراد ترتيب صفوفها، وألحقت بالميليشيات هزائم دفعتها للتحرك من أطراف مديرية الجوبة إلى المديريات الواقعة على حدود محافظة البيضاء.
في الاتجاه الآخر، تمكنت القوات الحكومية المسنودة بمقاتلي القبائل من إحباط مخطط التفاف في مديرية مدغل، بهدف السيطرة على الطريق الرئيسية المؤدية إلى حقول النفط والغاز في منطقة صافر شمال المحافظة، وبالمثل تمكنت وحدات أخرى في جبهة صرواح والمخدرة من إعادة الميليشيات إلى المواقع التي كانت تتمركز فيها منذ عدة سنوات. كما أن إعادة ترتيب وضع المنطقة العسكرية السادسة جعل القوات الحكومية تمسك بزمام المعركة، وتقود هجوماً معاكساً داخل محافظة الجوف، حتى وصلت مشارف عاصمة المحافظة واستعادت معسكر الخنجر، أهم المعسكرات في مديرية خب الشعف، التي تشكل نحو 80 في المائة‎ من مساحة المحافظة.
هذا الفشل كان ثمنه الآلاف من قتلى الميليشيات؛ حيث وصفت المواجهات بأنها الأعنف والأكثر في عدد القتلى في صفوف الميليشيات التي تعتمد على الكثافة العددية في هجماتها؛ حيث تدفع بالمجندين حديثاً وغالبهم من الفقراء أو من صغار السن إلى المقدمة، لتحصدهم مقاتلات التحالف ومدفعية القوات الحكومية، بينما تأتي عناصرها العقائدية خلف هؤلاء لتجتاز على جثثهم وتقدم «انتصاراً مزعوماً»، في الوقت الذي تشهد فيه صنعاء وأربع من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الجماعة مواكب جنائزية يومية غير مسبوقة منذ بداية الصراع.
ومع فشل خطتها لاقتحام مأرب وفرض اشتراطاتها للتوقيع على الإعلان الخاص بوقف القتال، دفعت الجماعة بأربع من أهم كتائبها العقائديةـ وهي: «كتيبة الحسين، وكتيبة الإمام الهادي، وكتيبة الرسول الأعظم، وكتيبة الإمام زيد» ووجهتها صوب جنوب مدينة الحديدة، بهدف فك الحصار المفروض على العشرات من عناصرها داخل مركز مديرية الدريهمي منذ عامين؛ حيث يتحصنون بمن تبقى من السكان، ورفضوا السماح لهم بالمغادرة لاتخاذهم دروعاً بشرية. وكانت عين الحوثيين على أن يؤدي الهجوم إلى إنهاء الحصار، وإدخال تعزيزات إلى البلدة، وهو أمر سيمكنها من قطع خطوط إمدادات القوات الحكومية في مدينة الحديدة، وهي المهمة التي عجزت عن تحقيقها طوال العامين الماضيين.
وبعد أسبوع من ذلك الهجوم الذي أعدت له الميليشيات جيداً، فشلت المهمة بتصدي القوات الحكومية له، وتحولها من الدفاع إلى الهجوم.
سارعت الميليشيات للاستنجاد باتفاق استوكهولم والتهدئة، رغم أنها وفق اتهامات حكومية ومن مراقبين وناشطين يمنيين هي الطرف الذي أعاق تنفيذ الاتفاق منذ نحو عامين، ولا تزال حتى اللحظة تقيد حركة فريق المراقبين الدوليين، وتستحدث الخنادق والمتاريس وسط أحياء مدينة الحديدة، وعادت اتصالاتها مع الأطراف الدولية الفاعلة بالشأن اليمني، وأظهرت مرونة معهودة أثناء تراجعها ميدانياً؛ ليس من أجل السلام ولكن حتى تستعيد أنفاسها مجدداً للقتال.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.