الأمن الإسرائيلي يتهم فلسطينيين بإشعال حرائق قرب المستوطنات

TT

الأمن الإسرائيلي يتهم فلسطينيين بإشعال حرائق قرب المستوطنات

مع مواصلة قوات الإطفاء الإسرائيلية أمس السبت إخماد الحريق الكبير الذي اشتعل بالقرب من الأحراش القريبة من مدينة «نوف هجليل» في الجليل شمالا، والتي أدت إلى إحراق 20 منزلا وإجلاء 5000 من سكان المدينة، تتهم أجهزة الأمن الإسرائيلية فلسطينيين بالتسبب في جزء من الحرائق التي اشتعلت أول من أمس، الجمعة، في مناطق مختلفة أيضا في الضفة الغربية قرب مستوطنات. وقال جهاز إطفاء الحرائق إنه تعامل مع 250 حريقا يوم الجمعة وحده.
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية، إن هناك شكوكاً قوية بأن بعض الحرائق التي اندلعت قرب المستوطنات في الضفة الغربية تم إشعالها بشكل متعمد من قبل بعض الفلسطينيين. وأكدت المصادر أن جهات طواقم الإطفاء أكدت أن بعض الحرائق أشعلت بشكل متعمد، مشيرة إلى أن قوات أمنية تعمل على تتبع الأشخاص الذين افتعلوا تلك الحرائق. ونقل موقع «واينت» الإخباري عن مسؤولين أمنيين لم يذكر أسماءهم قولهم إن هناك مخاوف من أن بعض الحرائق يقف وراءها فلسطينيون. وتم إلقاء اللوم على الفلسطينيين في العديد من الحرائق في عام 2016، ولكن في النهاية لم تتم مقاضاة أي شخص بتهمة الحرق العمد لدوافع قومية.
وردت مصادر فلسطينية أن عدة حرائق نجمت في الضفة عن قنابل دخان وغاز مسيل للدموع أطلقها الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات مع المتظاهرين الفلسطينيين. ونشبت حرائق كبيرة في مناطق مختلفة في إسرائيل الجمعة وقرب المستوطنات في الضفة، ما تسبب بخسائر مادية كبيرة وإجلاء أعداد كبيرة من السكان.
وقال مفوض سلطة الإنقاذ والإطفاء الإسرائيلي «لقد تعاملنا مع نحو 250 حريقا، جزء منها بالتأكيد بسبب عامل بشري». وفيما تم السيطرة على معظم الحرائق ظلت طواقم الإطفاء تكافح أمس من أجل السيطرة على حريق الجليل. وعملت قوات الإطفاء طوال ليلة الجمعة - السبت على إطفاء الحرائق في الجليل وتم استدعاء مروحيات خاصة شاركت في عملية الإطفاء.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية السبت إن طواقم الإطفاء ما زالت تعمل على إخماد الحريق الكبير الذي شب في غابة تشيرشيل قرب مدينة نوف هغليل للحيلولة دون تجدد اندلاعه، ويستعين هؤلاء بطائرات. ويفيد مراسل إذاعة (كان) بأن ألسنة اللهب لم تعد تشكل حاليا خطرا على المنازل المجاورة.
وجاء في بيان صدر عن مصلحة الإطفاء أنه مع حلول ساعات الفجر، انتشرت طواقم الإطفاء مجددا في الميدان وفي الجو لمكافحة الحرائق الملتهبة وإخمادها، كما جددت أربع طائرات إطفاء من الوحدة الجوية نشاطها من الجو لمنع انتشار النيران والحدّ منها من خلال تقسيمها لأجزاء تتم مراقبتها والعمل فيها من قبل الطواقم على الأرض. وقال قائد لواء الشمال في سلطة الإطفاء والإنقاذ، الميجر جنرال نزار فارس، إن رجال الإطفاء يواصلون عملهم لوقف انتشار الحرائق وحماية سكان نوف هجليل والمنازل، وإن جهود مكافحة الحرائق ستستمر على مدار اليوم، داعيا الجمهور إلى الانصياع لتعليمات أجهزة الطوارئ.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد أجرى مشاورات حول الحرائق مع جميع المسؤولين ذوي الصلة بالقضية لتقييم الوضع واتخاذ الخطوات المطلوبة.
وكتب نتنياهو في تغريدة بعد اجتماع مع مسؤولين في الأمن الداخلي والشرطة ومجلس الأمن القومي: «أطلعني رئيس سلطة الإطفاء على آخر التطورات وطلبت منه التأكد من أننا نستخدم كل مواردنا، وإذا لزم الأمر، فسأدرس المساعدة الدولية». وقال بيان صادر عن مكتبه إنه تم التأكيد له في الوقت الحالي على أن الوضع تحت السيطرة وأن طواقم الإطفاء تحصل على المساعدة من الشرطة وجبهة القيادة الداخلية بالجيش الإسرائيلي. وفي أماكن أخرى في الضفة الغربية، عمل الدفاع المدني الفلسطيني على إخماد 60 حريقا اندلعت في الضفة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.