الأزمة الليبية «حائرة» بين مالطا وروسيا ومحطة جنيف

TT

الأزمة الليبية «حائرة» بين مالطا وروسيا ومحطة جنيف

انفتحت أبواب عواصم جديدة لاستضافة «منتدى الحوار السياسي» الليبي الشامل، الذي تعتزم البعثة الأممية عقده قريباً، بهدف تمهيد الطريق لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة، وطي صفحة الحرب الليبية.
فبعد أن كان مقرراً التئام المنتدى في العاصمة السويسرية جنيف، منتصف الشهر الجاري، دخلت موسكو على الخط، وتحدثت عن التحضير للمنتدى السياسي، إذ قالت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، مساء أول من أمس، إنه من المقرر توجيه الدعوة لمائة شخصية سياسية من أقاليم ليبيا الثلاثة، من بينهم ممثلون لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في وقت كشفت فيه مالطا هي الأخرى عن استضافة اجتماع يحضره سياسيون ليبيون بهدف مناقشة كيفية حلحلة الأزمة.
وسبق للأمم المتحدة الترحيب «بكل مبادرة وجهود سياسية شاملة لدعم الحل السلمي للأزمة في ليبيا»، وقالت إنه بناء على المشاورات التي شهدتها بعض المدن فإن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستطلق الترتيبات اللازمة لاستئناف منتدى الحوار السياسي الليبي الشامل، والذي التأم آخر مرة في جنيف في فبراير (شباط) الماضي.
ولم تكشف البعثة الأممية معلومات بخصوص ما إذا كان الاجتماع المقرر عقده في جنيف بعد أيام قليلة قد تأجل، أو سينقل إلى عاصمة أخرى. لكن مقربين منها يرون أن هناك صعوبات عديدة تواجهها فيما يتعلق بالشخصيات، التي ستوجه إليها الدعوة للحضور وأعدادها، والأطراف التي ستمثلها، خصوصاً بعد تعرضها لانتقادات سابقة بسبب قوائم وُصفت بـ«المزورة»، راجت على مواقع التواصل الاجتماعي، وضمت أسماء مثيرة للجدل.
ورأى جمال شلوف، رئيس المؤسسة‏ «سلفيوم» للدراسات والأبحاث‏، أن روسيا التي أعلنت عن تحضيرات لمنتدى الحوار السياسي بين الأفرقاء الليبيين «تعتبر مخرجات سوتشي التصالحية بين أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي، ومراجع غيث، وكيل وزارة المالية في الحكومة الليبية، بشرق البلاد، انتصاراً لدبلوماسيتها، وأنها بالتالي الوسيط الأنجع بين الليبيين».
وكان معيتيق قد اتفق مع القيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، على إعادة إنتاج وتصدير النفط الليبي، بعد توقف دام قرابة سبعة أشهر في مفاوضات شهدتها سوتشي الروسية.
ويرى جانب من السلطات الروسية، وفقاً لرئيس المؤسسة‏ الليبية للدراسات والأبحاث، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن «نقل الحوار إلى روسيا يمكنهم من دعم معيتيق وآخرين مقربين لموسكو من أنصار النظام السابق، مما يدعم نفوذ روسي مهم في المرحلة المقبلة».
ورغم الانتقادات التي طالت البعثة الأممية على خليفة حضور مقربين للنظام السابق جلسات تشاورية بين شخصيات ليبية، جرت في مونترو بسويسرا ما بين 7 إلى 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، برعاية مركز الحوار الإنساني، إلا أن ماريا زاخاروفا أكدت أن اللقاء، الذي تحضر له موسكو، سيضم شخصيات من النظام السابق.
ودافعت روسيا عن حق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، في لعب دور سياسي بالبلاد، إذ سبق أن قال ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، «إنه ينبغي أن يلعب سيف الإسلام القذافي دورا في المشهد السياسي الليبي». بعد أن سلم نجل القذافي رسالة إلى موسكو، عبر مندوب «حدد فيها أفكارا لمستقبل سياسي لليبيا».
ووسط توقع شلوف بالإبقاء على عقد المنتدى، المزمع في جنيف بأعداد قليلة، رأى أن روسيا «رضيت بالانحسار السياسي في ليبيا من قبل لتمنح إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، فرصة أكبر بإحلال مصر كشريك في الحل الليبي»، متابعاً: «لكن هذا لن يمنع روسيا من محاولة إبقاء روابط للنفوذ، قد تعود إليها في وقت لاحق».
وتخوف سياسي ليبي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، مشترطا عدم تعريفه، من أن تؤدي اللقاءات السياسية العديدة في عواصم مختلفة حول أزمة بلاده إلى «انحراف المسار العام إلى تفريعات لا طائل من ورائها، سوى مصالح جهوية للمدعوين في هذه اللقاءات».
وفي إطار هذه التوقعات تساءل عبد الرحمن الشاطر، عضو المجلس الأعلى للدولة، قائلاً: «ما الداعي لبقاء مجالس النواب و(الدولة) و(الرئاسي)، إذا كانت الأزمة الليبية تعقد لها جلسات خارج الوطن، لينوب عنهم حفنة من كل مجلس، والبقية إما شاهد لم يشاهد شيئا، أو شاهد زور، أو محلل لخطيئة»، مضيفاً في نبرة تشاؤمية عبر حسابه على «تويتر»: «لقد فشلتم. أعيدوا الأمانة لأهلها لأنكم أثبتم عدم الجدارة لحماية سيادة الوطن».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».