العاهل المغربي يشدّد على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية بنهوض المجال الاجتماعي

عبّر العاهل المغربي الملك محمد السادس، عن حرصه على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين. وقال في خطاب وجّهه من القصر الملكي بالرباط، مساء أمس، إلى أعضاء البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة، إنه دعا إلى تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، مشيراً إلى أنه «مشروع وطني كبير وغير مسبوق، يرتكز على أربعة مكونات أساسية».
وذكر العاهل المغربي أن المكون الأول هو تعميم التغطية الصحية الإجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج. أما المكون الثاني فيتمثل في تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب 7 ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة. بينما يروم المكون الثالث توسيع الانخراط في نظام التقاعد لنحو 5 ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملاً، ولا يستفيدون من معاش. أما المكون الرابع فيكمن في تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض عن فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قارٍّ.
ورأى الملك محمد السادس أن نجاح أي خطة أو مشروع يبقى رهيناً باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، مشيراً إلى أن مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية، «يجب أن تعطي المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقاً لها». وقال بهذا الخصوص: «نظراً إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه المؤسسات، فإننا نجدد الدعوة للقيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لهذا القطاع، كما نتطلع إلى الدور المهم الذي ستقوم به في هذا المجال الوكالة التي ستشرف على مساهمات الدولة، وتتبع أداءها». معتبراً أن نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، والتأسيس لعقد اجتماعي جديد، «يقتضي تغييراً حقيقياً في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية». ولهذه الغاية، دعا الملك محمد السادس الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية.
وأوضح العاهل المغربي أنه يفتتح هذه السنة التشريعية في ظروف استثنائية، مليئة بالتحديات، خصوصاً في ظل آثار الأزمة الصحية، التي يعرفها المغرب والعالم. وقال مخاطباً نواب ومستشاري الأمة: «هذه السنة هي الأخيرة في الولاية التشريعية الحالية، حيث تتطلب منكم المزيد من الجهود لاستكمال مهامكم في أحسن الظروف، واستحضار حصيلة عملكم، التي ستقدمونها للناخبين... ويبقى الأهم هو التحلي باليقظة، والالتزام للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، ومواصلة دعم القطاع الصحي، بموازاةٍ مع العمل على تنشيط الاقتصاد، وتقوية الحماية الاجتماعية». مشيراً إلى أن هذه الأزمة «أبانت عن مجموعة من الاختلالات ومظاهر العجز، إضافةً إلى تأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني والتشغيل، وبالتالي أطلقنا خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد، ومشروعاً كبيراً لتعميم التغطية الاجتماعية، وأكدنا اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وإصلاح مؤسسات القطاع العام».
وقال الملك محمد السادس إن من شأن هذه المشاريع الكبرى أن «تسهم في تجاوز آثار الأزمة، وتوفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي، الذي نتطلع إليه». وأضاف موضحاً: «إننا نضع خطة إنعاش الاقتصاد، في مقدمة أسبقيات هذه المرحلة»، وذلك لدعم القطاعات الإنتاجية، خصوصاً نسيج المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار، وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.
وفي هذا السياق، أشار العاهل المغربي إلى أنه في إطار الجهود المبذولة لدعم المقاولات، من خلال آلية القروض المضمونة من طرف الدولة، استفاد من هذه الأخيرة ما يزيد على 20 ألف مقاولة مغربية، بما يقارب 26 ملياراً و100 مليون درهم (2,61 مليار دولار). وهو ما مكّن هذه المقاولات من الصمود أمام هذه الأزمة، وتخفيف حدة آثارها، والحفاظ على مناصب الشغل. مشيراً إلى أن خطة إنعاش الاقتصاد «ترتكز على صندوق الاستثمار الاستراتيجي الذي دعونا لإحداثه. وقد قررنا أن نطلق عليه اسم (صندوق محمد السادس للاستثمار)».
ولتوفير الظروف الملائمة لقيام هذا الصندوق بمهامه على الوجه الأمثل، قال الملك محمد السادس: «وجّهنا بأن يتم تخويله الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيئات التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجاً من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية... كما وجّهنا أيضاً بأن تُرصد له 15 مليار درهم (1,5 مليار دولار) من ميزانية الدولة، بما يشكل حافزاً للشركاء المغاربة والدوليين لمواكبة تدخلاته، والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، دعماً لخطة الإنعاش، وتوسيع أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي».
وأوضح العاهل المغربي أن هذا الصندوق سيرتكز في تدخلاته على صناديق قطاعية متخصصة تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، التي تقتضيها كل مرحلة. ومن بين هذه المجالات، يضيف الملك محمد السادس، «إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة».
كما أكد العاهل المغربي الأهمية التي يجب أن تُعطى للفلاحة والتنمية القروية، ضمن عملية الإنعاش الاقتصادي، مشيراً إلى أنه يتعين دعم صمود هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية، وهو ما سيسهم -يقول الملك محمد السادس- في تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني في العالم القروي، وفقاً للاستراتيجية الفلاحية الجديدة. كما ذكر ملك المغرب أن عملية تعبئة مليون هكتار من الأراضي الفلاحية الجماعية لفائدة المستثمرين، وذوي الحقوق، «تشكل رافعة أساسية ضمن هذه الاستراتيجية».
وأشار العاهل المغربي إلى أن حجم الاستثمارات المنتظرة في إطار هذا المشروع، تقدر بما يقارب 38 مليار درهم (3,8 مليار دولار) على المدى المتوسط، وهو ما سيمكّن من خلق قيمة مضافة، تمثل نحو نقطتين إضافيتين سنوياً من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد مهم من مناصب الشغل، خلال السنوات المقبلة.
في غضون ذلك، قال ملك المغرب إن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة تتطلب تعبئة وطنية شاملة، وتضافر جهود الجميع لرفع تحدياتها. مبرزاً أنه يغتنم هذا الموعد الدستوري المهم لدعوة «كل المؤسسات والفعاليات الوطنية، وفي مقدمتها البرلمان، للارتقاء إلى مستوى تحديات هذه المرحلة، وتطلعات المواطنين». معتبراً «المسؤولية مشتركة، والنجاح إما أن يكون جماعياً لصالح الوطن والمواطنين، وإما لا يكون».
وخلص العاهل المغربي إلى القول إنه واثق «بأننا سنرفع جميعاً هذا التحدي، في إطار الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي».