الكويت... عهد جديد عنوانه الاستقرار والاستمرار

الأمير وولي العهد من رجال الدولة المخضرمين... قضيا معظم حياتهما في سلك الأمن والدفاع

الكويت... عهد جديد عنوانه الاستقرار والاستمرار
TT

الكويت... عهد جديد عنوانه الاستقرار والاستمرار

الكويت... عهد جديد عنوانه الاستقرار والاستمرار

بمناداته أميراً لدولة الكويت، أصبح الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الأمير السادس عشر للبلاد، والأمير السادس بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1961.
ولقد ولد الشيخ نوّاف الأحمد الجابر الصباح، يوم 25 يونيو (حزيران) من عام 1937، في مدينة الكويت. وهو النجل السادس لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح، الذي تولّى حكم الكويت في الفترة ما بين 1921 – 1950، من زوجته اليمامة. وهو الأخ غير الشقيق لاثنين من حكام الكويت: الشيخ جابر الأحمد (حاكم الكويت الـ13 ما بين 1977 - 2006)، والشيخ صباح الأحمد (حاكم الكويت الـ15، ما بين 29 يناير/كانون الثاني 2006، حتى 29 سبتمبر/أيلول 2020). أما ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، فقد ولد في الكويت عام 1940، وهو الابن السابع لحاكم الكويت أحمد الجابر، من زوجته مريم مريط الحويلة.
يجمع بين الأمير السادس عشر للكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، وولي عهده الشيخ مشعل الأحمد، التجربة الطويلة في بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية، وكانا شخصيتين بارزتين أمضيا معظم حياتهما العملية في سلك الأمن والدفاع.
فمن جهة، الشيخ نواف الأحمد؛ فهو يعتبر المؤسس الحقيقي لوزارة الداخلية في الكويت بشكلها الحديث، وإدارتها المختلفة، وقد تولى مسؤولية الوزارة على مدى فترتين، الأولى من مارس (آذار) 1978 إلى يناير 1988، والأخرى من 2003 إلى فبراير (شباط) 2006، وإبان توليه حقيبة وزارة الداخلية قام بتحديث هذه المؤسسة الأمنية، لتواجه التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد. كذلك، تولى الشيخ نواف الأحمد حقيبة وزارة الدفاع عام 1988، حتى عام 1991. وخلال فترة توليه هذا المنصب شهدت البلاد كارثة الغزو العراقي للكويت (2 أغسطس/آب 1990 – 28 فبراير 1991).
ثم مع تشكيل أول حكومة بعد تحرير الكويت، تولى الشيخ نواف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في أبريل (نيسان) عام 1991، ثم أصبح نائباً لرئيس الحرس الوطني في 1994، وعاد لتولي حقيبة وزارة الداخلية مجدداً في 2003 إلى أن أصبح ولياً للعهد في 2006.
أما ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، فهو يتمتع بشخصية أمنية وعسكرية؛ إذ إنه تلقى تعليمه في كلية هيندون للشرطة في المملكة المتحدة عام 1960، ثم التحق بوزارة الداخلية. ومن ثم تدرج في المناصب حتى أصبح رئيساً لجهاز المباحث العامة برتبة عقيد منذ عام 1967 وحتى عام 1980، ولقد تحولت المباحث العامة في عهده إلى إدارة أمن الدولة، وظل رئيساً لجهاز أمن الدولة لنحو 13 سنة.
بعد ذلك انتقل الشيخ مشعل إلى الحرس الوطني في 13 أبريل 2004، حين عيّنه الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد نائباً لرئيس الحرس الوطني بدرجة وزير. وحقاً، ساهم الشيخ مشعل الأحمد في إصلاح الحرس الوطني، وتنظيمه وتدريب أفراده، ورفده بالمعدات، ليصبح قوة صلبة ضمن القوات المسلحة الكويتية، وساهم الحرس الوطني مؤخراً في مساعدة الحكومة لاحتواء تفشي فيروس «كوفيد – 19» (فيروس كورونا المستجد).

تشخيص التهديدات
في خطابه الأول أمام البرلمان بعد أدائه اليمين الدستورية شخّص الأمير نواف الأحمد التهديدات التي تواجهها الكويت، وهي التحديات ذاتها التي لطالما أشار إليها سلفه الشيخ صباح الأحمد؛ إذ قال إن «الكويت تعرضت خلال تاريخها الطويل إلى تحديات جادة ومحن قاسية نجحنا بتجاوزها متعاونين متكاتفين، وعبرنا بسفينة الكويت إلى بر الأمان». وأضاف «يواجه وطننا العزيز اليوم ظروفاً دقيقة وتحديات خطيرة لا سبيل لتجاوزها والنجاة من عواقبها إلا بوحدة الصف وتضافر جهودنا جميعاً، مخلصين العمل الجاد لخير ورفعة الكويت وأهلها الأوفياء».
ما يجدر ذكره، أن الكويت التي عُرفت بتجربتها الديمقراطية، شهدت حياة سياسية نشطة، حتى قبل الاستقلال عن بريطانيا. إذ عرفت البلاد أول دستور مكتوب ومجلس شورى في عام 1921. وكان الكويتيون أول شعب خليجي يشكل مجلساً تشريعياً بالانتخاب في عام 1938. كما عُرفت الكويت بنظامها البرلماني الذي أرساه الشيخ عبد الله السالم الصباح، رجل الاستقلال. وفي عهده، جرى إقرار الدستور، الذي كان أول وثيقة من نوعها في الخليج، ويطلق اسمه اليوم على قاعة مجلس الأمة. صدر الدستور الحالي بعد الاستقلال في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1962. وبدأ العمل به رسمياً يوم 29 يناير 1963.
وحصلت الكويت على استقلالها من بريطانيا في 19 يونيو 1961، حين وقّع الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح، الحاكم الحادي عشر للكويت، وثيقة الاستقلال مع المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي السير جورج ميدلتون، نيابة عن حكومة بلاده. وألغى الاتفاقية التي وقّعها الشيخ مبارك الصباح، الحاكم السابع للكويت، مع بريطانيا في 23 يناير 1899 لحمايتها من الأطماع الخارجية.
ويتبنى الدستور الكويتي النظام الديمقراطي، حيث تنص المادة السادسة بأن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً». وعلى الرغم من أن التجربة النيابية والتشريعية في الكويت ضاربة في القدم، فإنها بقيت على الدوام معرضة للامتحان، بين الديمقراطية والاستقرار.
كانت الكويت على الدوام تواجه تحديات إقليمية يفرضها موقعها كدولة ثرية وصغيرة في محيط ملتهب، ولكن يأتي تسلم العهد الجديد أمانة المسؤولية والبلاد تواجه تحديات متنوعة، أبرزها التحديات الاقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط، وجائحة كورونا، حيث تراجعت مداخيل الكويت من النفط، حيث تواجه البلاد التي تنتج يومياً نحو 2.2 مليون برميل من النفط، عجزاً في الميزانية، وأزمة سيولة وتتطلع البلاد إلى سنّ تشريعات تتيح للحكومة طرق أبواب أسواق الدين الدولية لمساعدتها في تمويل عجز الميزانية.

انتخابات متوقعة لمجلس الأمة
يأتي انتقال السلطة أيضاً وسط انتهاء دور الانعقاد لمجلس الأمة البرلمان؛ ذلك أنه من المنتظر أن تشهد البلاد انتخابات لمجلس الأمة جديد بنظام الصوت الواحد، ووسط غياب أقطاب المعارضة الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن على خلفية اقتحام مجلس الأمة، ونشطت في الأسابيع الأخيرة المحاولات لإصدار عفو عام لم يكتب لها النجاح.
سيكون ملف محاربة الفساد أحد أبرز الملفات التي سيضطلع بها العهد الجديد، لا سيما أن الأمير وولي عهده أظهرا الرغبة في معالجة هذا الملف بحزم وقوة القانون.
الأمير نواف تحدث في كلمته الأخيرة التي وجهها للمواطنين في 23 أغسطس 2020، عن ملف الفساد، رافعاً الغطاء عن أي فرد في الأسرة يثبت تورطه في قضايا الفساد. وقال «إن محاربة الفساد ليست خياراً، بل هي واجب شرعي واستحقاق دستوري ومسؤولية أخلاقية ومشروعي وطني يشترك الجميع في تحمل مسؤوليته». وأردف «لكل من يثير التساؤل حول محاسبة أبناء الأسرة الحاكمة نؤكد بأنهم جزء من أبناء الشعب الكويتي وتسري عليهم ذات القوانين، ومن يخطئ يتحمل مسؤولية خطأه؛ فليس هناك من هو فوق القانون».

الاقتصاد... التحدي الأكبر
أخيراً، يمثّل الاقتصاد التحدي الأبرز أمام العهد الجديد. إذ إن الكويت تعاني من شحّ في السيولة وصلت إلى التحذير من العجز عن دفع المرتبات، وقال وزير المالية الكويتي براك الشيتان في نهاية أغسطس الماضي، إن هناك حاجة أمام الحكومة إلى إقرار قانون الدين العام الذي سيمكنها من اقتراض 20 مليار دينار (نحو 66 مليار دولار) خلال ثلاثين سنة. وحذر الوزير من نقص السيولة بشكل يهدد دفع رواتب العاملين في الدولة، وقال إن «الكويت تمتلك ملياري دينار (أي ما يعادل 6.6 مليار دولار) من السيولة في خزينتها ولا تكفي لتغطية رواتب الدولة بعد شهر أكتوبر (تشرين الأول)» الحالي، وهذا، مع أن الكويت تمتلك صندوقاً سيادياً ضخماً يقدر حساب صندوق الأجيال بنحو 550 مليار دولار. وقال الوزير الشبتان «إن الحكومة تسحب من صندوق الاحتياطي العام بمعدل 1.7 مليار دينار شهرياً؛ ما يعني أن السيولة ستنضب قريباً إذا لم تتحسن أسعار النفط، وإذا لم تستطع الكويت الاقتراض من الأسواق المحلية والدولية».

حكام الكويت... ودستورها ونظامها السياسي
> الشيخ صباح بن جابر الصباح، المولود بداية القرن الثامن عشر، هو أول حكام أسرة آل صباح في الكويت. وكان قد تسلّم الحكم بعد تحالف قبلي خلال الفترة من عام 1756 حتى 1776؛ وبناءً عليه، مع الشيخ صباح بن جابر (أو صباح الأول) يبدأ التاريخ السياسي للكويت ولأسرة الصباح منذ عام 1756، واستمرّت الإمارة في ذرّيّته، مروراً بالشيخ مبارك الكبير (الحاكم السابع، الذي حكم من 1896 إلى 1915)، والذي يعدّ المؤسّس الحقيقي للدّولة.
تعاقب على الحكم في الكويت منذ عام 1756 حتى اليوم 16 أميراً، ومنذ 1915 جرى تناقل الإمارة في ذرّية الشيخ مبارك الكبير، مع الإشارة إلى أن الإمارة استقلت رسمياً عام 1961 إبان عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح، وصدر الدستور الكويتي عام 1962م.

تسلسل تولّي حكام الكويت
تعاقب على الحكم منذ عام 1756 من مشايخ آل الصباح، كل من:
الشيخ صباح (الأول) بن جابر (تولى الحكم عام 1756م)
الشيخ عبد الله بن صباح بن جابر الصباح (1762م)
الشيخ جابر (الأول) بن عبد الله الصباح (1812م)
الشيخ صباح (الثاني) بن جابر بن عبد الله الصباح (1859م)
الشيخ عبد الله (الثاني) بن صباح الصباح (1866م)
الشيخ محمد (الأول) بن صباح الصباح (1892م)
الشيخ مبارك (الكبير) بن صباح الصباح (1896م)
الشيخ جابر المبارك الصباح (1915م)
الشيخ سالم المبارك الصباح (1917م)
الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح (1921م)
الشيخ عبد الله السالم المبارك الصباح (1950م)
الشيخ صباح السالم الصباح (1965م)
الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح 1977م)
الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح (2006م)
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (2006م)
الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح (2020م)

الدستور الكويتي ونظام الحكم
> نصّ الدّستور الكويتي على أن نظام الحكم يكون وراثيّاً في ذرّيّة الشيخ مبارك الكبير، ويُسمّى حاكم الكويت أميراً ويتمتّع بالكثير من السلطات الدستوريّة كالسلطة التشريعيّة التي يتولّاها مع مجلس الأمّة والسلطة التنفيذيّة التي يتولّاها مع مجلس الوزراء، كما يعمل الأمير على اختيار ولي العهد وتزكيته ليقوم مجلس الأمّة بمبايعته في جلسة خاصّة، ولا بدّ من توفّر الكثير من الشروط في كلّ من الأمير وولي العهد، ومنها: أن يكون رشيداً عاقلاً مسلماً من أبوين مسلمين.
نظام الحكم بدولة الكويت أميري ديمقراطي، فلدولة الكويت سيادة ودستور ويرأسها أمير البلاد ويشرّع قوانينها مجلس الأمة المكون من خمسين عضواً يُنتخبون كل 4 سنوات بالاقتراع الشعبي الحر. وتنقسم السلطات بالكويت إلى سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، يرأسها الأمير. ولا يُسمح وفقاً للدستور بتشكيل الأحزاب على الرغم من وجود الكتل النيابية.
نظام الحكم نظام وراثي دستوري، يستمد شرعيته من الدستور، وهو بذلك يتيح نقل السلطة داخل الأسرة الحاكمة من ذرية مبارك الصباح. ولقب الحاكم هو الأمير، ويتولى الأمير سلطاته التنفيذية من خلال وزرائه، ولا تنفذ الأحكام القضائية، إلا بعد مصادقة الأمير عليها، والأمير هو الوحيد الذي يمكنه العفو من الأحكام.
يمتاز نظام الحكم بالكويت بالمزج بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي، فجميع القوانين التي يقرها مجلس الأمة تصبح نافذة بعد توقيع الأمير عليها خلال شهر من إصدارها. وفي حالة مرور شهر دون توقيع الأمير على هذه القوانين، تصبح نافذة من دون التوقيع وكأنه وقّع عليها، فإن أعادها الأمير للمجلس ووافق عليها مرة أخرى، تصبح نافذة من دون الحاجة إلى توقيعه.

الكويت... بالأرقام
> بلغ عدد سكان دولة الكويت في 30 يونيو (حزيران) 2012 وفق «الإدارة المركزية للإحصاء» إلى 3.268.431 نسمة تقريباً، منهم 1.128.381 كويتيون، والباقي من الوافدين والأجانب، ويتركز معظم سكان دولة الكويت في مدينة الكويت وضواحيها، وبخاصة في المناطق المحاذية لساحل الخليج العربي.
في الماضي، اقتصرت المعلومات السكانية خلال الفترات التاريخية عـلى التقديرات التي ذكرها بعـض الرحّالة. لكن عام 1957م أجري أول تعداد رسمي للسكان، وبيّن أن عدد السكان يبلغ نحو 206.473 نسمة، بينهم 92.851 من الوافدين. وفي عام 1961م بلغ عدد سكان دولة الكويت 321.621 نسمة، منهم 62 في المائة من الذكور و37 في المائة من الإناث، وهذا الاختلاف في التركيب النوعي للسكان ناتج من الهجرة الخارجية التي شهدتها دولة الكويت. ومنذ عام 1965م بدأت دولة الكويت إجراء تعدادات سكانية منتظمة كل خمس سنوات.
في التعداد الذي أجري عام 1985م بلغ عدد السكان نحو 1.697.301 نسمة، منهم 56 في المائة من الذكور و44 في المائة من الإناث. أما في تعداد عام 1990م فقد بلغ إجمالي عدد السكان 2.141.465 نسمة، منهم 72 في المائة من الوافدين. وفي العام نفسه تعرضت الكويت للعدوان والاحتلال العراقي، وما تبع ذلك هجرة كبيرة للوافدين من العرب وغيرهم، الأمر الذي أدى إلى تغييرات كبيرة في وضع السكان.
بعدها، في تعداد عام 1995 م، بلغ إجمالي عدد السكان نحو 1.577.598 نسمة، منهم 58 في المائة من غير الكويتيين. وفي أبريل 2005 أُجري التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت، وهو التعداد التاسع من سلسة تعدادات دولة الكويت والأول في القرن الحادي والعشرين، وقد أسفرت النتائج الأولية لهذا التعداد الأخير بأن عدد سكان قد بلغ 2.213.403 نسمة، منهم 880.774 من الكويتيين و1.332.629 من غير الكويتيين.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».