إعلان موعد تشغيل السد الإثيوبي يهدد مصير المفاوضات

مطالب بوقف «الإجراءات الأحادية» والعودة إلى مجلس الأمن

مياه النيل تتدفق عبر السد الإثيوبي الشهر الماضي (رويترز)
مياه النيل تتدفق عبر السد الإثيوبي الشهر الماضي (رويترز)
TT

إعلان موعد تشغيل السد الإثيوبي يهدد مصير المفاوضات

مياه النيل تتدفق عبر السد الإثيوبي الشهر الماضي (رويترز)
مياه النيل تتدفق عبر السد الإثيوبي الشهر الماضي (رويترز)

أثار الإعلان الإثيوبي عن تشغيل «سد النهضة»، وتوليد الكهرباء في غضون 12 شهراً، غضباً مصرياً، في ظل تعثر المفاوضات بشأن قواعد ملء السد وتشغيله. وقال مراقبون مصريون إن على القاهرة أن تحسم مصير تلك المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، من دون أي تقدم حتى الآن، وأن تطالب الاتحاد بموقف واضح إزاء «الإجراءات الأحادية» لأديس أبابا.
وأخفقت مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل إلى حل توافقي يبدد مخاوف دول مصب نهر النيل، من تأثير السد على حصتيهما في مياه النيل، رغم مفاوضات مطولة بدأت قبل نحو 10 أعوام. ومنذ يوليو (تموز) الماضي، يرعى الاتحاد الأفريقي، جولة جديدة من المفاوضات، غير أنها عُلقت نهاية أغسطس (آب) الماضي، بعد خلافات فنية وقانونية، إذ تطالب مصر والسودان باتفاق قانوني ملزم يشمل النص على قواعد أمان السد، وملئه في أوقات الجفاف، ونظام التشغيل، وآلية فض النزاعات.
ودعا أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي الاتحاد الأفريقي إلى التحرك لاستكمال المفاوضات أو إعلان فشلها للعودة إلى مجلس الأمن، إذ سبق أن تقدمت مصر بطلب إلى المجلس قبل أشهر لنظر القضية، باعتبارها تهدد الأمن والسلم في المنطقة، قبل أن يبادر الاتحاد الأفريقي بتبني القضية. ووصف شراقي الإعلان الإثيوبي عن تشغيل السد قبل التوصل إلى اتفاق بـ«الاستفزازي».
وكانت الرئيسة الإثيوبية سهلورق زودي، أعلنت أمام البرلمان، أول من أمس، أن «العام سيكون العام الذي سيبدأ فيه سد النهضة الإثيوبي العظيم في توليد الكهرباء من توربينين اثنين»، مضيفة أن العمل يجري للقيام بثاني عملية ملء للسد خلال الـ12 شهراً المقبلة.
ولفت شراقي إلى أن إثيوبيا «ستبدأ في تكملة الممر الأوسط في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ومعنى ذلك أنه سيتم حجز 13 مليار متر مكعب في الصيف المقبل ليصل إجمالي الملء إلى 18 مليار متر مكعب».
وأنجزت إثيوبيا في يوليو الماضي عامها الأول من ملء السد (5 مليارات)، بفضل سقوط المطر في المنطقة. وشدد الخبير المصري على ضرورة «المطالبة من الآن بعدم البدء في تعلية الممر الأوسط إلا بعد الوصول إلى اتفاق، كون التعلية هي حجز إجباري للمياه، ومن غير المعقول عدم الاعتراض على التعلية وفي الوقت نفسه المطالبة بعدم التخزين، فالتعلية هي الخطوة الأولى من التخزين».
وتقول أديس أبابا إن المشروع الذي يقام بالقرب من الحدود السودانية حيوي لنموها الاقتصادي.
واقترح وزير الموارد المائية المصري الأسبق الدكتور محمد نصر الدين علام تقديم مذكرة رسمية إلى الاتحاد الأفريقي، تطالب القاهرة فيها بتوجيه توبيخ رسمي إلى إثيوبيا لتصريحها الأخير حول العزم على ملء وتشغيل السد العام المقبل من دون أي إشارة أو احترام للتفاوض القائم مع مصر والسودان، ومطالبة الاتحاد بالتمسك بالجدول التفاوضي المعلن لعقد اتفاقية سريعة ملزمة لقواعد ملء السد وتشغيله.
ولفت علام، في تدوينة له، إلى ضرورة تفعيل دور مراقبي التفاوض (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي)، واستكمال خبراء الاتحاد الأفريقي (معظمهم قانونيون) بخبراء فنيين دوليين للتدخل فنياً إذا ما خرج التفاوض عما هو متاح ومعهود، مع إحالة الأزمة إلى مجلس الأمن فور توقف المفاوضات بسبب تعنت طرف أو أكثر، أو لأي أسباب أخرى تعوق استمرار المفاوضات.
وحذر علام من البدء في استكمال بناء السد، مع قرب انتهاء موسم فيضان النيل الأزرق، وتشغيله من دون الإشارة إلى المفاوضات مع دول الشراكة المائية، مطالباً بتحرك مصري قوي وجاد وسريع.
ويبدو أن آمال الوصول إلى حل للنزاع عبر مفاوضات الاتحاد الأفريقي غير واسعة. وقال السفير ماجد عبد الفتاح، مندوب الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة، إن المفاوضات لم تسفر عن تقدم في النقاط العالقة كالملء والحصص وتسوية المنازعات والتوصل إلى اتفاق ملزم. ونوه إلى أن القضايا الأفريقية تستغرق وقتاً طويلاً من البحث حتى الوصول إلى حلول، لكنه أشار إلى اهتمام الجامعة العربية بالقضية، وتشكيلها لجنة تشارك في أعمالها السعودية والعراق والمغرب والأردن، للتعامل مع الملف، وقد أجرت عدداً كبيراً من اللقاءات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.