مليون نازح من مدن الأنبار اتجهوا إلى دهوك والسليمانية وأربيل

عائلات تروي معاناتها وسير بعضها على الأقدام مسافات طويلة

أطفال عراقيون في أحد معسكرات النزوح ({الشرق الأوسط})
أطفال عراقيون في أحد معسكرات النزوح ({الشرق الأوسط})
TT

مليون نازح من مدن الأنبار اتجهوا إلى دهوك والسليمانية وأربيل

أطفال عراقيون في أحد معسكرات النزوح ({الشرق الأوسط})
أطفال عراقيون في أحد معسكرات النزوح ({الشرق الأوسط})

تركوا الدار والجار هاربين بأنفسهم من الموت.. مدنهم وقراهم وأزقتهم أصبحت ساحات للقتال بين القوات الحكومية العراقية ومسلحي تنظيم «داعش» الذي سيطر على أغلب مدن الأنبار بين ليلة وضحاها.. قصص من المعاناة الحقيقية والرعب عاشها قرابة المليون نازح خرجوا من مختلف المدن المترامية الأطراف في محافظة الأنبار العراقية، هاربين من جحيم النار والخوف، أو من بطش القادم المجهول (مسلحو تنظيم داعش).
قصص الرحلة المحفوفة بالمخاطر يرويها لـ«الشرق الأوسط» أصحابها الذين رحلوا إلى دهوك والسليمانية وأربيل..
يقول أبو محمد، 40 عاما: «بدأت رحلتي مع النزوح من الخروج من مدينتنا الفلوجة (60 كيلومترا غرب العاصمة بغداد) حيث كنت أسكن في الحي العسكري شمال شرقي المدينة، وهو أول الأحياء السكنية في مدينة الفلوجة التي تعرضت للقصف المستمر، ومن ثم للدمار، بالبراميل المتفجرة التي كانت تلقيها مروحيات القوات الحكومية، وكذلك القصف المدفعي للحي بعد دخول المسلحين.. اتجهت بعائلتي المكونة من 6 أفراد صوب مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، التي كانت منطقة آمنة.. وبعد مضي شهرين، دخل المسلحون إلى الرمادي، وبدأت الفوضى تعم الناس.. الأهالي اتجهوا بسياراتهم والبعض سيرا على الأقدام منهم من يحمل بعض الأغراض ومنهم من يحمل أطفاله الصغار، صوب الشارع المؤدي إلى مدينة هيت، أنا من الناس الذين ساروا على أقدامهم حاملا ابنتي الصغيرة ومعي زوجتي وبقية الأولاد، إلى أن وصلنا إلى الشارع، ثم نقلتنا سيارة حمل صعد فيها قرابة 20 شخصا إلى مدينة هيت. وفي هيت، التي تبعد عن الرمادي مركز محافظة الأنبار 60 كلم باتجاه الغرب، سكنت في أحد هياكل الأبنية التي هي قيد الإنجاز.. تأقلمنا مع الوضع الجديد، ووجدت عملا لي أتعيش منه في أحد أسواق المدينة، وفي أحد الأيام ومن دون سابق إنذار دخل مسلحو (داعش) فسقطت آخر ملاذاتنا الآمنة.. مشهد المعاناة يتكرر مرة أخرى، ورأيت الناس تتجه هذه المرة صوب الصحراء قاصدين طريق يسمى النخيب، باتجاه مدينة كربلاء، حملتنا سيارات يمكنها السير في الصحراء، اتفقت مع صاحب السيارة على أن يوصلني إلى بغداد عبر أي طريق يشاء، فالمهم عندي هو الوصول إلى العاصمة. كنا نسير في صحراء قاحلة إلى أن وصلنا لحدود محافظة كربلاء التي رفض مسؤلوها أن ندخل ومعنا مئات السيارات القادمة من الأنبار هربا من المسلحين.. وبعد انتظار قارب اليومين، تمت الموافقة على دخول السيارات بعد أن تم تفتيشها بالكامل، ثم رافقتنا سيارات الشرطة بقافلة تسير معنا للتأكد من أننا سنغادر كربلاء باتجاه بغداد.. وصلنا لبغداد ثم تابعنا الطريق إلى المخيمات في أربيل عاصمة إقليم كردستان لتبدأ المعاناة الأخرى، ولكن تذكرت المقولة: إن بعض الشر أهون من بعض».
حسام، 16 عاما، طالب في المرحلة الإعدادية، يقول: «بعد دخول مسلحي (داعش) مدينتا في منطقة الخالدية 28 كلم شرق الرمادي، اتجهت عائلتنا إلى حيث يتجه الناس.. لا نعرف إلى أين نحن ماضون.. تسير السيارات باتجاه الشرق صوب العاصمة، ولكن ليس على الطريق المعتاد.. وصلنا إلى بحيرة الحبانية، وهنا طلب منا السائق أن ننزل من السيارة، فالطريق عبر البر قد انتهى إلى هنا.. ركبنا القوارب لتحملنا عبر البحيرة إلى الجهة الأخرى، ثم تابعنا السير بعد أن استأجر والدي سيارة أوصلتنا عبر طرق ريفية وبين القرى والمزارع.. إلى حدود العاصمة بغداد.. بقينا هناك عند أقارب لنا مدة يومين، ثم أكملنا الرحلة صوب محافظة دهوك في إقليم كردستان بعد معاناة كبيرة عند حدود الإقليم، فبعض أفراد أسرتنا لم تكن لديه المستمسكات الشخصية، مما عرقل عملية دخولنا للإقليم، وكأننا ندخل إلى بلد آخر».
أم صلاح، 51 عاما، أرملة وأم لخمسة أولاد، تقول: «لم أكن أنوي ترك بيتي إطلاقا لكون حالتي المعيشية فقيرة، ولا يمكنني الخروج والمقامرة بمصير أولادي، فالموت يحيط بنا من كل جانب؛ هنا في بيتي وفي خارجه.. ولكن صرت أمام الأمر الواقع بعد أن أصيب ابني في ساقه نتيجة المعارك بين مسلحي (داعش) والقوات الحكومية، فتوجب علينا الرحيل لمعالجة ابني المصاب وخوفا على بقية أبنائي.. قصدنا المنفذ الوحيد للخروج من المدينة وهو السير على الأقدام مسافة 25 كلم شرق المدينة.. أولادي يتناوبون على حمل أخيهم المصاب، ويساعدهم شباب المنطقة الذين غادروا برفقة عوائلهم معنا. وبعد وصولنا إلى منطقة الفلاحات، استأجر لنا أحد المحسنين سيارة بمبلغ مليون دينار لكي تقلنا إلى مخيمات النازحين في شمال العراق. نصحونا بعدم النزول في أي منطقة غير المخيم بسبب وجود بعض المسلحين في مناطق بغداد تابعين لميليشيات طائفية، خصوصا أن ابني صلاح مصاب، فخفت أن يظنوا أنه من المنتمين للمقاتلين ضد القوات الحكومية.. وفعلا كلما مررنا بحاجز أمني تابع للجيش الحكومي أو الشرطة، استفسروا عن حالة صلاح، وتنهال علينا الأسئلة، إلى أن وصلنا بعد مسير يومين إلى المخيم، وتمت معالجة ابني، ومنذ خروجي من بيتي وأنا أشعر بأني لم يعد لدي وطن إأنتمي إليه، أو وطن يحميني ويحمي أولادي، فوطننا هناك مستباح من قبل المسلحين ولن يدافع عنه أحد.. الخيام البائسة هذه هي ملاذنا الوحيد الآن».
وقالت الناشطة المدنية في مجال حقوق الإنسان ورئيسة جمعية «تحالف نساء الرافدين»، هناء عباس حمود، لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من إعداد برامج وبخطوات سريعة لإنقاذ ما تبقى من العوائل المحاصرة في المدن التي تخضع مناطقها للصراعات المسلحة، وعلى الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي والمنظمات الدولية أن تسارع الخطى لمد يد المساعدة وإنقاذ المدنيين وكذلك السعي لزيادة المنح المادية المقدمة للنازحين لأن أوضاعهم الإنسانية صعبة للغاية، وكثيرون منهم فقدوا أفرادا من عوائلهم، وخرجوا من بيوتهم بالملابس التي يرتدونها فقط في حملة نزوح هي الكبرى التي شهدها العالم بعد موجة النزوح التي حصلت إبان الحرب العالمية الثالثة».
الدكتور صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء العراقي ورئيس اللجنة العليا لإغاثة النازحين، قال لـ«الشرق الأوسط»: «ما قدمناه وسنقدمه لآلاف العوائل النازحة لا يرقى لحجم المعاناة التي شهدوها، ومع ذلك، فنحن نبذل قصارى الجهد لتخفيف المعاناة عنهم، وهناك فرق تعمل ليل نهار على ذلك، واتخذت اللجنة العليا لإغاثة النازحين قرارات مهمة؛ من بينها صرف منح مالية لنازحين من مناطق مختلفة، وفتح مكاتب في إقليم كردستان لإصدار الوثائق الرسمية والثبوتية للنازحين الذين فقدوا أو تركوا مستمسكاتهم الشخصية، وإصدار بطاقة إلكترونية تعريفية بالعوائل النازحة، وشمولهم بالرعاية وتجهيزهم بالكرفانات للسكن المؤقت.. والحل الجذري برأينا في ما يتعلق بالنازحين هو تحرير مناطقهم من سطوة مسلحي تنظيم داعش وعودتهم إلى ديارهم بسلام».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.