أعد المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، بحثاً حول ظاهرة السرقات التي نفذها المواطنون والجنود اليهود من بيوت جيرانهم العرب، خلال حرب النكبة الفلسطينية سنة 1948، يعتزم نشره في كتاب جديد قريباً. وخلص المؤرخ في بحثه إلى نتائج اعتبرها «صادمة» و«غير مسبوقة في التاريخ». وقال إن القادة الإسرائيليين، الذين عرفوا عن هذه الظاهرة بالتفصيل، فضلوا الصمت إزاءها والامتناع عن الحديث عنها أو معاقبة أصحابها.
وقال راز إنه قرر التعمق في هذا البحث، لأنه عثر على وثيقة يعود تاريخها إلى 24 يوليو (تموز) 1948، أي بعد شهرين على قيام الدولة العبرية، تم فيها اقتباس رئيس الحكومة الإسرائيلي الأول ديفيد بن غورين، بقول أشياء «قاسية جداً عن المجتمع الإسرائيلي». وهذا ما جاء في الاقتباس: «تبين أن معظم اليهود لصوص... أنا أقول ذلك بصورة متعمدة وببساطة. لأنه للأسف هذه هي الحقيقة».
ويضيف المؤرخ راز: «هذه الأقوال مكتوبة حرفياً، في محضر جلسة لمركز حزب مباي الحاكم، المحفوظ في متحف حزب العمل». وتابع قائلاً: «أبناء الغور سرقوا! الرواد من بين الطلائعيين، وآباء أبناء البلماخ! لقد شارك الجميع في السرقة، الحمد لله، أيضاً أبناء نهلال!... هذه ضربة شاملة. هذا أمر مخيف، لأن هذا يكشف بعض الخلل الأساسي. سرقة وسطو - من أين جاءنا هذا؟ لماذا أبناء البلاد، البناؤون والمنتجون والطلائعيون وصلوا إلى هذه الأعمال؟ ما الذي حدث؟».
ويضيف راز، الذي قرر أن يكون عنوان كتابه القادم «سرقة الممتلكات العربية في حرب الاستقلال» (إصدار الكرمل، بمشاركة معهد عكفوت)، أن المهمة التي أخذها على عاتقه كانت صعبة وبها تحدٍ، فهو يجمع مرة واحدة، في كتاب واحد، كل المعلومات الموجودة عن سرقة الممتلكات العربية من قبل اليهود في حرب الاستقلال، من طبرية في الشمال وحتى بئر السبع في الجنوب، من يافا وحتى القدس ومروراً بمساجد وكنائس وقرى منتشرة بين المستوطنات. لهذه الغاية استعرض جيداً نحو 30 متحفاً في أرجاء البلاد وتصفح صحفاً تاريخية وقرأ أدبيات البحث الموجودة. وحسب قوله: «النتيجة كانت صادمة». ويتابع: «من خزانة مصنوعة من خشب المهاغوني صنعنا قنا للدواجن، والقمامة كنا نكنسها بطبق من الفضة. كانت هناك أدوات خزفية مزخرفة بالذهب، وكنا نفرش على الطاولة ملاية عليها أدوات خزفية وذهب، وعندما انتهينا من الأكل أخذوا كل شيء إلى القبو. في مكان آخر وجدنا مخزناً فيه 10 علب كافيار، قالوا. منذ ذلك الحين زملائي لم يكونوا قادرين على لمس الكافيار طوال حياتهم». وكتب أيضاً: «من جانب كان هناك شعور بالخجل بسبب هذا التصرف، ومن الجانب الآخر كان شعور بالخروج على القانون. مكثنا هناك 12 يوماً، في حين كانت القدس تختنق بسبب نقص كل شيء، ونحن كنا نزداد وزناً. أكلنا الدجاج ومأكولات طيبة كنا نقرأ عنها في الكتب».
ويقتبس المؤرخ ما قاله دوف دورون، أحد سكان القدس عن هذا النهب: «أجزاء كبيرة من الجمهور الإسرائيلي، مواطنون ومحاربون على حد سواء، كانوا مشاركين في سرقة ممتلكات الجمهور العربي. السرقة تفشت مثل النار في الهشيم في أوساط الجمهور اليهودي. السرقة شملت محتويات عشرات آلاف البيوت والحوانيت، والمعدات الميكانيكية، والمصانع، والمحاصيل الزراعية، والأغنام وغيرها. وشملت أيضاً: أجهزة بيانو، وكتباً، وملابس، ومجوهرات، وطاولات، وآجهزة كهربائية، ومحركات وسيارات. النقاش حول مصير الأراضي والمباني التي تركها خلفهم الـ700 ألف لاجئ عربي الذين هربوا أو طردوا في الحرب، يتركه لباحثين آخرين».
ولم يكن بن غوريون الشخصية السياسية الوحيدة التي اقتبس منها كتاب راز. فهناك أيضاً إسحق بن تسفي، زميل بن غوريون في الدراسة، الذي أصبح الرئيس الإسرائيلي الثاني.
وفي رسالة لبن غوريون، اقتبسها راز، كتب بن تسفي أن ما يحدث في القدس يضر «صورة مرعبة» بشرف الشعب اليهودي والقوات المحاربة. وأضاف: «لا أستطيع المرور بصمت على السطو، سواء كان منظماً أو غير منظم، أو قام به أشخاص بشكل انفرادي. السطو أصبح ظاهرة عامة... الجميع يتفقون مع الرأي الذي يقول إن لصوصنا سينقضون على الأحياء المتروكة مثل انقضاض الجراد على حقل أو بيارة».
وقد توجه الصحافي عوفر اديرت من صحيفة «هآرتس» إلى راز بالسؤال التالي: «لماذا تدعي أن الأمر يتعلق بحالة فريدة؟ التاريخ أظهر لنا أن الجمهور البولندي في الحرب العالمية الثانية أيضاً نهب ممتلكات جيرانه اليهود الذين عاشوا إلى جانبه بسلام منذ مئات السنين. ربما يكون الأمر يتعلق بميزة غير فريدة في حالتنا، ربما هذه هي طبيعة البشر». فأجاب: «النهب في الحرب ظاهرة تاريخية قديمة يوجد لها مراجع في نصوص تاريخية عمرها آلاف السنين. الكتاب لا يتناول هذه الظاهرة بمجملها، بل بالحالة الإسرائيلية - العربية - الفلسطينية. لقد كان من المهم لي التأكيد أن نهب الممتلكات العربية كان مختلفاً عن السرقة «العادية» في زمن الحرب. هؤلاء لم يكونوا جنوداً أميركيين، على سبيل المثال، نهبوا الفيتناميين أو الألمان على بعد آلاف الكيلومترات من بيوتهم. هؤلاء كانوا مواطنين نهبوا جيرانهم المقابلين لهم. أنا لا أقصد بالضرورة أنهم عرفوا أحمد أو نور اللذين قاموا بسرقة ممتلكاتهما، بل إن الجيران كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والمدني المشترك. اليهود في حيفا وفي محيطها سرقوا ممتلكات الـ70 ألف عربي في حيفا. مثلاً، لقد عرفوا العرب الذين قاموا بسرقتهم. هذه الأمور تنطبق بالتأكيد أيضاً على المدن المختلطة وعلى القرى التي كانت تقع قرب الكيبوتسات والموشافات. الكتاب مليء بالأمثلة التي تدلل على أن اللصوص عرفوا أنهم يقومون بعمل غير أخلاقي. إضافة إلى ذلك، الجمهور كان يعرف أن معظم الجمهور الفلسطيني لم يشارك بصورة فعلية في القتال. في الواقع، في معظم الحالات النهب تم بعد القتال، أي في الأيام والأسابيع التي أعقبت هرب وطرد الفلسطينيين».
مؤرخ إسرائيلي ينشر تفاصيل جديدة عن نهب بيوت الفلسطينيين في النكبة
مؤرخ إسرائيلي ينشر تفاصيل جديدة عن نهب بيوت الفلسطينيين في النكبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة