أحداث العام 2014: عام الرقابة في الكويت والجوائز و«يوبيلات» المؤسسات الثقافية

سعدية مفرح: النشاط الثقافي شهد تراجعا ملحوظا

مشهد للسجالات التي شهدها معرض الكتاب في الكويت
مشهد للسجالات التي شهدها معرض الكتاب في الكويت
TT

أحداث العام 2014: عام الرقابة في الكويت والجوائز و«يوبيلات» المؤسسات الثقافية

مشهد للسجالات التي شهدها معرض الكتاب في الكويت
مشهد للسجالات التي شهدها معرض الكتاب في الكويت

ربما كانت الجوائز الأدبية، السمة البارزة على الساحة الثقافية الكويتية في العام الحالي. فهناك ما يقدمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وما يعرف بجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية. في جانبها الأدبي، مُنحت الجائزة التقديرية للروائي سليمان الخليفي، وفي مجال الخدمات الثقافية حصل عليها إبراهيم الشطي، بينما حصل على التشجيعية كل من الشاعر نشمي عن ديوانه «الماء في سورته»، والروائية بثينة العيسى عن روايتها «كبرتُ ونسيت أن أنسى». وفي فئة الدراسات اللغوية والأدبية النقدية، فازت الدكتورة فاطمة الملحم العازمي، عن دراستها بعنوان «من التطبيقات المعجمية - المعجم الموضوعي لألفاظ الحكم والإدارة». وحصل الدكتور نواف الجحمه على الجائزة في فئة تحقيق التراث العربي عن كتابه «رحلة أبي الحسن الهروي.. الإشارات إلى معرفة الزيارات». وفاز الكاتب بسام المسلم، بالدورة الخامسة لجائزة الأديبة الروائية ليلى العثمان لإبداع الشباب في مجال القصة القصيرة والرواية، عن مجموعته القصصية «البيرق».
وهناك جوائز عربية حصل عليها أدباء كويتيون، فقد نال كل من أمين عام رابطة الأدباء، طلال سعد الرميضي، والروائية سعداء الدعاس، الجائزة العربية للإبداع الثقافي، وتنضوي هذه الجائزة تحت مظلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية (الألكسو)، بالتنسيق مع وزارة الثقافة العراقية، حيث جاء فوز الرميضي عن كتابه التاريخي «الكويت في السالنامة العثمانية»، بينما حصلت عليها الدعاس عن روايتها «لأني أسود». وفي إطار الجوائز أيضاً، منحت مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، جائزتها التكريمية في دورتها التي أطلقت عليها دورة أبي تمام، وأقامتها في المغرب، للشاعر اللبناني جورج جرداق الذي حال الموت بينه وبين تسلمه للجائزة.
كما حصدت فرقة «تياترو» الكويتية المسرحية، 12 جائزة في ختام فعاليات الدورة السادسة لمهرجان الإسكندرية الدولي للمسرح: «مسرح بلا إنتاج».
واختار مهرجان المبدعين السنوي الثامن الذي تقيمه جريدة «الشرق»، الشاعر عبد العزيز سعود البابطين «شخصية العام» الثقافية والأدبية لعام 2014، وذلك تقديرا لجهوده في دعم مسيرة الثقافة والأدب في الوطن العربي والعالم.
ولأول مرة منذ تأسيسها، تشهد مجلة «العربي» الثقافية الشهيرة، تعاقب رئيسين اثنين للتحرير ومشرفة على التحرير، خلال شهور متقاربة، فقد تسلم د.عادل العبد الجادر رئاسة التحرير خلفاً لوكيل وزارة الإعلام صلاح المباركي، وقبل الجادر تم تعيين د.ليلى السبعان مشرفة لفترة لا تتجاوز الشهرين.
وفي هذا العام رحل الشاعر سليمان الجار الله عن تسعين عاما، تاركا وراءه إرثا كبيرا من القصائد صدرت في ديوان قبيل رحيله بفترة وجيزة.
وحلت في هذا العام مناسبتان للتأسيس، الأولى هي اليوبيل الذهبي لرابطة الأدباء، واليوبيل الفضي لمؤسسة البابطين للإبداع الشعري.

* الكويت تتراجع ثقافيا في 2014
في حين ترى الكاتبة والشاعرة الكويتية سعدية مفرّح، أن الأحداث الثقافية في بلادها خلال عام 2014 كانت تقليدية ولعلها أقل من المعتاد، سواء على صعيد معرض الكتاب أو المهرجانات الثقافية والفنية، أو الجوائز الأدبية، «وعلى الرغم من صدور بعض الكتب المهمة في الكويت خلال العام الحالي، إلا أنها من الأحداث المعتادة».
واستند تقييم مفرّح لتقليدية النشاط الثقافي في الكويت، على غياب الإقبال على تأسيس البنى التحتية للثقافة، وتقول سعدية: «ما زلنا نعاني من قصور في التأسيس لبنى ثقافية دائمة، هناك تراجع في هذا المنحى، كما كانت الكويت سباقة في ذلك قبل عقود من الزمن».
بالمقابل، فإن مفرّح تعتبر محطات مرت بها الثقافة الكويتية خلال العام المنصرم، سببا في إبراز الجانب المشرق منها، مبينة أنه تفاقمت خلال العام الحالي، في معرض الكتاب، ظاهرتان سيئتان: أولهما، استشراء الرقابة المتعسفة واستهدافها لأعمال وكتب راقية وأغلبها سمح بعرضها في معارض الدول الخليجية الأخرى. أما الظاهرة الثانية وفق مفرّح، فهي ظهور نوع من الكتابات الجديدة الرديئة جدا «التي لا يمكنني وصفها بالروايات حتى وإن تساهل أصحابها في وضعها على رف الروايات».
وقالت مفرّح: «وعلى الرغم من أنني استأت جدا من هذه النوعية من الكتب إلا أنني ضد تفعيل مقص الرقيب تصديا لها وأدعو بدلا من ذلك إلى تعديل دور النقد والمساهمة في تعزيز دور القارئ في إهمالها».



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.