رغم تحركات أميركية ومصرية لافتة على خط التسوية السياسية للأزمة الليبية، فإن قوات حكومة «الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج أجرت مناورات بالذخيرة الحية في محيط مدينة سرت الاستراتيجية وسط البلاد، واتهمت «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر بـ«استمرار التحشيد العسكري لقواته وتعزيز مواقعها الموجودة» حول المدينة.
وتزامنت هذه التطورات مع احتقان جديد ومفاجئ شهدته طرابلس، إذ أكد سكان محليون وجود تجمع للميليشيات الموالية لحكومة «الوفاق» أمام مقرها في طريق السكة، بعد ساعات فقط من اجتياح مفاجئ قامت به أمس «كتيبة أسود تاجوراء» بدعم من «كتيبة رحبة الدروع»، وكلاهما من ميليشيات الحكومة، لمقر «كتيبة الضمان» والسيطرة عليه، وطرد عناصرها خارج منطقة تاجوراء بالضاحية الشرقية للمدينة.
ووسط صمت من حكومة «الوفاق» وبعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، اندلعت اشتباكات في الساعات الأولى من صباح أمس بين «الدروع» و«الضمان» في منطقة تاجوراء. كما شوهد رتل كبير يضم عدداً من السيارات المسلحة والمصفحة التابعة لميليشيات الردع في طريق الخدمات بمنطقة سوق الجمعة، متجهاً إلى وسـط طرابلس.
وقالت مصادر محلية وسكان في المنطقة إن ميليشيات «أسود تاجوراء» و«الدروع» سيطرت على كامل بلدية تاجوراء، بينما لجأت عناصر ميليشيا «الضمان» المحسوبة على وزارة الداخلية في حكومة «الوفاق» إلى مقر ميليشيا أخرى في منطقة عين زارة بجنوب المدينة، بعدما فقدت مقرها.
ولم ينفذ قرار أصدره وزير الدفاع في حكومة «الوفاق» صلاح النمروش بحل كتيبتي «الضمان» و«أسود تاجوراء» وإحالة قادتهما إلى التحقيق العسكري، عقب الاشتباكات الدامية التي شهدتها العاصمة بينهما مؤخراً، على خلفية نزاعات على مناطق النفوذ والسلطة. واكتفى آمر «كتيبة الضمان» علي آدريدر بتسليم نفسه إلى وزارة الداخلية التي رفضت تسليمه لوزارة الدفاع، في مؤشر على تصاعد الخلافات بين وزيري الداخلية والدفاع.
بدوره، أعلن النائب العام في طرابلس أنه قرر حبس وكيل وزارة المالية في حكومة «الوفاق» أبو بكر الجفال بتهمة إهدار المال العام وإساءة استعمال السلطة، بينما أحيل رئيس جهاز الحرس البلدي إلى التحقيق لتورطه في شبهة فساد، في إطار الحرب على الفساد التي طالت مؤخراً وزراء ومسؤولين حكوميين آخرين.
إلى ذلك، أعلنت قوات حكومة «الوفاق» المشاركة في غرفة عمليات تأمين وحماية سرت والجفرة أن منتسبي «كتائب درع مصراتة» للدبابات والحركة 36 والسرية 217 دبابات، نفذوا أمس ما وصفته بالمناورات المكثفة في منطقة عمليات سرت والجفرة، «استعداداً وتأهباً لأي مستجد خلال الفترة المقبلة».
وقال المتحدث باسم الغرفة، العميد الهادي دراه، إن حفتر «لا يزال يقوم بالتحشيد رغم إجراء حوارات سياسية في المغرب وسويسرا». وكرر في تصريحات تلفزيونية، مساء أول من أمس، مزاعم «هبوط طائرات شحن روسية تواصل جلب المرتزقة والذخائر إلى مطار القرضابية بسرت»، مشيراً إلى «تحليق طائرات حربية من طراز (ميغ 29) في سماء سرت والجفرة».
ومع أنه نفى أمس لوسائل إعلام محلية، أي وجود لقوات حفتر في منطقة الشويرف التي تبعد نحو 300 كيلومتر، جنوب غربي العاصمة، فقد زعم دراه في وقت سابق من مساء أول من أمس أن هناك تحشيداً لنحو 1000 آلية مسلحة، تضم من وصفهم بـ«مرتزقة لحفتر في منطقة الغيلانية» وسط ليبيا.
وكان دراه قد ادعى رصد هبوط طائرة شحن روسية «على متنها مرتزقة سوريون في مطار القرضابية» بسرت، لافتاً إلى «تحشيدات عسكرية» لقوات الجيش في منطقتي سرت والجفرة حيث لا يزال وقف إطلاق النار المعلن بين الطرفين منذ أغسطس (آب) الماضي صامداً، رغم الاتهامات المتبادلة للطرفين بالتحشيد العسكري.
وأظهرت لقطات مصورة طائرتين من طراز «ميغ 29» تابعتين لسلاح الجو في «الجيش الوطني» خلال مهمة استطلاع في سماء سرت.
في المقابل، كشفت مصادر في «الجيش الوطني» عن رصد تحركات وتجمع للميليشيات المسلحة التابعة لحكومة «الوفاق» والمرتزقة السوريين الموالين لتركيا في صفوفها، ضمن مواقعها في محاور شرق مدينة مصراتة بغرب البلاد.
وفى شأن متصل، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الليبي في مدينة مصراتة تسليم اثنين من الأتراك إلى القنصل التركي في المدينة بعدما «كانا عالقين بمنطقة النزاع المسلح» في سرت، مشيرة إلى أن عملية إخراجهما تمت إثر مفاوضات استمرت لأيام مع الجهات المعنية والوسطاء، بالتنسيق مع هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات التركية.
من جهته، بدأ السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند زيارة عمل إلى القاهرة، أمس، لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين المصريين بشأن اجتماع لجنة الحوار السياسي الليبي، بينهم نائب رئيس جهاز المخابرات العامة رئيس اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي اللواء أيمن بديع، لبحث مخرجات اجتماع الغردقة للعسكريين الليبيين.
وقال نورلاند، في بيان مقتضب وزّعته السفارة الأميركية، أمس، مرفقاً بصورة له مع مدير جهاز المخابرات الحربية المصري اللواء خالد مجاور، إنه سيواصل «المشاورات خلال هذه الزيارة»، معرباً عن شكره لمصر لاستضافتها «محادثات الغردقة الناجحة حول الأمن في ليبيا... وسنتبادل الآراء حول أفضل السبل لدعم منتدى الحوار السياسي الليبي».
وتأتي الزيارة وسط ترتيبات لاجتماع رفيع المستوى بين أطراف ليبية في مصر، بينها شخصيات عسكرية. ويرتقب وصول رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أيضاً للاجتماع مع نورلاند. واستبق صالح وصوله إلى القاهرة باجتماع مع وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة الموازية في شرق البلاد عبد الهادي الحويج الذي أطلعه على آخر الاستعدادات الجارية لمؤتمر سرت الثاني الذي يستهدف بدوره الدفع باتجاه الحل السياسي لإنهاء الأزمة وتفكيك الميليشيات.
وقالت مصادر في حكومة السراج إنه بدأ أمس أيضاً زيارة مفاجئة لم يسبق التنويه عنها إلى تركيا للاجتماع مع رئيسها رجب طيب إردوغان، في إطار «التشاور والتنسيق المستمر بين الطرفين»، بينما قالت وسائل إعلام تركية إن اللقاء لمناقشة «الترتيبات الجارية لتولي إدارة جديدة شؤون البلاد وتشكيل مجلس رئاسي جديد» بعد إعلان السراج أخيراً عزمه التنحي في حال توصل الحوار السياسي الليبي إلى اتفاق سلام.
وقال متحدث باسم الرئاسة التركية إن المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» يمكن أن يتحول إلى هيكل آخر جديد، لافتاً في تصريحات تلفزيونية إلى أن السراج لم ينفصل بعد عن رئاسة الحكومة، وأنه ينوي الاستقالة من منصبه أواخر الشهر الحالي كردّ فعل على بعض القضايا الخلافية في ليبيا، على حد تعبيره.
توتر في طرابلس... واتهامات بالحشد في سرت
اجتماع مرتقب لرئيس مجلس النواب مع السفير الأميركي في ليبيا
توتر في طرابلس... واتهامات بالحشد في سرت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة