أبرز محطات الحرب والسلام في السودان

احتفالات وكرنفالات شعبية صاحبت مراسم التوقيع (رويترز)
احتفالات وكرنفالات شعبية صاحبت مراسم التوقيع (رويترز)
TT

أبرز محطات الحرب والسلام في السودان

احتفالات وكرنفالات شعبية صاحبت مراسم التوقيع (رويترز)
احتفالات وكرنفالات شعبية صاحبت مراسم التوقيع (رويترز)

في عام 1955 نشبت الحرب الأهلية في السودان، بتمرد فرقة من أبناء الجنوب، في الجيش السوداني في منطقة توريت، بإقليم الاستوائية، وأطلقت على نفسها حركة «الأنانيا»، (الثعبان الأسود) وتمثلت مطالبهم في حكم فيدرالي في إطار السلطة الاتحادية.
في عام 1958 استولى الجيش السوداني، بقيادة الجنرال أبراهيم عبود، على السلطة، بانقلاب عسكري، أطاح بأول حكومة مدنية، جاءت بعد الاستقلال من الحكم البريطاني في الأول من يناير (كانون الثاني) عام 1956.
واصلت حكومة عبود، في الخيار العسكري لحسم التمرد في الجنوب، الذي بدأ يتنظم ويتنامى في مواجهة السلطة المركزية في الخرطوم، التي يسيطر عليها أبناء الشمال النيلي.
- انتفاضة أكتوبر 1964
في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1964 اندلعت ثورة شعبية، أطاحت بحكومة الفريق إبراهيم عبود، وكانت الحرب في جنوب السودان أحد محركات الاحتجاجات، بعد أن توصلت النخبة السياسية في الشمال إلى أن سياسات الحكم العسكري وسعت الهوة بين الجنوب والشمال.
في مارس (آذار) 1965 عقدت الحكومة الانتقالية في السودان بقيادة، سر الختم الخليفة، مؤتمر المائدة المستديرة، بين الشمال والجنوب لوضع حد للمشكل في الجنوب، إلا أن الجنوبين انقسموا ما بين مطالبين بالوحدة والانفصال، وآخرين بالحكم الذاتي في سودان فيدرالي موحد. لم يصل الحوار إلى نهاياته بسبب استقالة حكومة سر الختم الخليفة.
في مايو (أيار) 1969، انقض الجيش السوداني بقيادة العقيد جعفر محمد نميري، مرة أخرى على الحكومة الديمقراطية الثانية، واستولى على الحكم في البلاد. في ذلك الوقت بدأت تتعالى الأصوات المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال.
- اتفاق السلام 1972
في عام 1972 وقع (نميري) وقائد حركة أنانيا، جوزيف لاقو على اتفاق سلام بأديس أبابا، أتاح لأول مرة مشاركة حقيقية للجنوبيين في السلطة المركزية وحكم الجنوب.
أقرت اتفاقية أديس أبابا الحكم الذاتي للجنوب، وتقسيمه لثلاث ولايات، وبموجبها تم دمج قوات المتمردين الجنوبيين في الجيش السوداني.
نجحت الاتفاقية في إخماد الحرب لمدة 10 سنوات، وهي أطول فترة يشهد فيها السودان استقرارا أمنيا وسياسيا وبوادر تنمية متوازنة في جميع أقاليمه.
في عام 1982 ألغى جعفر نميري اتفاقية أديس أبابا، وأعاد تقسيم الجنوب إلى عدة ولايات، ونفضت قوات حركة (أنانيا) يدها من الاتفاقية، والعودة للتمرد وحمل السلاح في مواجهة الشمال.
- ظهور حركة قرنق
وبعد إعلان نميري قوانين الشريعة الإسلامية في كل البلاد عام 1983. ظهرت حركة تمرد جديدة تحت اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة، جون قرنق، انضمت لها أعداد كبيرة من قوات وقيادات الحركات الانفصالية بالجنوب ونخبة من أبناء الشمال.
في عام 1985 سقط نظام الرئيس، جعفر نميري، بانتفاضة شعبية عارمة، وبدأت السلطة الجديدة في البحث عن حلول للحرب في الجنوب التي اتسعت رقعتها لتشمل كل أنحاء الإقليم.
في عام 1986 فشل إعلان مدينة كوكادام الذي عقد في إثيوبيا بين القادة السياسيين في الشمال والحركة الشعبية لتحرير السودان، في التوصل إلى قواسم مشتركة. ورفض الشماليون مطالب (قرنق) بإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية والاتفاقيات العسكرية الموقعة بين السودان ومصر وليبيا.
وفي عام 1988 توصل رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، أحد الأحزاب الرئيسية، إلى اتفاق مع رئيس الحركة الشعبية جون قرنق، سميت بمبادرة (السلام السودانية)، اتفقا على وحدة السودان وتجميد قوانين الشريعة الإسلامية، رفضها رئيس الحكومة الصادق المهدي، بسبب الصراعات بين حزبي الأمة والاتحادي.
تجددت الحرب بشكل أكثر ضراوة في جنوب السودان، بعد وصول الإسلاميين للسلطة بانقلاب عسكري في عام 1989. خطط ودبر له زعيم الحركة الإسلامية، حسن عبد الله الترابي، ونفذه الرئيس المعزول، عمر البشير، الذي تسلم قيادة البلاد.
أخذت حرب الجنوب في عهد الإسلاميين أبعادا دينية، ما جلب عليها عداء الغرب الذي رمى بثقله في دعم الحركة الشعبية، بدافع الدفاع عن الاضطهاد الديني والعرقي الذي تمارسه سلطة الجبهة الإسلامية على الجنوبيين.
- حرب دارفور
في عام 2003 اندلعت الحرب في إقليم دارفور، وبرزت حركة تحرير السودان، التي كانت تضم مجموعات كبيرة من أبرز القبائل بالإقليم (الزغاوة، الفور، والمساليت)، وشهد النزاع بدارفور تدويلا، في وسائل الإعلام العالمية، بسبب الفظائع التي ارتكبها الجيش السوداني وميليشيات نظام الإسلاميين ضد المدنيين.
- توقيع السلام مع الجنوب والانفصال
وفي عام يناير 2005 أجبرت الضغوط الدولية والداخلية نظام الرئيس عمر البشير على توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، بالعاصمة الكينية نيروبي، منحت الاتفاقية الجنوبيين حق تقرير المصير بالوحدة أو الانفصال، وحكم الجنوب كاملا، إلى جانب المشاركة في حكم الشمال. ونصت الاتفاقية على تنظيم استفتاء للجنوبيين للاختيار بين البقاء في السودان الواحد، أو الانفصال.
وفي يوليو (تموز) (2005) وبعد أشهر من توقيع الاتفاقية، لقي الزعيم الجنوبي جون قرنق مصرعه في حادث سقوط طائرته، عندما كان عائدا إلى الخرطوم من رحلة من كمبالا بأوغندا، مما أثار شكوك الجنوبيين في أنه قد يكون تعرض لحادثة اغتيال. وبعد وفاة قرنق، تراجعت الحكومة عن تعهداتها بجعل الوحدة جاذبة وهو أحد شروط الاتفاقية. وفي 2010. تم تنظيم استفتاء لتقرير مصير الجنوب، اختار فيه الجنوبيون الانفصال عن السودان.
- اتفاقات دارفور
في عام 2011 وقعت حكومة الرئيس المعزول، اتفاق سلام الدوحة، مع عدد من المجموعات المنشقة في دارفور، لم تنجح الاتفاقية في إنهاء الحرب بالإقليم، بسبب مقاطعة الحركات الرئيسية الفاعلة على الأرض من المشاركة في مفاوضات الدوحة.
وصاحبت الحرب في دارفور، اتهامات وملاحقات من المحكمة الجنائية الدولية للرئيس المعزول، عمر البشر ومجموعة من أركان نظامه لارتكابه جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أدت إلى مقتل 300 ألف وقرابة 3 ملايين لاجئ ونازح داخل وخارج البلاد.
في ديسمبر (كانون الأول) اندلعت احتجاجات واسعة ضد نظام الرئيس، عمر البشير، انتهت بعزله من السلطة في أبريل (نيسان) 2019.
في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، انخرطت الحكومة الانتقالية في السودان، في مفاوضات مباشرة مع عدد من الحركات المسلحة في مناطق النزاعات بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، غابت عنها حركة تحرير السودان بقيادة، عبد الواحد النور المقيم بفرنسا، في وقت تتواصل المباحثات مع الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو لضمه لعملية السلام.
أفضت الاتفاقية التي وقعت في أغسطس (آب) الماضي، وجرى الاحتفال بتوقيعها النهائي أمس بعاصمة جنوب السودان (جوبا) على إشراك الحركات في هياكل السلطة الانتقالية (مجلسي السيادة والوزراء)، ونسبة مقدرة في البرلمان الانتقالي، بجانب حصة كبيرة من حكم الولايات.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».