انشغل الشاب الليبي محمد الرفادي بصيانة سيارة معطوبة، عثر عليها في حي الزهور بالعاصمة الليبية طرابلس بعد انتهاء الحرب هناك، مبرراً حيازته لها بأنه «ليست لها قيمة مقارنة بما يقع في يد باقي عناصر التشكيلات المسلحة»، كما أطلق عليهم.
ويُعرف الرفادي نفسه بأنه «مقاتل» شارك في صد «العدوان» على طرابلس خلال الحرب، التي دامت قرابة 13 شهراً، بين قوات «الوفاق» و«الجيش الوطني»، وخلفت قدراً كبيراً من المعدات والآليات العسكرية المعطلة في المناطق التي شهدت اشتباكات الجانبين. لكن سكان العاصمة يرون أن القدر الأكبر من المدفعية الثقيلة والدبابات، التي حصلت عليها عناصر الميلشيات، لا تزال تحت تصرفهم، وأنها ظهرت في الاشتباكات التي اندلعت بينهم مرتين في أسبوع واحد.
يقول الرفادي إنه لا يملك الآن عملا ينفق منه على أسرته، لكن فور انتهائه من صيانة السيارة سيتجول بها داخل أحياء العاصمة لنقل المواطنين، وما يحتاجون إليه من أمتعة بأجر، بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية.
ورصد شهود عيان تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» «عودة المجنزرات والمدفعية الثقيلة إلى شوارع العاصمة مرة ثانية خلال الاشتباكات الأخيرة»، وهي ذات الأسلحة التي قالوا إن هذه العناصر غنمتها من معركة طرابلس. يقول أحد مشايخ طرابلس: «الميلشيات هناك باتت تمتلك أسلحة متطورة، بعد أن تحصلت عليها خلال المعارك على طرابلس... وعناصر هذه المجموعات يلهون بمدافع الهاوزر التركية في الشوارع، ولا أحد يردعهم». من جهته، قال أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، الذي يقطن بالعاصمة: «طرابلس تضم حالياً أكثر من 60 مجموعة مسلحة، معظمها استرجع الزخم خلال الحرب التي اندلعت في الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019. واستفادت من الدعم بالأسلحة والذخائر، حتى باتت غنائم الحرب تملأ ثكناتها من جديد». مشيرا إلى أن هذه المجموعات المسلحة «تعاني من خلافات سابقة، وبمرور الوقت ربما تتجدد الاشتباكات في ظل عدم وجود خطة من وزارتي الدفاع والداخلية التابعتين لحكومة الوفاق».
وفي لحظة غضب بين الميلشيات المسلحة داخل مدينة جنزور في يوليو (تموز) الماضي، تم الاحتكام لترسانة الأسلحة المتوفرة تحت أيديهم، ما تسبب في مقتل تسعة أشخاص، في معركة تم فيها التمثيل بالجثث، وترويع المواطنين بدوي إطلاق النار الذي أعاد التوتر إلى العاصمة، وهو ما دفع البعثة الأممية إلى إدانة هذه الأعمال، التي وصفتها بـ«الطائشة».
وقال مسؤول عسكري سابق، يقطن بمدينة مصراتة، لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف المجموعات المسلحة، وخصوصاً في طرابلس المركز، تعيش حالة من الاستقواء وتصفية الحسابات القديمة فيما بينها»، ورأى أن الحل «يمكن في سحب أسلحتها، ودمجها في المجتمع سريعاً، واقتصار تواجد السلاح مع القوات المنظمة».
وبعد تجدد الاشتباكات بين الميلشيات المسلحة الجمعة الماضي في محيط معسكر (7 أبريل) جنوب غربي طرابلس، بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، تساءل محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام، قائلاً: «متى ينتفض المدنيون لرفض هذا العبث ولفرض عاصمة الوطن مدينة للسلام لا للسلاح؟». ودافعت حكومة «الوفاق» عن موقفها في مواجهة اتهامها بالتستر على جرائم الميليشيات، وقالت إنها تحركت فور اندلاع اشتباكات تاجوراء (شرق العاصمة) الأسبوع الماضي، وحلت كتيبتي «الضمان» و«أسود تاجوراء»، متوعدة بأنها لن تتوانى عن معاقبة أي عنصر أو مجموعة تثير القلاقل في الشارع مرة ثانية.
وتظاهر المئات من مواطني تاجوراء ضد من أسموهم بـ«الخارجين عن القانون والمرتكبين للأعمال الإجرامية»، في رد على الاشتباكات التي قتل فيها عدد من مواطني البلدة. فيما تجددت دعوات البعثة الأممية بضرورة تفكيك سلاح الميلشيات، ودمج عناصرها في مؤسسات الدولة، لكن هذا المقترح الذي عمل عليه غسان سلامة، المبعوث السابق، تعطل بعد إنجاز قدر منه.
ويعد سلاح الميليشيات من أهم المعوقات التي تعانيها ليبيا، في ظل توفره بكثرة في يد القبائل والمواطنين. وسبق للأمم المتحدة القول في تقرير لها إن ليبيا «تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة»، لكن هناك من يرى أن هذه الأزمة زادت بعدما دفعت تركيا بأسلحة وآليات عسكرية إلى غرب ليبيا، تسببت في وقت سابق بنشوب خلاف دموي بين الميليشيات المسلحة في مدينة الزاوية (غرب العاصمة)، وذلك بسبب الصراع على تقاسم صفقة مدرعات، منحتها أنقرة إلى المجلس الرئاسي، ما خلف مقتل مسلحين، ووضع المدينة رهناً للتوتر واندلاع معارك جانبية مدة يومين.
«غنائم الحرب»... وقود تحت الطلب لتغوّل ميليشيات طرابلس
«غنائم الحرب»... وقود تحت الطلب لتغوّل ميليشيات طرابلس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة