إنجازات بالجملة.. ورام الله تنافس كبرى العواصم

عام السينما والمعارض الفنية وأمسيات متحف درويش ورحيل صاحب «منتصب القامة»

مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية
مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية
TT

إنجازات بالجملة.. ورام الله تنافس كبرى العواصم

مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية
مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية

يمكن القول من دون تردد، إن متحف محمود درويش كرّس نفسه خلال عام 2014، مركزا ثقافيا فنيا بات الأكثر حضورا في فلسطين على مختلف الأصعدة. فقد استضاف المتحف، في إطار مشروعه «في حضرة درويش»، كثيرا من الكتاب والروائيين والشعراء والأدباء العرب، من بينهم الروائي الكويتي سعود السنعوسي، الفائز بجائزة البوكر العربية لعام 2013. عن روايته «ساق البامبو»، والشاعر العراقي عدنان الصائغ، والروائية الكويتية ليلى العثمان، والكاتب والشاعر الفلسطيني إبراهيم جابر إبراهيم، والكاتب والروائي الفلسطيني يحيى يخلف، والأديب والروائي الأردني مفلح العدوان، والشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد، بينما تعذر حضور الروائي السعودي عبده خال، وكان مقررا في الـ23 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
من داخل قاعة الجليل في المتحف، أطلق كثير من الكتب والروايات ودواوين الشعر، أبرزها المجموعة الشعرية لغسان زقطان «لا شامة تدل أمي عليّ»، وكتاب «وديع حداد» لبسام أبو شريف، ورواية «الشيخ ريحان» لأحمد غنيم، ورواية «ما وراء الجسد» لميرفت مصلح، وديوان «فوق عنق الغزال» للشاعر عامر بدران، وكتاب «محمود درويش في حكايات شخصية» لنبيل عمرو، وديوان «كشتبان» لزكريا محمد، وديوان «حين سار الغريب على الماء» لإيهاب بسيسو، وغيرها الكثير، علاوة على احتضان العشرات من الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والثقافية ومعارض الفن التشكيلي والأمسيات الموسيقية والغنائية والمسرحيات، وفي إطار مشروع «الأربعا سينما»، وينفذه المتحف بالتعاون مع «Shayeb Group»، استضافت القاعة ذاتها أكثر من 50 عرضا سينمائيا جلها أفلام روائية من مختلف دول العالم، ومن بينها أفلام فلسطينية عُرضت لأول مرة، وبعضها بحضور مخرجيها، كأفلام «غزة تنادي» لناهد عواد، و«نهر البارد يروي» لساندرا ماضي، وفيلم «آخر الأيام في القدس» لتوفيق أبو وائل، وفيلم «لما شفتك» لأن ماري جاسر، إضافة إلى عرض الفيلم الأميركي «12 سنة عبودية» الفائز بالأوسكار، والفيلم الإيطالي «الجمال العظيم» الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، والأفلام التي كانت مرشحة للأوسكار، ونخبة من الأفلام من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية بحيث تمثل القارات كافة.

* قلنديا الدولي

* وكان من أبرز الفعاليات الفنية في فلسطين خلال العام الحالي، برنامج «قلنديا الدولي الثاني»، بمشاركة 13 مؤسسة ثقافية و100 فنان فلسطيني وعالمي، وتواصلت فعالياته منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) وحتى منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، وانتظم المهرجان في أنحاء مختلفة من فلسطين التاريخية بما فيها القدس، وغزة، ورام الله، وحيفا، والخليل، وطولكرم، وبيت لحم، ونابلس، وقلنديا وغيرها، من خلال سلسلة من المعارض الفنية، وعروض الأداء، والحوارات والجولات في الفضاءات العامة. وشمل برنامج «قلنديا الدولي 2014». مجموعة من المعارض التي سيتم افتتاحها على مدار أسبوع تستكشف معظمها موضوع الأرشيفات، ومن أبرزها معرض«غزة 87» لمجموعة التقاء وشبابيك للفن المعاصر، الذي يُنظم في غزة ويشارك فيه 10 فنانين يتناولون انتفاضة عام 1987. في محاولة لإلقاء الضوء على أرشيف غير موثق حول الحياة اليومية في غزة أثناء الانتفاضة.
وشارك المتحف الفلسطيني للمرة الأولى في هذه التظاهرة، من خلال معرضه «مقدمة في المتاحف الفلسطينية» في مركز بلدية البيرة الثقافي، الذي يلقي الضوء على المتاحف في فلسطين، ومساهمتها في حفظ الأرشيف، وتعزيز الهوية الوطنية. والمعرض نتاج تعاون مشترك ما بين 39 متحفا على امتداد فلسطين. ومن جهة أخرى، أطلقت مؤسسة عبد المحسن القطان، معرض مسابقة الفنان الشاب لعام 2014 (اليايا) في قاعة مسرح بلدية رام الله، تحت عنوان «شهادات معلقة»، شارك فيه أعمال 9 فنانين شباب اجتازوا المرحلة النهائية للمسابقة. واستند المعرض إلى مفهوم «التأريخ الذاتي والمنهجية الأرشيفية» الذي وضعته القائمة على المعرض فيفيانا كيكيا، الذي يهدف إعادة كتابة التاريخ الذي تم نسيانه، أو استبعاده، وتقديم الحلقات المفقودة من الصورة.
واعتبرت مشاركة «مشاريع من راسي» في متحف «أدوات ترد الغياب» بمركز خليل السكاكيني الثقافي، أول مشاركة لمشروع فلسطيني من الشتات في قلنديا الدولي. ويقدم المشروع الذي تنسقه القائمة عليه آلاء يونس، عددا من المعارض يتمحور موضوعها حول تاريخ الفلسطينيين في الكويت، وتشمل عرضا أدائيا، وزيارة للمرة الأولى لمجموعة من الفنانين الكويتيين إلى فلسطين.
وفي القدس، نظمت مؤسسة المعمل معرض «على أبواب الجنة» السابع تحت عنوان «تصدعات»، ونسقته الفنانة باساك سينوفا، وهو سلسلة معارض تحاول الكشف عن كثير من الأحداث والظروف في سياقات زمنية متعددة ومعالجتها، متخذة من مدينة القدس نقطة انطلاق. وشمل قلنديا الدولي جولة تنظمها مؤسسة رواق للمعمار الشعبي إلى الخليل، ويطا، والظاهرية، تتخللها عروض أداء ومعارض تتضمن التعريف بأرشيف العمارة الفلسطينية في هذه البلدات.
كذلك يشهد قلنديا الدولي افتتاح معرض «تصاميم من فلسطين» في الأكاديمية الدولية للفنون - فلسطين في البيرة، وهو نتاج مشروع مشترك ما بين مصممين وفنانين فلسطينيين وعالميين بالاشتراك مع حرفيين، فيما شاركت بلدية رام الله في سلسلة من المعارض والعروض الأدائية والتدخلات في الفضاء العام، تحت عنوان «خارج الأرشيف»، متخذة من أرشيف بلدية رام الله محور استلهامها.
وتحولت شوارع مدينة رام الله في 29 من أكتوبر (تشرين الأول) إلى انتفاضة فنية، حيث ينطلق موكب لإحياء ذكرى انتفاضة عام 1987 بهدف استعادة صورة الانتفاضة التي اختفت من الذاكرة، ولا يعرف عنها الجيل الجديد إلا القليل.
وأطلق قلنديا الدولي للمرة الأولى، مجموعة من الندوات، تحت عنوان «لقاءات قلنديا»، التي تخصص هذا العام لنقاش موضوع الأرشيف في فلسطين، وستستمر على مدى 3 أيام في مركز بلدية البيرة الثقافي، وتتناول مواضيع متعددة بحضور فنانين ونقاد من فلسطين ومن العالم.

* فعاليات بالجملة.. وسينما

* وجاءت تلك التظاهرة في الوقت الذي نظمت فيه غالبية المؤسسات الثقافية والفنية الفلسطينية على مدار العام، فعاليات أسبوعية وشهرية، خاصة في رام الله، التي بات البعض يرى أنها هي من صارت تستحق لقب باريس الشرق. فالفعاليات شبه اليومية، التي لا تخلو من عمق في مجملها، تارة في هذا المسرح أو السينما أو المركز الثقافي ما بين الحداثة والفلكلور، وسلسلة المهرجانات الصيفية التي حالت الحرب على غزة دون انتظامها جميعها، تجعل من رام الله عاصمة ثقافية عربية بامتياز تضاهي بيروت والقاهرة إن لم تتفوق عليهما، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار المساحة الجغرافية الصغيرة للمدينة، وعدد سكانها الذي لا يتجاوز الـ50 ألفا.
وكان للسينما الفلسطينية خلال العام الحالي حضورها الخاص والطاغي، بدءا من وصولها إلى المنافسات النهائية لجائزة أفضل أوسكار للفيلم الأجنبي، عبر فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي حصد من خلال الفيلم، عشرات الجوائز الدولية والعربية، وأفلام أخرى متعددة كـ«عيون الحرامية» لنجوى نجار، و«فلسطين استيريو» لرشيد مشهراوي، و«المطلوبون 18» لعامر شوملي، و«روشيما» لسليم أبو جبل، وغيرها، في حين كان الحضور المسرحي على صعيد العروض والمشاركات والجوائز، رغم تحققها، خجولا إلى حد ما، باستثناء الإنتاجات المهمة للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس بشكل أساسي.

* خسارة صاحب «منتصب القامة»

* وكان لرحيل الشاعر سميح القاسم، صاحب «منتصب القامة»، حضوره الطاغي والحزين في آن؛ هو الذي كتب في مرافعته الأخيرة، التي خطها بيده قبل رحيله بأيام، ونشرت كصورة على صفحته في موقع التواصل «فيسبوك»، قبل أن يخطفه الموت، وبعد أن تدهورت حالته الصحية جراء معاناته مع مرض السرطان: «أنا لا أحبك يا موت، لكنني لا أخافك.. أدرك أنك سرير لجسمي وروحي لحافك.. وأدرك أنّى تضيق علي ضفافك.. أنا لا أحبك يا موت، لكنني لا أخافك».
وتوالت ردود الفعل الفلسطينية والعربية، السياسية منها والثقافية والفنية، في نعي صاحب «تقدموا»، وغيرها كثير من القصائد الخالدات، فيما انتشرت الومضات على مواقع التواصل الاجتماعي لتستعيد أغنياته وتربطها بالأحداث الجارية وقتها، خاصة الحرب على غزة، ولتستذكر الشاعر الراحل محمود درويش، وما شكله الشاعران من ثنائية حرست الوحدة الثقافية الفلسطينية، ووحدة المصير بين «شقّي البرتقالة».
وقال وزير الثقافة الفلسطيني زياد أبو عمرو: «كان القاسم مخلصا لعروبته ولقضيته ولشعبه ولقصيدته المقاومة»، مضيفا: «مهما تحدثنا عن القاسم وعن شخصيته، فلن نستطيع أن نفيه حقه، فهو الرمز الذي امتلك خصوصيته في عالم الشعر والأدب والنضال الفلسطيني والعالمي، كافح وناضل عبر مسيرته بقلمه وفكره وحياته من أجل خدمة القضية الفلسطينية.. إن رحيل القاسم خسارة كبيرة للأدب الفلسطيني، وعزاؤنا في موروثه الفكري والشعري الذي تربت عليه الأجيال وكبرت، وحفظته نشيدا وطنيا عاليا، ورددته في كل مكان على وجه الأرض».
وقال الوزير الفلسطيني الأسبق الروائي يحيى يخلف: «سميح اختار منذ أكثر من 10 أعوام مكان دفنه وضريحه. اختار أرضا على تلة قريبة من بيته، وعدها لتكون قبره وحديقته، يطل منها على سهول فلسطين وتلالها وطبيعتها الساحرة التي خلقها الله منذ الأزل.. رحل سميح القاسم بعد حياة حافلة بالشعر والكفاح وحب الوطن وحب الحياة، وعلى خطى نبضات ودقات قلب الأرض مشى في دروب الحرية، ونثر على الطريق صرخته وناره ورسائل عشقه وصدى غضبه واشتباكه مع المحتل مقرنا الكلمة بالممارسة، رابطا القول بالعمل، والإبداع بالفعل، محملا الكلمة بأكثر مما تحتمل الحروف. أخيرا، احتفى الفلسطينيون في أراضي 48 والضفة الغربية بوصول المتسابق هيثم خلايلة إلى نهائيات برنامج «أراب آيدول» للمواهب الغنائية، واستقبل الرئيس الفلسطيني خلايلة وهنأه على إنجازه الذي أفرح الفلسطينيين رغم عدم تتويجه «أراب آيدول» للعام الحالي.



النوبلية هان كانغ تطرح أسئلة لا نريد التفكير فيها

 هان كانغ
هان كانغ
TT

النوبلية هان كانغ تطرح أسئلة لا نريد التفكير فيها

 هان كانغ
هان كانغ

في أغسطس (آب) الماضي، نشرت آن رايس دعوة للتمرد على تطبيق التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تحذّر فيها من أن الصوابية السياسية (مصطلح يُستخدَم لوصف اللغة أو السياسات أو الإجراءات التي تهدف إلى تجنب الإساءة أو الحرمان لأفراد مجموعات معينة في المجتمع) ستجلب نهاية العالم الأدبي: حظر الكتب، والقضاء على المؤلفين، فضلاً عن أنها ستدخلنا في عصر جديد من الرقابة، وأعلنت رايس: «يتعين علينا أن ندافع عن الخيال باعتباره مساحة يمكن فيها استكشاف السلوكيات والأفكار المخالفة للقواعد»، وأضافت: «أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون على استعداد للدفاع عن كل الذين يتعرضون للازدراء».

غلاف الترجمة الإنجليزية للرواية

وباعتباري من محبي الأدب «المخالف للقواعد»، فإنني لم أستطع تحديد سبب شعوري بأن منشورها كان أكثر إزعاجاً من صرخات المعركة المعتادة التي يُطلقها المصابون بالجنون من الصوابية السياسية، لكنني وجدت أخيراً الإجابة بعد قراءة رواية الكاتبة هان كانغ - نوبل للآداب، 2024-: «النباتية»، وهي: ماذا لو كان هؤلاء الذين يتم ازدراؤهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم؟

إن كل التحذيرات الموجودة على الأرض لا يمكنها أن تُعِدّ القارئ للصدمات التي سيتعرض لها عند قراءة هذه الرواية التي تُعَدّ أول عمل مُترجَم لهذه الكاتبة الكورية في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.

ففي البداية، قد تنظر إلى العنوان وتقرأ الجملة الأولى في الرواية التي تقول فيها الكاتبة: «قبل أن تتحول زوجتي نباتية، كنت أعتقد أنها شخص عادي تماماً في كل شيء»؛ إذ يبدو أن الزوج يعتقد أن الخطر الأكبر يتمثل في التحول إلى النظام الغذائي النباتي، لكن لا توجد نهاية للأهوال التي تتردد داخل هذه الرواية التي تؤكد على فكرة الموت بشكل رائع.

عندما استيقظت يونغ - هي (بطلة الرواية) ذات صباح من أحلام مضطربة، وجدت نفسها قد تحولت نباتية مروعة؛ إذ إن رواية هان القصيرة، المكونة من ثلاثة أجزاء، تتنقل بين الإثارة المنزلية والتحول والتأمل في حب النباتات، كما أنها تُروى من وجهات نظر زوجها، الذي يعمل في مكتب (وهو ما يظهر في الجزء الأول)، وصهرها المهووس، وهو فنان (يظهر في الجزء الثاني)، وشقيقتها الكبرى المثقلة بالأعباء، والتي تدير متجراً لمستحضرات التجميل (تظهر في الجزء الثالث).

وتتحدد هوية هذه الشخصيات الثلاث إلى حد كبير من خلال ما يفعلونه لكسب العيش، وفي حين توقفت يونغ - هي عن القيام بأي شيء تقريباً، فإنها تقول في إحدى لحظاتها النادرة من الحوار المباشر: «كان لدي حلم»، وهو تفسيرها الوحيد لتحولها إلى نظام أكل الخضراوات الذي اكتشفته حديثاً.

في البداية، قوبلت يونغ - هي بازدراء عابر من قِبل العائلة والأصدقاء؛ إذ صرَح أحد أصدقائها على العشاء بشكل عدواني قائلاً: «أكره أن أشارك وجبة مع شخص يعتبر أكل اللحوم أمراً مثيراً للاشمئزاز، لمجرد أن هذا هو شعوره الشخصي... ألا توافقني الرأي؟».

وسرعان ما يخلق شكل يونغ - هي الجسدي الآثار السلبية للغاية التي يخشاها المقربون منها: فقدان الوزن، والأرق، وانخفاض الرغبة الجنسية، والتخلي في نهاية المطاف عن تفاصيل الحياة «المتحضرة» اليومية.

إن هذه الرواية مليئة بكل أنواع التغذية القسرية والاعتداءات الجنسية واضطرابات الأكل، لكن هذه الأمور لا يتم ذكرها بالاسم في عالم هان، غير أن الأمر يظهر في الأحداث، فالتجمع العائلي الذي تتعرَّض فيه يونغ - هي للهجوم من قِبل والدها بسبب أكل اللحوم يتحول دوامة من الأذى الذاتي، ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي ينتهك فيها رجل (أو هي نفسها) جسدها، لكن انتهاك العقل هو قضية مختلفة.

وتحتاج رواية «النباتية» إلى كل هذا العنف؛ لأنه يرتبط في عالم الكاتبة بالاحتياجات الجسدية: أكل اللحوم، وممارسة الجنس، أو حتى رعاية الآخرين، لكن التدخل الخارجي، من جانب العائلة والأصدقاء والأطباء، يعمل على تعديل واقع هذه الرواية، إلا أن جهودهم في النهاية تبدو ضعيفة مثل إنقاذ آن رايس لـ«المُحتقَرين».

إذن، مَن هو الضحية هنا؟

في هذه الرواية، نشاهد مقاطع قصيرة مكتوبة بخط مائل تصف أفكار يونغ - هي، والتي تتضمن مونولوجات داخلية تشبه المذكرات اليومية؛ إذ يبدأ أحد المقاطع بالقول: «لا أستطيع أن أثق إلا في صدري الآن، أنا أحب صدري، فلا يمكن قتل أي شيء بواسطته، لكن اليد والقدم واللسان والنظرة، كلها أسلحة غير آمنة»، ثم تدخل في إدراك مفاجئ بأن شكلها القديم بات يتلاشى، وتتساءل: «لماذا أتغير هكذا؟ لماذا باتت أظافري حادة بهذا الشكل؟ ما الذي سأخدشه؟».

وفي بعض الأوقات، تحتاج لغة الدمار إلى تفاصيل حسية فقط مثل طائر يحتضر مختبئاً بداخل قبضة مشدودة، أو كيس نصف ممتلئ بالدم، أو زهور مرسومة على جسد عارٍ، أو رائحة لحم مشوي لا تُحتمَل.

وكانت رواية «النباتية»، التي نُشرت في كوريا الجنوبية عام 2007، وهي مستوحاة من قصة قصيرة للمؤلفة بعنوان «ثمرة امرأتي»، هي أول أعمال هان التي ستتحول فيلماً روائياً طويلاً (وقد صدر فيلم ثانٍ، مقتبس من قصة قصيرة أخرى، في عام 2011).

وتم الاحتفاء بالرواية باعتبارها «ذات رؤيا»، كما أنها نُشرَت في جميع أنحاء العالم، وكان حماس مترجمتها، ديبوراه سميث، هو الذي ساعد على تقديم «النباتية» إلى دور النشر في بريطانيا والولايات المتحدة. وقد تعلمت سميث اللغة الكورية منذ نحو ست سنوات فقط، وأتقنتها من خلال عملية ترجمة هذا الكتاب.

وتكمن الخطورة هنا في التركيز فقط على الجوانب الإثنوغرافية والاجتماعية، ففي بريطانيا، ظهرت رواية «النباتية» في قائمة أفضل الكتب مبيعاً في مؤسسة «ذا إيفيننج ستاندارد»، وقد حاول النقاد فهم مدى غرابة الرواية من خلال نسب ما فيها إلى الثقافة في كوريا الجنوبية.

وحاول النقاد البريطانيون التأكيد على أن اتباع النظام النباتي يعد أمراً مستحيلاً في كوريا الجنوبية، كما أنه من منظور النسوية الغربية المعاصرة يجب إدانة الرواية باعتبارها تجربة في «إذلال المرأة» أو «تعذيبها»، فهناك عالم كامل من الأدب خارج الدول الغربية لا يتناسب مع أسواقنا أو اتجاهاتنا.

ونجد أن تناول هان الرائع للاختيارات الشخصية والخضوع يتجلى في هذه الرواية، كما أن هناك شيئاً مميزاً آخر يتعلق بالأشكال الأدبية القصيرة، فهذه الرواية أقل من 200 صفحة.

وترتبط رواية «النباتية» بأعمال أدبية صغيرة متنوعة أخرى، مثل رواية «أقارب الدم» لسيردوين دوفي الصادرة عام 2007، ورواية «Bartleby, the Scrivener» لميلفي، فضلاً عن رواية الرعب الرائعة «البومة العمياء» للمؤلف الإيراني صادق هدايت الصادرة عام 1937 (كان هدايت نفسه نباتياً، وهناك مشاهد تظهر بانتظام في الرواية تتضمن المناظر التي يراها في كوابيسه، حيث يتم التعامل مع قتل الحيوانات باعتباره سبباً للجنون)، لكن في النهاية، كيف يمكن ألا نتذكر كافكا في وسط كل ذلك؟ فربما يكون كافكا النباتي الأكثر شهرة في تاريخ الأدب، ويبدو أنه تحدث ذات مرة إلى سمكة في حوض سمك قائلاً: «الآن أخيراً يمكنني أن أنظر إليك في سلام، لن آكلك بعد الآن».

ولكن قصة هان كانغ ليست قصة تحذيرية لآكلي اللحوم، وذلك بالنظر إلى أن رحلة يونغ - هي النباتية كانت بعيدة كل البُعد عن التوصل للسعادة؛ فالامتناع عن أكل الكائنات الحية لا يقود إلى التنوير، ومع انصراف يونغ - هي أكثر فأكثر عن الحياة، فإن مؤلفة الرواية تجعلنا نكافح للعثور على إجابة للسؤال عما إذا كان يتعين علينا أن نشجع بطلنا على البقاء أو الموت.

ومع هذا السؤال يأتي سؤال آخر، وهو السؤال النهائي الذي لا نريد أبداً التفكير فيه؛ إذ تسأل يونغ - هي في نهاية أحد أجزاء الرواية قائلة: «لماذا يعد الموت أمراً سيئاً إلى هذا الحد؟».

* خدمة «نيويورك تايمز». وبوروشيستا خاكبور هي مؤلفة أميركية - إيرانية ولها روايتان: «الأبناء والأشياء الأخرى القابلة للاشتعال» و«الوهم الأخير»