أدباء وكتاب فلسطينيون.. ينحازون للرواية

الناقد حسن خضر و الروائي محمود شقير و القاص زياد خداش
الناقد حسن خضر و الروائي محمود شقير و القاص زياد خداش
TT

أدباء وكتاب فلسطينيون.. ينحازون للرواية

الناقد حسن خضر و الروائي محمود شقير و القاص زياد خداش
الناقد حسن خضر و الروائي محمود شقير و القاص زياد خداش

كيف بدت علاقة الفلسطينيين بالكتاب خلال عام 2014؟ «الشرق الأوسط» سألت 5 من الكتاب البارزين حول قراءاتهم والكتاب الذي استوقف كلا منهم، وكانت هذه الإجابات:

* الناقد حسن خضر

* قرأت عشرات الكتب الصادرة بالعربية والإنجليزية عام 2014 على مدار هذا العام، برأيي كان أبرزها في مجال السياسة والدراسات ذات العلاقة بالشرق الأوسط والعالم، منها كتاب فرنسيس فوكوياما الجديد «نظرة إلى الوراء»، وكتاب جديد لهنري كيسنجر بعنوان «النظام العالمي»، وعلى صعيد الأدب لفتتني روايتان للفرنسي باتريك موديانو الفائز بجائزة نوبل للأدب لعام 2014.
الكتاب الأفضل مما قرأته هذا العام، كان كتاب «من داخل الجماعة» لحازم قنديل، وهو صادر بالإنجليزية حديثا، ويتناول بالتحليل العميق جدلية الإخوان المسلمين والحكم؛ لأنه محاولة نقدية لقراءة الجماعة من الداخل، وفهم لماذا فشلت في الحكم معتمدا الدراسة المعمقة في المبررات الداخلية السياسية والآيديولوجية والتنظيمية التي لم تجعلها مؤهلة لتحكم. هذا الكتاب لقنديل الباحث في علم الاجتماع السياسي، يختلف عن غيره من الكتب في أنه أكثر انضباطا من الناحية العلمية الأكاديمية، وأقل ميلا إلى نظريات المؤامرة، فكان أن دلل على قصور هذه الجماعة، وعدم صلاحيتها للحكم، والتطرق أيضا إلى نواياها غير الديمقراطية بالاستناد إلى تحليل نصوصها، خاصة أنه درس أدبيات الجماعة، وبيَّن فيما بينه معاداتها لفكرة الثقافة، وأن ما يقرأه أعضاء الإخوان المسلمين محدود للغاية، ولا يخرج عن المنهج المقرر عليهم من قبل الجماعة، حيث قائمة الممنوعات في قراءة الكتب تتسع يوما بعد يوم.

* الروائي والقاص محمود شقير

* قرأت الكثير في هذا العام، ومما علق في ذهني رواية «شرفة الهاوية» لإبراهيم نصر الله، ورواية «غريق النهر» لجمال ناجي، و«ساق البامبو» للروائي الكويتي سعود السنعوسي، كما قرأت رواية بالإنجليزية للروائي الياباني هاروكي موراكامي تحت عنوان «ما بعد الظلام».
لكن الكتاب الأفضل برأيي فيما قرأت، رواية الأفغاني خالد حسيني «ألف شمس مشرقة»، فهو يتعرض فيها لمشكلات أفغانستان في السنوات الـ30 الأخيرة من خلال مأساة امرأتين أفغانيتين، فهو يمزج الخاص بالعام، ويحاول أن ينفذ إلى مأساة الشعب الأفغاني في العصر الحديث، من خلال بحثه الدؤوب عن الهوية والاستقرار والأمن والأمان. وهي رواية مكتوبة بأسلوب جميل فيه الكثير من التشويق، ودون تعقيد في السرد، عبر طرح حكايات لنماذج إنسانية مدهشة تجعل القارئ ينحاز إليها رغما عنه، فكانت رواية «ألف شمس مشرقة» فرصة لرؤية أفغانستان من جوانب مشرقة، من خلال انحياز الروائي لهموم البيئة المحلية وخلطها بعبقرية بالهم الإنساني العام، فتصبح أفغانية ذات صبغة عالمية تمس كل من يقرأها.

* القاص زياد خداش

* قرأت الكثير من الكتب والروايات والمجموعات الشعرية في عام 2014، وعلق في ذهني منها مجموعة «لا شامة تدل أمي عليّ» للشاعر غسان زقطان، ورواية «ساعي البريد» لبوكفسكي، ورواية «أناشيد مالدورور» ليتريامون، ورواية «لائحة رغباتي» للفرنسي غريغوار دولاكور.
الأفضل مما قرأت في عام 2014، وفق رأيي، رواية «أوروفوار عكا» للروائي الفلسطيني علاء حليحل، مع رواية علاء وروايات قليلة عربية كسرت عادة منيعة داخلي أو قناعة قوية بلا جدوى الأدب الروائي العربي، كنت فاقدا الثقة بالحس الاتتهاكي والمختلف والتفجيري والحديث للأدب الروائي العربي، وكان لدي شبه إيمان صلب بفقدان الروائي العربي حياة مجنونة وتجارب حياتية عميقة تكون أساسا أو مفجرا أو ملهما لأدبه.. رأيت هذا التلازم بين التجارب والكتابة في الرواية الأوروبية، ولم أحس به في تجاربنا العربية.. مع علاء حليحل أخيرا وقعت أسيرا لإدارته الفنية العميقة.. سحرتني بشرية أبطال «أوروفوار عكا»، وتعامل الروائي بمنطق فني إنساني وغير شعاراتي مع الصراع في الرواية.

* الشاعر وليد الشيخ

* قرأت كتبا كثيرة على مدار العام، أكثرها روايات، وخاصة تلك التي ترشحت لجائزة البوكر بنسختها العربية للقائمتين الطويلة والقصيرة، ولفتتني الرواية الفائزة «فرانكشتاين في بغداد» للروائي العراقي أحمد سعداوي، وأعتقد أنها ضرورة للمكتبة العربية، وهي بمثابة صرخة ثقافية مدوية على الوضع في العراق، وكذلك رواية «لائحة رغباتي» للفرنسي غريغوار دولاكور، ورواية «الباب الضيق» للفرنسي أندريه جيد أيضا.
الأفضل مما قرأت في عام 2014، برأيي كان الياباني هاروكي موراكامي، وخاصة روايته «كافكا على الشاطئ»؛ كونها أثارت داخلي الكثير من الأسئلة غير البسيطة والمتشعبة في آن، خاصة أن عوالم اليابانيين عوالم مختلفة بشكل كبير تجعلك تفكر بالأشياء بطريقة مغايرة، خاصة أنها كتابة مثقفة رفيعة المستوى، وفي هذه الرواية بالتحديد خلط ما بين السحر والواقع بطريقة جميلة. ما لفتني أن إحالاته الثقافية في الرواية كانت تتجه نحو الغرب من موسيقى وغيرها دون أن تغيب الروح اليابانية الحاضرة، إضافة إلى أنها تتيح مساحة للقارئ للتجول في عوالمها المواربة، هي الرواية التي تقدم له وجبة راقية عن تاريخ اليابان وأساطيره وعوالمه، إضافة إلى ملامستها لحقول الحرام في الكتابة، إن جاز التعبير.

* الممثل والمخرج المسرحي إدوار معلم

* قرأت عدة كتب هذا العام، مجملها روايات عربية لكتاب من عدة دول، إضافة إلى كتب عربية وعالمية في المسرح، وفي مجالات ثقافية وفنية متعددة. أما الأفضل من بين ما قرأت، وهذا رأي شخصي بطبيعة الحال، فما يعجبني ليس بالضرورة يعجب غيري، والعكس صحيح، رواية «ظل الأفعى» للروائي المصري يوسف زيدان؛ كونها رواية رشيقة على صعيد اللغة والسرد وتسلسل الأحداث وحتى تركيب الشخصيات، إضافة إلى ما تنضوي عليه من إبداع فني رفيع المستوى على صعيد البنية والدراما في الرواية، إضافة إلى ثرائها وغناها على الصعيد المعلوماتي، والأهم برأيي ما تثيره في دواخل القارئ من أسئلة متشعبة وفي غاية الأهمية.



النوبلية هان كانغ تطرح أسئلة لا نريد التفكير فيها

 هان كانغ
هان كانغ
TT

النوبلية هان كانغ تطرح أسئلة لا نريد التفكير فيها

 هان كانغ
هان كانغ

في أغسطس (آب) الماضي، نشرت آن رايس دعوة للتمرد على تطبيق التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تحذّر فيها من أن الصوابية السياسية (مصطلح يُستخدَم لوصف اللغة أو السياسات أو الإجراءات التي تهدف إلى تجنب الإساءة أو الحرمان لأفراد مجموعات معينة في المجتمع) ستجلب نهاية العالم الأدبي: حظر الكتب، والقضاء على المؤلفين، فضلاً عن أنها ستدخلنا في عصر جديد من الرقابة، وأعلنت رايس: «يتعين علينا أن ندافع عن الخيال باعتباره مساحة يمكن فيها استكشاف السلوكيات والأفكار المخالفة للقواعد»، وأضافت: «أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون على استعداد للدفاع عن كل الذين يتعرضون للازدراء».

غلاف الترجمة الإنجليزية للرواية

وباعتباري من محبي الأدب «المخالف للقواعد»، فإنني لم أستطع تحديد سبب شعوري بأن منشورها كان أكثر إزعاجاً من صرخات المعركة المعتادة التي يُطلقها المصابون بالجنون من الصوابية السياسية، لكنني وجدت أخيراً الإجابة بعد قراءة رواية الكاتبة هان كانغ - نوبل للآداب، 2024-: «النباتية»، وهي: ماذا لو كان هؤلاء الذين يتم ازدراؤهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم؟

إن كل التحذيرات الموجودة على الأرض لا يمكنها أن تُعِدّ القارئ للصدمات التي سيتعرض لها عند قراءة هذه الرواية التي تُعَدّ أول عمل مُترجَم لهذه الكاتبة الكورية في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.

ففي البداية، قد تنظر إلى العنوان وتقرأ الجملة الأولى في الرواية التي تقول فيها الكاتبة: «قبل أن تتحول زوجتي نباتية، كنت أعتقد أنها شخص عادي تماماً في كل شيء»؛ إذ يبدو أن الزوج يعتقد أن الخطر الأكبر يتمثل في التحول إلى النظام الغذائي النباتي، لكن لا توجد نهاية للأهوال التي تتردد داخل هذه الرواية التي تؤكد على فكرة الموت بشكل رائع.

عندما استيقظت يونغ - هي (بطلة الرواية) ذات صباح من أحلام مضطربة، وجدت نفسها قد تحولت نباتية مروعة؛ إذ إن رواية هان القصيرة، المكونة من ثلاثة أجزاء، تتنقل بين الإثارة المنزلية والتحول والتأمل في حب النباتات، كما أنها تُروى من وجهات نظر زوجها، الذي يعمل في مكتب (وهو ما يظهر في الجزء الأول)، وصهرها المهووس، وهو فنان (يظهر في الجزء الثاني)، وشقيقتها الكبرى المثقلة بالأعباء، والتي تدير متجراً لمستحضرات التجميل (تظهر في الجزء الثالث).

وتتحدد هوية هذه الشخصيات الثلاث إلى حد كبير من خلال ما يفعلونه لكسب العيش، وفي حين توقفت يونغ - هي عن القيام بأي شيء تقريباً، فإنها تقول في إحدى لحظاتها النادرة من الحوار المباشر: «كان لدي حلم»، وهو تفسيرها الوحيد لتحولها إلى نظام أكل الخضراوات الذي اكتشفته حديثاً.

في البداية، قوبلت يونغ - هي بازدراء عابر من قِبل العائلة والأصدقاء؛ إذ صرَح أحد أصدقائها على العشاء بشكل عدواني قائلاً: «أكره أن أشارك وجبة مع شخص يعتبر أكل اللحوم أمراً مثيراً للاشمئزاز، لمجرد أن هذا هو شعوره الشخصي... ألا توافقني الرأي؟».

وسرعان ما يخلق شكل يونغ - هي الجسدي الآثار السلبية للغاية التي يخشاها المقربون منها: فقدان الوزن، والأرق، وانخفاض الرغبة الجنسية، والتخلي في نهاية المطاف عن تفاصيل الحياة «المتحضرة» اليومية.

إن هذه الرواية مليئة بكل أنواع التغذية القسرية والاعتداءات الجنسية واضطرابات الأكل، لكن هذه الأمور لا يتم ذكرها بالاسم في عالم هان، غير أن الأمر يظهر في الأحداث، فالتجمع العائلي الذي تتعرَّض فيه يونغ - هي للهجوم من قِبل والدها بسبب أكل اللحوم يتحول دوامة من الأذى الذاتي، ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي ينتهك فيها رجل (أو هي نفسها) جسدها، لكن انتهاك العقل هو قضية مختلفة.

وتحتاج رواية «النباتية» إلى كل هذا العنف؛ لأنه يرتبط في عالم الكاتبة بالاحتياجات الجسدية: أكل اللحوم، وممارسة الجنس، أو حتى رعاية الآخرين، لكن التدخل الخارجي، من جانب العائلة والأصدقاء والأطباء، يعمل على تعديل واقع هذه الرواية، إلا أن جهودهم في النهاية تبدو ضعيفة مثل إنقاذ آن رايس لـ«المُحتقَرين».

إذن، مَن هو الضحية هنا؟

في هذه الرواية، نشاهد مقاطع قصيرة مكتوبة بخط مائل تصف أفكار يونغ - هي، والتي تتضمن مونولوجات داخلية تشبه المذكرات اليومية؛ إذ يبدأ أحد المقاطع بالقول: «لا أستطيع أن أثق إلا في صدري الآن، أنا أحب صدري، فلا يمكن قتل أي شيء بواسطته، لكن اليد والقدم واللسان والنظرة، كلها أسلحة غير آمنة»، ثم تدخل في إدراك مفاجئ بأن شكلها القديم بات يتلاشى، وتتساءل: «لماذا أتغير هكذا؟ لماذا باتت أظافري حادة بهذا الشكل؟ ما الذي سأخدشه؟».

وفي بعض الأوقات، تحتاج لغة الدمار إلى تفاصيل حسية فقط مثل طائر يحتضر مختبئاً بداخل قبضة مشدودة، أو كيس نصف ممتلئ بالدم، أو زهور مرسومة على جسد عارٍ، أو رائحة لحم مشوي لا تُحتمَل.

وكانت رواية «النباتية»، التي نُشرت في كوريا الجنوبية عام 2007، وهي مستوحاة من قصة قصيرة للمؤلفة بعنوان «ثمرة امرأتي»، هي أول أعمال هان التي ستتحول فيلماً روائياً طويلاً (وقد صدر فيلم ثانٍ، مقتبس من قصة قصيرة أخرى، في عام 2011).

وتم الاحتفاء بالرواية باعتبارها «ذات رؤيا»، كما أنها نُشرَت في جميع أنحاء العالم، وكان حماس مترجمتها، ديبوراه سميث، هو الذي ساعد على تقديم «النباتية» إلى دور النشر في بريطانيا والولايات المتحدة. وقد تعلمت سميث اللغة الكورية منذ نحو ست سنوات فقط، وأتقنتها من خلال عملية ترجمة هذا الكتاب.

وتكمن الخطورة هنا في التركيز فقط على الجوانب الإثنوغرافية والاجتماعية، ففي بريطانيا، ظهرت رواية «النباتية» في قائمة أفضل الكتب مبيعاً في مؤسسة «ذا إيفيننج ستاندارد»، وقد حاول النقاد فهم مدى غرابة الرواية من خلال نسب ما فيها إلى الثقافة في كوريا الجنوبية.

وحاول النقاد البريطانيون التأكيد على أن اتباع النظام النباتي يعد أمراً مستحيلاً في كوريا الجنوبية، كما أنه من منظور النسوية الغربية المعاصرة يجب إدانة الرواية باعتبارها تجربة في «إذلال المرأة» أو «تعذيبها»، فهناك عالم كامل من الأدب خارج الدول الغربية لا يتناسب مع أسواقنا أو اتجاهاتنا.

ونجد أن تناول هان الرائع للاختيارات الشخصية والخضوع يتجلى في هذه الرواية، كما أن هناك شيئاً مميزاً آخر يتعلق بالأشكال الأدبية القصيرة، فهذه الرواية أقل من 200 صفحة.

وترتبط رواية «النباتية» بأعمال أدبية صغيرة متنوعة أخرى، مثل رواية «أقارب الدم» لسيردوين دوفي الصادرة عام 2007، ورواية «Bartleby, the Scrivener» لميلفي، فضلاً عن رواية الرعب الرائعة «البومة العمياء» للمؤلف الإيراني صادق هدايت الصادرة عام 1937 (كان هدايت نفسه نباتياً، وهناك مشاهد تظهر بانتظام في الرواية تتضمن المناظر التي يراها في كوابيسه، حيث يتم التعامل مع قتل الحيوانات باعتباره سبباً للجنون)، لكن في النهاية، كيف يمكن ألا نتذكر كافكا في وسط كل ذلك؟ فربما يكون كافكا النباتي الأكثر شهرة في تاريخ الأدب، ويبدو أنه تحدث ذات مرة إلى سمكة في حوض سمك قائلاً: «الآن أخيراً يمكنني أن أنظر إليك في سلام، لن آكلك بعد الآن».

ولكن قصة هان كانغ ليست قصة تحذيرية لآكلي اللحوم، وذلك بالنظر إلى أن رحلة يونغ - هي النباتية كانت بعيدة كل البُعد عن التوصل للسعادة؛ فالامتناع عن أكل الكائنات الحية لا يقود إلى التنوير، ومع انصراف يونغ - هي أكثر فأكثر عن الحياة، فإن مؤلفة الرواية تجعلنا نكافح للعثور على إجابة للسؤال عما إذا كان يتعين علينا أن نشجع بطلنا على البقاء أو الموت.

ومع هذا السؤال يأتي سؤال آخر، وهو السؤال النهائي الذي لا نريد أبداً التفكير فيه؛ إذ تسأل يونغ - هي في نهاية أحد أجزاء الرواية قائلة: «لماذا يعد الموت أمراً سيئاً إلى هذا الحد؟».

* خدمة «نيويورك تايمز». وبوروشيستا خاكبور هي مؤلفة أميركية - إيرانية ولها روايتان: «الأبناء والأشياء الأخرى القابلة للاشتعال» و«الوهم الأخير»