جوبا تستعد لمراسم توقيع اتفاق ينهي عقوداً من الحروب في السودان

مشاركة عربية ودولية رفيعة وغوتيريش يخاطب الحفل عبر الفيديو... واحتفالات فنية وشعبية

سلفا كير خلال لقائه حمدوك في جوبا أمس (سونا)
سلفا كير خلال لقائه حمدوك في جوبا أمس (سونا)
TT

جوبا تستعد لمراسم توقيع اتفاق ينهي عقوداً من الحروب في السودان

سلفا كير خلال لقائه حمدوك في جوبا أمس (سونا)
سلفا كير خلال لقائه حمدوك في جوبا أمس (سونا)

تهيأت جوبا عاصمة جنوب السودان، لاحتضان أكبر حدث تاريخي سوداني، يتمثل بتوقيع اتفاقية سلام بين الحكومة السودانية والجماعات المسلحة، تنهي عقوداً من الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات في دارفور ومناطق أخرى، والتي خلفت ملايين الضحايا بين قتيل وجريح ونازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها.
وتحولت مدينة جوبا إلى خلية نحل لاستقبال عشرات القادة والمسؤولين من عدة بلدان، حضروا ليكونوا شهوداً على الحدث التاريخي. وأعدت المدينة التي عاشت بدورها عقوداً من الحرب والدمار قبل الاستقلال، مهرجانات غنائية شعبية، وكرنفالات فنية؛ احتفالاً بتوقيع اتفاقية السلام.
وقال رئيس وساطة دولة جنوب السودان في جوبا، توت قلواك، الذي يشغل في الوقت ذاته منصب المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، إن عدداً من رؤساء الدول والحكومات وممثلين عن الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة سيشهدون حفل التوقيع المقرر اليوم السبت. ووصلت أمس الوفود من الخرطوم، في مقدمتها الرئيس الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة الدكتور عبد الله حمدوك.
وأكد نائب رئيس الوساطة، ضيو متوك، مشاركة كل من رئيس منظمة «إيقاد» الراعية للسلام في منطقة القرن الأفريقي، ورؤساء: جيبوتي إسماعيل قيلي، والصومال عبد الله فرماجو، وتشاد إدريس ديبي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ورئيس الوزراء الأوغندي روهاكانا روجوندا، ووزير البترول الإماراتي، ووزير الدولة بالخارجية السعودية، ووزير الدولة القطري، بجانب مبعوثين من دولة البحرين، ودول الترويكا الأوروبية بريطانيا والنرويج، وأميركا ممثلة بالمبعوث الأميركي للسودان وجنوب السودان دونالد بوث، بينما ينتظر أن يخاطب الأمين العام للأمم المتحدة، عبر تقنية «الفيديو كونفرنس»، حفل التوقيع.
وذُكر في الرياض أمس، أن السعودية ستشارك في مراسم حفل التوقيع اليوم بوزير الدولة للشؤون الأفريقية أحمد قطان، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ حيث ينتظر أن يصل الوزير السعودي إلى جوبا اليوم.
ووفقاً لمتوك، فإن توقيعات اليوم ستتضمن توقيع اتفاقات ضمان وشهود على اتفاق السلام بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح. وتضمن الاتفاق دول: جنوب السودان، والإمارات العربية المتحدة، وتشاد، وبعثة الأمم المتحدة الهجين (يوناميد)، بينما تشهد على الاتفاق المملكة العربية السعودية، ودول أوروبية أبدت رغبتها في المشاركة في الشهادة على الاتفاق.
وأوضح متوك أن الوساطة تقدمت بمقترح لعقد مؤتمر للمانحين، لتخصيص الإيرادات اللازمة لتنفيذ اتفاقية السلام السودانية، ويجري التشاور على الدولة التي تتبنى عقد مؤتمر المانحين.
وكشف متوك عن إبداء «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز الحلو، رغبتها في الدخول في مفاوضات مع الحكومة السودانية، في وقت انقطعت فيه الاتصالات مع «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد محمد النور لثلاثة أشهر؛ بيد أن وساطة تبذل جهوداً مكثفة لإقناعه بمفاوضات السلام.
وترفض «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الحلو، و«حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد محمد النور، المشاركة في مفاوضات جوبا؛ بيد أن الأولى تراجعت وأعلنت استعدادها للتفاوض، بينما لا تزال «حركة تحرير السودان» بقيادة النور تتبنى موقفاً مناوئاً لمفاوضات جوبا.
من جهته، دخل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بمجرد وصوله جوبا، في سلسلة لقاءات مع قادة الحركات المسلحة، بدأها بلقاء رئيس «حركة العدل والمساواة» جبريل إبراهيم، ورئيس «حركة تحرير السودان» مني أركو مناوي، ورئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان» مالك عقار، وفي الوقت ذاته عقد حمدوك لقاء مع رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت.
وقال مناوي للصحافيين عقب لقائه حمدوك، إن وفداً من حركته سيتوجه إلى الخرطوم عقب توقيع الاتفاق مباشرة. وأوضح أنه بحث مع حمدوك قضايا الترتيبات الأمنية، وكيفية عودة النازحين واللاجئين، والنفرة الاقتصادية، وإنه حذر من تغييب أحد قيادات شرق السودان، وتابع: «بعد التوقيع مباشرة سيصل وفد من الحركة للخرطوم».
من جهة أخرى، يشارك فنانون وموسيقيون وشعراء من السودان ودولة جنوب السودان، في إحياء حفلات غنائية وأمسيات موسيقية وغنائية وليالٍ شعرية، احتفالاً بتوقيع اتفاق السلام، في وقت تأهبت فيه مدينة جوبا لحفل التوقيع الذي ينتظر أن يشهده جمهور غفير من مواطني جنوب السودان، ومواطني السودان المقيمين في الجنوب. ووصلت البلاد اليوميين الماضيين وفود من «قوى الحرية والتغيير»، ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن عدد من الوزراء والمسؤولين، على رأسهم رئيس الوزراء، ووفد التفاوض بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، بالإضافة إلى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».