اتساع «تحقيقات الفساد» بحكومة «الوفاق» لتشمل «شخصيات نافذة» في الخارج

خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة بالعاصمة الليبية طرابلس (ديوان المحاسبة)
خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة بالعاصمة الليبية طرابلس (ديوان المحاسبة)
TT

اتساع «تحقيقات الفساد» بحكومة «الوفاق» لتشمل «شخصيات نافذة» في الخارج

خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة بالعاصمة الليبية طرابلس (ديوان المحاسبة)
خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة بالعاصمة الليبية طرابلس (ديوان المحاسبة)

وسعت النيابة العامة في العاصمة الليبية طرابلس دائرة التحقيقات، التي تجريها مع وزراء ومسؤولين حكوميين، في تهم تتعلق بوقائع «فساد وتبديد المال العام»، ومددت أمس حبس مدير المصرف الليبي الخارجي، محمد بن يوسف.
وجاء هذا التصعيد من قبل النيابة، عقب صدور التقرير الأخير لديوان عام المحاسبة الذي كشف عن تجاوزات بتبديد ملايين الدينارات في قطاعات عديدة، من بينها الخارجية والمجلس الرئاسي، بالإضافة إلى شركة الكهرباء.
وقال مصدر بالنيابة العامة لـ«الشرق الأوسط» إن «الأيام القادمة ستشهد عمليات توقيف واسعة لمسؤولين حكوميين، بعد انتهاء التحقيقات الجارية الآن في تتهم تتعلق بنهب منظم للمال العام منذ سنوات»، مضيفاً أن هناك اتصالات «لتتبع شخصيات ليبية نافذة في الخارج، على خلفية قضية المصرف الليبي الخارجي، وما يتعلق بإهدار أكثر من 500 مليون دولار في استثمارات غير مصنفة». وكانت أجهزة أمنية تابعة لحكومة «الوفاق» قد اعتقلت منتصف الأسبوع مدير المصرف الليبي الخارجي، بناء على مذكرة وجهها وكيل النيابة بمكتب النائب العام، عبد الباسط فرج شهران، إلى وزارة الداخلية.
وانتهى اجتماع احتضنه الديوان على مدار يومين لتقييم عمل إدارة صندوق التأمينات إلى أنه «قدم بيانات مغلوطة ومضللة للقيد بالسجل التجاري، ترقى إلى تشويه قواعد البيانات الوطنية، والتي جعلت من الصندوق ينحرف عن الهدف الأساسي الذي أنشئ من أجله». بالإضافة إلى «الإهمال والتقصير وسوء الأداء، مما أفضى لترتيب المسؤولية الطبية، وما يصاحبها من ترتيب الأعباء المالية الإضافية، نظرا لارتفاع متطلبات الخدمة العلاجية، في ظل عدم وجود أي إمكانيات لإدارة النفقات الطبية بالصندوق، وهو ما انعكس على تفاقم الحالة الصحية للمرضى والجرحى».
ولفت ديوان المحاسبة إلى أن رئيس وأعضاء مجلس الإدارة بصندوق التأمين قاموا «بالتحايل والتدليس على الجهات الرسمية لأغراض مشبوهة، وتسببوا في إلحاق ضرر بالمال العام وإيقاع الضرر بالغير». وأصدر الديوان أمس تقريراً مفصلاً عن «الإطار المؤسسي بصندوق التأمين الصحي العام» خلال الفترة الممتدة ما بين عام 2017 و2020. وقال إنه بناء عليه أصدر شكشك قراره بإيقاف رئيس مجلس إدارة الصندوق، وأعضاء المجلس عن العمل احتياطياً. في سياق ذلك، وجه ديوان المحاسبة أول من أمس خطاباً إلى محمد هيثم، وزير الصحة بحكومة «الوفاق» بشأن مسؤولية الوزارة عن تأخر استكمال إجراءات العطاء العام للأدوية، تضمن «المخالفات والشبهات التي تكتنف إجراءات لجنة إعدادها».
وفيما تداولت وسائل إعلام محلية نبأ تجديد حبس عادل جمعة، وكيل وزارة «تعليم الوفاق» على ذمة التحقيق في قضايا تتعلق «بشبهة فساد»، قال وزير التعليم في حكومة «الوفاق»، محمد عماري زايد، إن جمعة «موقوف على ذمة قضية إهمال وتقصير، وسيعود إلى مزاولة عمله قريبا، ريثما تنتهي التحقيقات الجارية معه».
وسبق لمكتب النائب العام الإعلان عن توقيف وزير الحكم المحلي بحكومة «الوفاق» ميلاد الطاهر، وعميد بلدية بني وليد سالم انوير، بتهمة «اختلاس أموال». كما تم توقيف صالح الصكلول، وكيل شؤون الديوان بوزارة الحكم المحلي. وتحدث رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام، الصديق الصور، عن جوانب من التحقيقات الجارية مع مسؤولين وشخصيات بتهمة فساد، مشيراً إلى أن الأمر يحتاج لبعض الوقت لكشف ملابسات تتعلق بفترة زمنية طويلة. وقال الصور في تصريحات إعلامية، مساء أول من أمس، إن هناك أوامر صدرت بالقبض على أشخاص يوجدون خارج ليبيا الآن، لافتاً إلى أن النيابة تجري تحقيقات دورية منذ فترة طويلة بشأن المؤسسة الليبية للاستثمار، وأنها تواصلت مع المدعي العام في بولندا، وأكثر من جهة أخرى، وأنه «سيتم في الأيام المقبلة الكشف عن تقارير وقرارات مهمة». وذهب الصور إلى أنه «ما لم يكن هناك تعاون دولي وقضائي، فلا يمكن التحقيق في هذه الجرائم بسهولة نظراً لكونها منظّمة عابرة للحدود»، مؤكدا أن التحقيقات في قضية المؤسّسة الليبية للاستثمار سارية منذ عام 2006 حتى الآن، «وسيحاسب كل من يثبت تورطه في تبديد المال العام».
وتطرق الصور إلى المصرف الخارجي، وقال إن هناك شركة تتولى التحقيق في اختلالاته منذ قرابة عام ونصف العام، متحدثاً عن «إهدار 800 مليون دولار في استثمارات غير مدرجة، ما ترتب عليه أضرار جسيمة في المال العام»، إلى جانب «قرابة 500 مليون دولار ضاعت على الدولة نتيجة استثمارات غير مصنفة»، لكنه أكد أنه «تم تحديد الأسماء المسؤولة التي ستصدر بحقّهم قرارات خلال الأيام المقبلة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.