تأخر نمو المهارات اللغوية واضطرابات السلوك... نمط العلاقة وآليات التدخل

توصيات تطبيقية وعملية لدعم التطور اللغوي عند الطفل

تأخر نمو المهارات اللغوية واضطرابات السلوك... نمط العلاقة وآليات التدخل
TT

تأخر نمو المهارات اللغوية واضطرابات السلوك... نمط العلاقة وآليات التدخل

تأخر نمو المهارات اللغوية واضطرابات السلوك... نمط العلاقة وآليات التدخل

عادة، ما تتم ملاحظة الآباء والأمهات لما يطرأ على أطفالهم من تغيرات تطويرية تنموية وسلوكية متأخرة نوعا ما وذلك من خلال تفاعل الأطفال مع أقرانهم أو البالغين الأكبر منهم سنا. ويأتي في مقدمة تلك الملاحظات أمور جوهرية في حياة الطفل ونموه ومنها التأخر في تطوير المهارات اللغوية والتي قد يصاحبها مشكلات سلوكية متعددة أهمها، على سبيل المثال، النوبات العصبية والعناد. وهنا يزداد قلق الأسرة ويبدأ البحث عن الحلول التي يمكنها أن تعيد الطفل لما يبدو عليه أقرانه من تطور طبيعي وسلوكيات صحية سليمة.
- اضطراب النطق
تشترك الأسر، باختلاف طبقاتها، في طرح أسئلة موحدة ومحددة، وهي:
- متى سيتكلم طفلي هذا؟ كيف؟ ومتى؟
- هل هناك أساس علمي يضمن لنا أن يتكلم هذا الطفل وأن يتطور سلوكه بشكل إيجابي؟
- هل التدخل من قبل متخصص في هذا المجال أمر ضروري؟
- كيف يمكنني تحسين وتعديل سلوكيات طفلي؟
- كيف أدعم التطور اللغوي عند طفلي؟
لمناقشة هذا الموضوع الهام والإجابة على هذه التساؤلات التي تشغل بال الكثيرين من الآباء والأمهات، توجهنا إلى عدد من المتخصصين في مجال تشخيص اضطرابات التواصل وعلاج أمراض النطق والسمع واللغة.
في البداية، أكد الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري رئيس قسم اضطرابات التواصل بعيادات العناية النفسية بالرياض والأستاذ المساعد بقسم علاج اضطرابات النطق واللغة والسمع بكلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود بالرياض والاستشاري في مركز أبحاث التوحد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض والحاصل علي البورد الأميركي في علاج أمراض النطق واللغة - أكد على أنه لا يوجد بديل عن زيارة اختصاصي أمراض النطق واللغة المؤهل عند ملاحظة الوالدين تأخرا في مهارات طفلهما لغويا أو سلوكيا، فهو الشخص المسؤول والمتخصص الذي يقوم في هذه الحالة بأدوار مهمة ويعمل الآتي: تقييم شامل للمهارات اللغوية والكلامية للطفل حسب فئته العمرية - تحديد ما إذا كانت مهارات اللغة والكلام تنمو عند الطفل بطريقة طبيعية أم أنها متأخرة – تقرير مدى الاحتياج لتدخل علاجي متخصص - تسجيل ملاحظاته على النمط السلوكي للطفل خلال تلك الزيارة - تحديد الحاجة للتحويل لمتخصص في تحليل السلوك التطبيقي لتقييم الوضع – وأخيرا، تحديد نوعية وطبيعة السلوكيات ذات العلاقة.
- سلوك الأطفال
من جهة أخرى، عرف الأستاذ عبد الله محمد العتيبي الاختصاصي في مركز التميز للتوحد في الرياض، الحاصل على الماجستير في التربية الخاصة والبورد الأميركي في تحليل السلوك التطبيقي (BCBA) – عرف السلوك بأنه كل الأفعال الصادرة من الإنسان والقابلة للملاحظة والقياس، وذكر بعض الأفعال على سبيل المثال: القفز، الكلام، لعب الكرة.
ويعتبر السلوك المحور الرئيسي في علم تحليل السلوك التطبيقي حيث إن كل التجارب تتمحور حول السلوك والظروف والبيئة المحيطة به والتي قد تؤثر عليه، أيضا.
كما أضاف الأستاذ عبد الله بأن الكثير قد يخلط بين السلوك الطبيعي والمشكلة السلوكية. فبعض السلوكيات قد تكون غير مقبولة ولكنها من الممكن أن تكون السلوك الوحيد الذي يستطيع أن يصدره الشخص بناء على ما سبق من ظروف أثارت هذا السلوك. على سبيل المثال ردات الفعل غير الإرادية، مثل طفل يصرخ بصوت مرتفع مباشرة عندما يسقط من الدرج. ويعتبر السلوك مشكلة عندما يسبب أذى للفرد أو للمحيطين به وأيضا إذا حد من تطور الطفل وحرمانه من الانخراط في الكثير من البيئات الاجتماعية أو التعليمية.
لا شك أن المشاكل السلوكية مثل غيرها من التصرفات المبنية على أسباب قد تكون غير معروفة من الكثيرين ولكن يجب أن نكون على يقين أنها صدرت لأسباب معينة وليس كما يزعم البعض أنها حدثت بدون سبب.
وقد تصدر المشاكل السلوكية لتلبية رغبات بطريقة غير ملائمة بناء على ما حدث قبل هذا السلوك وما أعقب هذا السلوك من نتائج قد لبت رغبة الطفل لا سيما أن ضعف مهارات التواصل الموجودة لدى بعض الأطفال وخاصة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد قد تكون وراء لجوء الطفل لمثل هذه السلوكيات البديلة والغير مقبولة.
- علاقات اللغة والسلوك
وحول العلاقة بين قصور نمو المهارات اللغوية والمشكلات السلوكية أضاف الدكتور وائل الدكروري أن من الجدير ذكره، هنا، أن الأبحاث العلمية أثبتت العلاقة الوثيقة بين قصور نمو المهارات اللغوية وبين المشكلات السلوكية، فعندما لا يستطيع الطفل التعبير عن نفسه تبدأ المشكلات السلوكية مع الأقران والتي تكون غالبا أثناء اللعب.
وإن كانت هذه المواقف تتطلب من الآباء فهم ظروف كل حادثة وخلفيتها حيث إن من الممكن أن تكون تصرفات الطفل السلبية أو العدوانية مجرد رد فعل لتصرفات طفل آخر. وقد تناولت العديد من الدراسات السابقة بشكل مستفيض العلاقة بين الاضطرابات اللغوية والمشكلات السلوكية عند الأطفال.
وهناك دراسة أظهرت نتائجها أن 40 في المائة من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات لغوية لديهم مشكلات سلوكية. كما لوحظ أن مستوى شدة المشكلات السلوكية ترتبط بمستوى شدة الاضطرابات اللغوية وكان من أكثر هذه المشكلات: مشكلات السلوك العدواني والسلوك الانطوائي والانسحابي.
كما أظهرت دراسة أخرى أن المشكلات السلوكية ترتبط أساسا بالاضطرابات اللغوية التي تتمثل بعدم القدرة على الفهم والقدرة على التعبير والاستخدام العملي للغة في حين لم ترتبط بالمشكلات المتعلقة بالاضطرابات الكلامية كصعوبات وعيوب النطق المختلفة حيث كان لها أثر محدود من الناحية السلوكية.
وأظهر بحث آخر أجراه الدكتور وائل الدكروري وزملاؤه نشر عام 2011، العلاقة بين اللغة من الناحية الكمية ومستوى تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال السعوديين حيث أظهرت النتائج قصور مستوى الأداء اللغوي من الناحية الكمية والنوعية عند الأطفال المصابين باضطرابات قصور الانتباه وفرط الحركة.
وأضاف د. الدكروري أنه بكل تأكيد تتعاظم المشكلات عند تجاهلها، وهو ما يمكن تفاديه بمجرد زيارة لأحد المتخصصين في هذا المجال تساعد الأهل على فهم حالة الطفل وتحديد مستوى التدخل المطلوب، إذ أن التشخيص المبكر والتدخل العلاجي المناسب في سن مبكرة يساعدان في الحصول على معدلات تقدم عالية كما أن معالجة مشكلات اللغة والكلام مبكرا تمكننا من تقليل فرصة تفاقم مشكلات التعلم ومشكلات القراءة بالإضافة لصعوبات التفاعل الاجتماعي والمشاكل السلوكية.

أسباب المشاكل السلوكية
يقول الاختصاصي الأستاذ عبد الله العتيبي إن مسببات المشاكل السلوكية تتمحور في الغالب حول أربعة مسببات، وقد يكون وراء حدوث مشكلة سلوكية ما سبب واحدا أو أكثر من سبب من هذه المسببات الأربعة، وهي:
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «الطلب»، ولتسهيل فهم ذلك نعطي المثال التالي: طفل يبكي بصوت مرتفع للحصول على شيء يريده وقد سبق أن تم الحصول عليه من قبل بنفس هذه الطريقة، لذلك قام الطفل بتوظيف البكاء (مستقبلا) للحصول على هذا الشيء.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «الهروب»، ونقصد هنا الهروب من شيء معين أو أشخاص معينين، ومثال ذلك بكاء الطفل عندما يطلب منه تنفيذ مهمة معينة قد لا تكون محببة له، وينجح الطفل في ذلك عندما تتم الاستجابة بإيقاف طلب هذه المهمة منه. ومن خلال هذه التجربة يتعلم الطفل أن استخدام البكاء (مستقبلا) هي طريقة فعالة للتخلص من المهام الغير محببة له.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «جذب الانتباه»، لا سيما أن البحث عن الانتباه من الأشياء المحببة عند الكثير من الأفراد. ومثال ذلك: طفل يرى أمه تتكلم على الهاتف أو تتكلم مع أحد إخوته فيسارع بالبكاء، فإذا أسرعت الأم لترى لماذا هو يبكي يكون قد حصل من خلال ذلك على الغرض الرئيسي من البكاء وهو جذب الانتباه. وعليه، يتعود هذا الطفل أن يبكي (مستقبلا) لطلب الانتباه وخاصة عندما يتعرض لفترة من الحرمان من انتباه أفراد أسرته وبشكل خاص والديه.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «تلبية رغبة حسية»، ومثال ذلك عندما يقوم الطفل بالرفرفة بيديه. والرفرفة هنا هي شكل من أشكال السلوك الذي يستخدمه الطفل أو يوظفه لتلبية أكثر من غرض خلافا للرغبة الحسية. فقد يوظف طفل رفرفة اليدين لغرض الهروب أو لجذب الانتباه، لذلك يجب التحقق من الوظيفة الأساسية للسلوك وليس مجرد شكل السلوك.
وأضاف الاختصاصي عبد الله العتيبي بأنه عند معرفة مسببات المشكلة السلوكية فهناك الكثير من الطرق المثبتة علميا للتعامل معها بناء على استراتيجيات تحليل السلوك التطبيقي لخفض هذه المشكلة السلوكية ويتم ذلك من خلال إجراءات تغييرات «قبلية» يمكنها أن تحد من ظهور هذه المشكلة السلوكية وإجراءات أخرى «بعدية» يمكن أن يتم تطبيقها عند ظهور المشكلة السلوكية مستقبلاً.

دعم التطور اللغوي
كيف ندعم التطور اللغوي عند الطفل؟ يجيب الدكتور وائل الدكروري أن دعم التطور اللغوي عند الطفل ممكن وذلك من خلال تطبيق التوصيات التالية:
> النظر في العين: حاول أن تكون دائما في مستوى نظر طفلك عند محادثته ليشعر بالاتصال المباشر.
> الاستماع: اجعل محادثة الطفل متعة لك وله فاستمع له... يستمع لك.
> عدم الاعتماد على الأسئلة بشكل أساسي كوسيلة وحيدة لتنمية مهارات الطفل اللغوية حيث إن الأسئلة المتكررة لا تعلم الطفل شيئا بل قد تسبب ضجر الطفل وابتعاده عنك.
> التنويع بين الأسئلة والتعليقات.
> التحدث مع الطفل وترديد الكلمات بوضوح وهدوء، مع التأكيد على مخارج الأحرف، واستعمال جمل قصيرة.
> المحاولة المستمرة لفهم كلمات الطفل، فهذا يشجعه ويعزز محاولاته للتواصل.
> التحدث عن الأشياء الظاهرة أمام الطفل، ليربط بين ما يراه ويسمعه، حيث إن الطفل يكتسب، تطوريا، الأسماء قبل أي مفردات أخرى.
> تقديم الألعاب والكتب والقصص ذات الصور الملونة المتوافقة مع مستوى أداء الطفل.
> عدم تصحيح أخطاء الطفل اللغوية بشكل سلبي مثل قول «خطأ» بل بالتصحيح الإيجابي، حتى لا يطور سلوكا انسحابيا أو تلعثما فهو يصحح نفسه بنفسه إذا سمع ترديدنا لكلامه بشكل صحيح.
> جعل القراءة للطفل عادة يومية، لأن تطوره اللغوي أساس تطوره العقلي والانفعالي والاجتماعي والسلوكي. ففي القصص قيم وعادات ومفاهيم وأفكار يكتسبها الطفل منذ الصغر.
- استشاري طب المجتمع



«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.


آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
TT

آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

احتشد آلاف الأشخاص ورقصوا حول «ستونهنج» في إنجلترا، بينما ارتفعت الشمس فوق الدائرة الحجرية ما قبل التاريخ، اليوم (الأحد)، في الانقلاب الشتوي.

وتجمعت الحشود، العديد منهم مرتدون زي الدرويد والمشعوذين الوثنيين، قبل الفجر، منتظرين بصبر في الحقل البارد والمظلم في جنوب غربي إنجلترا. وغنى بعضهم، وضربوا الطبول، بينما أخذ آخرون وقتهم للتأمل بين الأعمدة الحجرية الضخمة.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

يقوم كثيرون بزيارة هذه الدائرة الحجرية كل صيف وشتاء، معتبرين ذلك تجربة روحية. ويعد النصب القديم، الذي بني بين 5000 و3500 سنة مضت، مصمماً ليتوافق مع حركة الشمس خلال الانقلابات، وهي تواريخ رئيسية في التقويم بالنسبة للمزارعين القدماء.

وقالت منظمة إنجلش هيريتاج، المسؤولة عن إدارة «ستونهنج»، إن نحو 8500 شخص احتفلوا يوم السبت بالموقع في سالزبوري بلين، على بعد نحو 75 ميلاً (120 كيلومتراً) جنوب غربي لندن. وأضافت أن البثّ المباشر للاحتفالات جذب أكثر من 242 ألف مشاهدة من جميع أنحاء العالم.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

واليوم (الأحد)، هو أقصر يوم في السنة شمال خط الاستواء، حيث يشير الانقلاب الشتوي إلى بداية الشتاء الفلكي. أما في نصف الكرة الجنوبي، فهو أطول يوم في السنة ويبدأ الصيف.

ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تصنع الشمس أقصر وأدنى قوس لها، لكن العديد من الأشخاص يحتفلون به كوقت للتجديد، لأن الشمس بعد يوم الأحد ستبدأ بالارتفاع مجدداً، وستزداد مدة النهار يوماً بعد يوم حتى أواخر يونيو (حزيران).


«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
TT

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

يقدّم الفيلم العراقي «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل، مدينة الجراح المفتوحة، بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن العراق وصراعاته، فبعد نجاح فيلمه السابق «لا مكان للاختباء» وما تركه من أثر عاطفي ثقيل عليه، كان المخرج يؤكد لنفسه أنه لن يصوّر في المنطقة مرة أخرى.

لكن المُوصل كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أعادت جذبه ببطء حين رأى الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب مع تنظيم «داعش»، وواجه أسئلة لم يتمكن من تجاهلها حول كيفية سقوط مدينة بهذا التاريخ أمام 800 مقاتل فقط، وكيف يحاول سكانها اليوم النهوض من جديد.

الفيلم الذي حصد التانيت الفضي للفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، بتونس، بدأت رحلة مخرجه من فكرة مختلفة تماماً، إذ كان يبحث عن تحفة أثرية، تُعرف باسم «بطارية بغداد»، ظنّ أنها سُرقت بعد عام 2003، قبل أن يكتشف وجودها في قبو المتحف الوطني.

وثّق الفيلم جانباً من الأضرار التي لحقت بالموصل (الشركة المنتجة)

لكن زيارة إلى الموصل بدّلت مسار الفيلم، ففي أحد الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، وقف أمام منزل دُمر بالكامل، ولم يبقَ منه سوى بوابة رخامية، يعلوها أسدان منحوتان، كأنهما الحارسان الأخيران لزمنٍ مضى، هذا المشهد كان كافياً ليقرر أنه أمام قصة أكبر من مجرد بحث أثري، بل أمام ذاكرة مدينة بأكملها.

تعرف أحمد خلال تلك الرحلات إلى بشّار، الصياد ابن الموصل وصاحب المنزل المدمر، 4 أجيال من عائلته عاشت في ذلك البيت، واليوم لم يبقَ لهم سوى هذين الأسدين، في نظر بشّار لم يكونا حجارة، بل كانا امتداداً لعائلته، لذكرياته، لروحه كلها، يذهب يومياً إلى الأطلال ليحرسهما، ويواجه محاولات سرقة متكررة، ويقاوم شعوراً لا ينتهي بأن الدولة تخلّت عنه، وأن مدينته فقدت القدرة على ضمّه، مأساته في الفيلم ليست فقدان منزل فقط، بل فقدان هوية، وفشل محاولات الإقناع بأن الوقت قد حان للبدء من جديد.

رصد الفيلم جوانب مختلفة من الحياة في الموصل (الشركة المنتجة)

وفي مقابل بشار، يظهر فخري، الشخصية التي تضيف بعداً مختلفاً للفيلم، رجلاً ستينياً، جمع على مدى سنوات أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية أنقذها من بيوت مهجورة وبقايا خراب الحرب، وحوّل منزله إلى متحف مفتوح للناس، باع سيارته، ومقتنيات زوجته، ومدخراته كلها ليحافظ على جزء من هوية الموصل. في البداية، كان يحلم بأن يضم باب منزل بشّار إلى مجموعته، معتقداً أنه يحمي تاريخ المدينة من الضياع.

لكن مع الوقت تبدأ تحولات داخلية عميقة تظهر في شخصيته، خصوصاً حين يواجهه صديقه الموسيقار فاضل بأن التاريخ ليس سلعة، وأن ما تبقى لبشّار ليس حجراً بل حياته نفسها، فيصبح هذا الصراع الإنساني بين رجلين يحبان مدينتهما على طريقتين مختلفتين محوراً أساسياً ينبني عليه الفيلم.

أما فاضل، الموسيقار الذي عاش 3 سنوات من الرعب تحت حكم «داعش»، فكان يخفي آلته الموسيقية خشية إعدامه. يخرج اليوم إلى الشارع، يعزف وسط الأنقاض، يعلّم جيلاً جديداً من الشباب ومعظمهم من الفتيات ويعيد الموسيقى إلى مدينة حاول التطرف أن يخنق صوتها، وجوده في الفيلم لا يقدّم بعداً موسيقياً جمالياً فقط، بل يعكس التغيّر الأعمق الذي عاشته الموصل بعد التحرير، انفتاحاً ثقافياً مفاجئاً وغير متوقع، وعودة للحياة المدنية من خلال الفن، لا السياسة.

التصوير كان رحلة محفوفة بالمخاطر كما يؤكد المخرج، فالكاميرا في العراق ليست موضع ترحيب، الناس يخشونها، السلطات تشك فيها، والمخابئ والممرات تحت الأرض كانت لا تزال مليئة بالألغام وبقايا العبوات، كثيراً ما أوقفته الشرطة أو اتهمه البعض بالتجسس، بينما كان يحاول الحفاظ على سلامة فريقه وسلامة الشخصيات التي ترافقه داخل أحياء مهدمة. ومع ذلك، كان الإحساس بأن الوقت ضيق والمدينة تتغير بسرعة دافعاً له للاستمرار، كما لو أنه يصوّر آخر فرصة لتوثيق ما تبقى من ذاكرة شفافة قبل أن تذوب.

خلال 5 سنوات من العمل، جمع المخرج أكثر من 600 ساعة تصوير، لم يكن يعتمد على سيناريو ثابت، بل على تطور القصة من قلب الواقع، وعلى اللحظة التي يلتقطها بعفوية، وعلى مشاهد تنشأ من الصمت أو من جملة يقولها بشّار أو فخري أو فاضل. ولهذا يبدو الفيلم حياً، غير مشكَّل مسبقاً، أقرب إلى تسجيل نبض مدينة تبحث عن روحها.

عودة الروح والموسيقى إلى الموصل بعد تحريرها من أيدي «داعش» (الشركة المنتجة)

يمتد أثر الفيلم إلى ما يتجاوز الشخصيات، فالموصل التي يظهرها أحمد ليست مجرد مدينة مدمرة، بل مدينة تحاول استعادة معمارها وروحها وذاكرتها، حيث نساء يخرجن إلى الساحات من جديد، فنانون يعيدون افتتاح المسرح، موسيقيون يدرّبون أطفالاً صغاراً، ومتحف وطني يُرمَّم بعد أن دمّره «داعش»، كل تفصيلة تتحرك داخل الفيلم باعتبارها جزءاً من سؤال أكبر؛ هل يمكن لمدينة فقدت كل شيء أن تستعيد هويتها؟ وهل يستطيع الإنسان أن يشفى من ذاكرة الحرب؟

ورغم أن الموصل اليوم أكثر أماناً، فإن المخرج يذكّر بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، ويرى أن المدينة مثل مرآة للمنطقة كلها، وأن ما يحدث فيها يعكس ما يمكن أن يحدث في مدن أخرى إذا تُركت بلا دعم حقيقي أو دون إعادة بناء للثقة والوعي والانتماء.