الأطفال يفضلون المعرفة... أكثر من المكافأة

الاستقصاء واكتساب المعلومات أهم لديهم من الفوائد المادية

الأطفال يفضلون المعرفة... أكثر من المكافأة
TT

الأطفال يفضلون المعرفة... أكثر من المكافأة

الأطفال يفضلون المعرفة... أكثر من المكافأة

يقدر معظم البالغين المكافأة، سواء المادية أو المعنوية، على المعرفة كقيمة في حد ذاتها، بل وفي الكثير من الأحيان لا يكون الاهتمام بالمعرفة إلا وسيلة لتحقيق فائدة معينة والوصول إلى مكانة أفضل.
- تقدير المعرفة
لكن على ما يبدو، فإن الأطفال على الرغم من حداثة أعمارهم يقدرون العلم والمعرفة المجردة كقيمة أكثر من الفوائد المتوقعة منها، خلافاً للبالغين على عكس التصور العام عن الأطفال، هذا ما كشفت عنه أحدث الدراسات الأميركية التي تناولت سلوك الأطفال، ورغبتهم في التعلم من عدمه.
أجرى الدراسة علماء من جامعة أوهايو في الولايات المتحدة، وتم نشرها في شهر أغسطس (آب) من العام الحالي في مجلة «العلوم التنموية» (the journal Developmental Science).
قام العلماء بعمل مقارنة بين سلوك الأطفال والبالغين من خلال لعبة معينة اشترك فيها أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات، وأشخاص بالغون. وفي هذه اللعبة كان لكل اختيار مكافأة معينة. وفي بداية اللعبة تعلم الجميع التركيز على الاختيارات التي تعطيهم أكبر المكافآت، ولكن مع الاستمرار في اللعبة استغل البالغون معرفتهم بالاختيارات الأكثر منحًا للمكافآت لمضاعفة أرباحهم، متجاهلين أي أشياء مثيرة ظهرت في اللعبة، ومنها اختيارات أخرى. إلا أن الأطفال اهتموا أكثر بمحاولة استكشاف هذه الأشياء أكثر من التركيز على المكسب المادي فقط. وأعاد الأطفال أيضاً الخيارات نفسها حتى الأقل منحاً للمكافأة، لمعرفة إذا كانت قيمتها قد تغيرت من عدمه.
وأوضح العلماء أن الرغبة في الاستكشاف (Exploration) تعد من أهم الدوافع للتعلم في مرحلة الطفولة أكثر من المكافأة الوقتية. وعند سؤال البالغين عن تفسيرهم لرغبة الأطفال في الاستكشاف، أجابوا بأنها رغبة عشوائية. وعلى حد تعبيرهم، فإنهم يركضون بلا هدف، ويقومون بفتح الأدراج والخزائن، ويلتقطون الأشياء العشوائية من الأرض.
وأشار العلماء إلى أنه خلافاً لتصورات البالغين، فإن رغبة الأطفال في الاستكشاف ليست عشوائية، بل أقرب ما تكون إلى النظامية، بمعنى أنهم (الأطفال) يسلكون منهج تتبع معين حتى لا يفوتهم أي شيء. على سبيل المثال، فإن متابعة كل الاختيارات تكون بهدف عمل مقارنة بينهم، والإحاطة بكل الفرص المتاحة، وهو ما يعتبر منهجاً في حد ذاته.
- منهج الاستقصاء
لتأكيد ذلك، قام العلماء بإجراء تجربتين. في التجربة الأولى كان هناك 32 طفلاً في عمر الرابعة تقريباً مقابل 34 من البالغين. وكانت اللعبة عبارة عن لعبة على شاشة الكومبيوتر تظهر 4 كائنات فضائية عند الضغط عليها. وكل كائن يظهر نوعاً من المكافأة على شكل حلويات مرقمة. وكان هناك أحد هذه الكائنات هو الأكثر منحاً لهذه الحلويات بمقدار 10 حلويات، وكانت بقية الكائنات الثلاثة الأخرى لها قيمة بين 1 و2 و3 بالترتيب. وهذه القيمة لكل كائن لم تتغير أبداً طوال فترة التجربة.
وكان الهدف من التجربة هو كسب أكثر عدد ممكن من الحلويات خلال 100 محاولة. وبطبيعة الحال، كما هو متوقع، بعد بدء اللعبة بفترة بسيطة، أدرك البالغون قيمة الكائن الذي يمنح أكبر عدد من الحلويات، وتم اختياره 86 في المائة من المرات، بينما تم اختياره 43 في المائة فقط من زمن اللعبة من قبل الأطفال. ولم يكن هذا الاختيار من قبل الأطفال بسبب عدم تذكرهم للقيمة التي يمنحها الكائن الأكثر منحاً للجوائز، حيث تم عمل اختبار للذاكرة لهؤلاء الأطفال لمعرفة أي الكائنات أكبر منحاً للحلويات، ونجح في هذا الاختبار 20 من أصل 22 طفلاً.
وأشار الباحثون إلى أن السبب في هذه النتيجة هو اختلاف الهدف بين البالغين والأطفال، فبينما سعى البالغون للكسب سعى الأطفال نحو المعرفة، فضلاً عن أن الأطفال لم يقوموا بالنقر على هذه الكائنات بشكل عشوائي، وفي المرات التي لم يختاروا فيها الكائن الأكثر منحاً لم يقوموا بتحريك ماوس الكومبيوتر خلال اللعبة بلا هدف، بل كانوا يختبرون كل اختيار آخر لمعرفة المزيد عنه، وكلما قضوا وقتاً بعيداً عن اختيار أي كائن، كلما كانوا في احتياج أكثر لمعاودة النقر عليه لتذكر قيمته.
أما التجربة الثانية، فأجريت على 37 من البالغين مقابل 36 من الأطفال، تتراوح أعمارهم بين الرابعة والخامسة. وكانت على لعبة قريبة من اللعبة الأولى، إلا أن ثلاثة من الأربعة اختيارات للكائنات كانت قيمتها معروفة بشكل مسبق، وكائن واحد فقط كان مخفياً، وكانت قيمته تتغير مع كل محاولة جديدة، بينما لم تتغير قيمة بقية الكائنات الظاهرة أبداً. ومثل التجربة السابقة قام البالغون باختيار أفضل الخيارات المتاحة بنسبة 94 في المائة، بينما قام الأطفال باختيار أفضل الخيارات بنسبة 40 في المائة فقط.
وفى الوقت الذي كان فيه الكائن المخفي يمتلك أعلى قيمة، قام البالغون باختياره في 84 في المائة من المرات ـ وخلافاً لذلك لم يقوموا باختياره أبداً على وجه التقريب (فقط 2 في المائة). أما الأطفال فقد اختاروا الكائن المخفي بنسبة 40 في المائة، بغض النظر عن قيمته، سواء كانت الأعلى أم لا، حيث كان معظمهم منجذبين (للشيء المخفي)، ويريدون اكتشافه.
وأوضح الباحثون أن هناك فروقاً فردية بين الأطفال بالطبع، فهناك أطفال تصرفوا بأسلوب البالغين نفسه من التركيز على جمع أكبر عائد من اللعبة. وفي التجربة الثانية تقريباً تجاهلوا تماماً الكائن المخفي. ويمكن أن تكون هذه الفروق الفردية بين الأطفال نتيجة للفروق الإدراكية والمعرفية بين كل منهم. ولكن في النهاية يبقى معظم الأطفال أكثر شغفاً بالمعرفة الممنهجة منها إلى المكسب المادي.
- استشاري طب الأطفال



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.