انتحاريون يغادرون منازلهم بلا سابق إنذار ويغيرون مجرى حياة عوائلهم إلى الأبد

منفذ تفجير حارة الحريك ترك دراسة الهندسة وتحول إلى {الجهاد}

قتيبة الساطم الذي قالت السلطات اللبنانية إنه نفذ هجوما انتحاريا في الضاحية (أ.ف.ب)
قتيبة الساطم الذي قالت السلطات اللبنانية إنه نفذ هجوما انتحاريا في الضاحية (أ.ف.ب)
TT

انتحاريون يغادرون منازلهم بلا سابق إنذار ويغيرون مجرى حياة عوائلهم إلى الأبد

قتيبة الساطم الذي قالت السلطات اللبنانية إنه نفذ هجوما انتحاريا في الضاحية (أ.ف.ب)
قتيبة الساطم الذي قالت السلطات اللبنانية إنه نفذ هجوما انتحاريا في الضاحية (أ.ف.ب)

بعد كل تفجير انتحاري يستهدف منطقة معينة في لبنان، آخرها في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، تكشف التحقيقات عن هوية شبان كانت لهم حياة عادية تشبه يوميات الشاب اللبناني الساعي إلى تأمين لقمة العيش أو التخطيط لمستقبل ناجح. ولكن فجأة وبلا سابق إنذار، تنزل على عائلات كالصاعقة أخبار تتناقلها وسائل الإعلام ومفادها أن ابنهم هو «انتحاري» هذا التفجير أو ذاك، لتتغير حياتهم إلى الأبد.
عائلة قتيبة الساطم، إحدى العائلات التي استفاقت على فاجعة كبيرة، بعد علمها بتورط ابنها قتيبة في تفجير حارة حريك الأول في الضاحية الجنوبية، مطلع الشهر الحالي. تعرفت الأجهزة الأمنية على هوية الانتحاري من خلال إخراج القيد الذي عثر عليه في موقع التفجير، وبعد إجراء فحوص الحمض النووي ثبتت التهمة عليه.
كان قتيبة يعيش في منطقة وادي خالد، يقصد القبة في طرابلس بشكل شبه يومي، لدراسة هندسة المساحة في الجامعة. كان يعيش حياة طبيعية ويخطط لمستقبله ويجهز أوراقه للسفر إلى فرنسا، وفق ما يرويه المختار طلال العلي لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدا أن «ملامح التطرف بدأت تظهر على قتيبة منذ سنة تقريبا، فأصبح يقصد الجوامع بشكل يومي ويصلي ويتحدث بالجهاد والقتال في سوريا لنصرة الأطفال والنساء، وتحول اهتمامه بمستقبله إلى اهتمامه بالجهاد».
حاول قتيبة الذهاب إلى سوريا للقتال، لكن نفوذ والده في عرسال، بسبب عمله في التجارة في المنطقة، حال دون اجتياز الابن للحدود، إذ أعادته مجموعة من الشبان إلى قريته في وادي خالد، وبدأ والده يجهز أوراقه للسفر إلى الخارج. لكن قبل تفجير حارة حريك بخمسة أيام، اختفى قتيبة وأبلغت العائلة القوى الأمنية بالأمر لتفاجأ بعد أيام بظهور اسمه على العلن بوصفه «انتحاري الضاحية». ويضيف العلي: «أصبح قتيبة غامضا، وأصدقاؤه مجهولون ولا نعرف عن حياته الشخصية شيئا، كما لو أن عملية غسل دماغ أجريت له. تغيرت كل أحواله».
تعاني العائلة اليوم صدمة كبيرة. والد قتيبة ميسور الحال ويقول إنه لم يقصر بواجباته مع ابنه، وحاول تأمين حياة ومستقبل زاهر وناجح له، وكذلك والدته التي كرست حياتها لحماية أبنائها وتكتفي بالصمت والحزن على فقيدها الصغير.
صديق قتيبة وقريبه أحمد السيد يعد «تورط قتيبة في تفجير حارة حريك ملعوبا كبيرا». ويقول: «شهود عيان تحدثوا للإعلام، والقوى الأمنية أكدت أن شخصا آخر كان مع قتيبة في السيارة المفخخة، وعند حدوث التفجير اختفى الرجل وجثته لم تظهر أشلاؤها مع الجثث والأشلاء الأخرى، فمن هو هذا الشخص؟ ولماذا وجد إخراج قيد قتيبة واضحا ولم تمسه شائبة؟». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لا أنكر أن قتيبة هو الانتحاري، ولكن أنا متأكد من أنه كان مخدرا والتفجير جرى عن بعد».
من عكار إلى صور، الروايات متشابهة. من العمل في الميكانيك واللعب مع الأطفال في الأزقة إلى انتحاري. عدنان موسى محمد، أحد انتحاريي تفجيري السفارة الإيرانية في بيروت. يلقبه أهله وجيرانه بـ«أبو العقلين» بسبب قصور ذهنه، يبلغ من العمر 23 سنة. لم يكن ناجحا في الدراسة ولا في العلم فنقله والده من مدرسة سبلين الرسمية إلى معهد مهني لتعلم مهنة «الميكانيك»، ومن بعدها بدأ عمله في المدينة الصناعية في صور «ميكانيكي سيارات».
يروي صديق العائلة محمد البقاعي لـ«الشرق الأوسط» كيف عرف أهله بتورطه في التفجيرين. يقول: «بالصدفة رأى والده الرسم التشبيهي للمتهم بتفجير السفارة الإيرانية ووجد تطابقا كبيرا مع وجه ابنه، فتوجه مباشرة إلى قيادة الجيش للتبليغ، وبعد إجراء فحوص الـحمض النووي تبين أن النتيجة متطابقة والرسم يعود إلى عدنان». ويتابع بحزن شديد: «هل تعرفون من هو عدنان؟ عندما تجدون شابا يلعب مع الأولاد ويشتري الشوكولاته وأكياس الفستق ليأكل مثلهم، ويقضي حاجته في زاوية الحي أمام أعين الجميع غير مبال بمن ينظر إليه، فاعلموا أن هذا الشاب هو الانتحاري عدنان».
فقر عائلته المؤلفة من سبعة شبان، إضافة إلى الوالد والوالدة، منعها متابعة حالة ابنها عدنان الصحية المتعارف عليها في الحي، فلا أحد يعطي أهمية لكلامه أو أفعاله ويقولون: «بسيط لا عتب عليه». لكن صديق العائلة محمد يقول إن «جماعة متطرفة استطاعت استغلال ضعف عقل عدنان واستخدامه في تفجير السفارة الإيرانية»، مشيرا إلى أنه «اشتبك مع والده وهدد بترك المنزل كما يفعل في كل مرة، فأجابه والده: اذهب الله معك. غير مكترثا بما قاله، ليغادر المنزل ويعود أشلاء رفضت عائلته تسلمها ودفنه».
يؤكد محمد أن «عدنان لم يكن يجيد قيادة السيارة، ومن الواضح أنه تعلمها عن جديد، والدليل أن الدرك عندما طلب منه التوقف على مدخل السفارة توقف وبدا عليه الارتباك، ومن المؤكد أن (معين) أبو ضهر (الانتحاري الثاني) هو من فجر السيارة الأولى، وعاد وفجر نفسه بعد التأكد من نجاح العملية».
بعد تفجير الهرمل الأخير، برز اسم حسن غندور بوصفه «الانتحاري المفترض» وتداولت وسائل الإعلام اسمه وصورته، ليتبين بعد مطابقة فحوص الحمض النووي للأشلاء مع والدته أن النتيجة سلبية. وحسن شاب عشريني وهو طالب في كلية الاقتصاد. «كان يمضي نهاره بلعب كرة القدم التي يعشقها، ويخرج لمقابلة الأصدقاء والأقارب، وهو شخصية محبوبة وطيبة»، بهذه العبارات يصفه بحرقة عمه حيدر. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «منذ سنة ونصف السنة تقريبا بدأت ملامح التطرف والتعصب تظهر على حسن، الذي بات يقصد يوميا المساجد في صيدا، ومن بينها مسجد بلال بن رباح ويستمع إلى تحريضات بعض الشيوخ الطائفية فتحولت أحواله وأصبح يكفر الناس وينعتهم بالتكفيريين».
يشير إلى أن العائلة: «حاولت مرارا ردعه ومنعه من الذهاب إلى الجامع لكننا لم نستطع، لذلك قصدنا مخابرات الجيش وأبلغناهم عن وضعه وطلبنا مساعدتهم لمنعه من الذهاب إلى سوريا، خصوصا أنه طرح الفكرة أمامنا ووالدته رفضت الأمر رفضا قاطعا».
غاب حسن الشاب المرح، كما وصفه أحد أصدقائه، فجأة عن المنزل بحجة نومه لدى صديقه في الجامعة، وبعد مرور أيام على اختفائه اتصل بوالديه ليطمئنهم عليه، وقال لهما: «أنا في تركيا ومن تركيا سأذهب إلى سوريا ولن أعود.. اطمئنوا أنا بخير».
منذ ستة أشهر وهو لا يزال غائبا عن المنزل. لا تعرف عائلته شيئا عنه، وبدأت تعتاد الفكرة وتتقبل الواقع المرير الذي فرضه الابن عليها، وفق كلام العم حيدر، لكن تفجير الهرمل الأخير أعاد المرارة واليأس إلى قلوبهم به؛ نظرا لاختفائه وذهابه للقتال في سوريا. وفي آخر اتصال تلقته الوالدة من ابنها قال لها: «لن أفجر نفسي بأحد».



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.