قتلى يمنيون يُدفنون بلا عزاء خوفاً من بطش الميليشيات

طفل إلى جانب مقاتلين حوثيين آخرين في استعراض مسلح بصنعاء (رويترز)
طفل إلى جانب مقاتلين حوثيين آخرين في استعراض مسلح بصنعاء (رويترز)
TT

قتلى يمنيون يُدفنون بلا عزاء خوفاً من بطش الميليشيات

طفل إلى جانب مقاتلين حوثيين آخرين في استعراض مسلح بصنعاء (رويترز)
طفل إلى جانب مقاتلين حوثيين آخرين في استعراض مسلح بصنعاء (رويترز)

دفعت الانتهاكات اليومية التي تمارسها جماعة الحوثي الانقلابية، المدعومة من إيران، السكان الخاضعين في مناطق سيطرتها إلى إخفاء أنباء مقتل أقاربهم في جبهات القتال إلى جانب القوات الحكومية، خوفاً من بطش الجماعة، بحسب ما أفادت به عائلات في صنعاء وتعز لـ«الشرق الأوسط» تعرضت للموقف نفسه.
وأوضحت المصادر أن أغلب العائلات التي يقتل أحد أقاربها في صفوف القوات الحكومية الشرعية تلجأ إلى إخفاء أنباء مقتله عن الجيران والمعارف من سكان الحي، بينما أصبحت الجثامين تدفن بعيداً عن أقاربهم وفي أماكن مجهولة، ولا يتم استقبال عزاء الأهل والأقارب لمن علم بذلك إلا عبر الهاتف.
وتقول المصادر إن السبب في ذلك هو استمرار الجماعة الحوثية في انتهاكاتها ضد معارضيها وأقاربهم، سواء بالملاحقات والاعتقالات والخطف أو الفصل من الوظيفة والسجن، وغيرها من الانتهاكات غير القانونية، وكذلك خوف العائلات على حياة من تبقى من الأبناء من القتل والاعتقال.
وتتضاعف معاناة اليمنيين - بحسب المصادر - عندما تعلم الجماعة الانقلابية بوفاة أحد سكان المنطقة وهو يقاتل ضدها أو بانضمامه للقتال في صفوف قوات الجيش الحكومي، وتزيد مشاعر الخوف لديهم من أدوات القمع والرعب الذي تمارسه الجماعة الحوثية، ما يجعل كل جار يخفي عن جاره الحقيقة، وفق ما أفاد به شقيق شاب قتل في جبهة مأرب لـ«الشرق الأوسط».
وقال الشاب الثلاثيني، وهو يعيش في منطقة الحوبان شرق تعز (الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي)، وفضَّل الترميز لاسمه بـ«ن. و»، إن «الجماعة تراقب تحركات أهالي الحي الذي نسكنه من خلال المشرفين الحوثيين الذين وضعتهم لمراقبتنا إلى جانب عقال الحارات (أعيان الأحياء)، لذلك تظل تبحث وتسأل عن سبب اختفاء أحد الأشخاص أو سبب سفره إلى صنعاء أو عدن، فإذا اكتشفوا اختفاء أحد الشباب، ومنهم شقيقي المتوفى، يتم إبلاغهم بأنه ذهب للقرية للعمل بالزراعة».
ولفت الشاب إلى أن والده الذي يمتلك دكاناً (محلاً تجارياً) وبقية أفراد الأسرة يعيشون في قلق وخوف كبير منذ مقتل شقيقه قبل عام، ودفنه في مأرب، خشية أن تعرف الجماعة السبب الحقيقي خلف اختفائه.
ورداً على سؤال «الشرق الأوسط» حول كيف يمكن للحوثيين معرفة سبب ومكان الوفاة، ذكر الشاب أن «ميليشيات الحوثي لا تتوقف عن ممارسة انتهاكاتها من تهديد وغيره، وتقوم بإرسال مشرفيها أو جواسيسها إلى صالات العزاء والأفراح لمعرفة كافة التفاصيل عن ذلك العزاء؛ بل وصل الأمر أيضاً إلى جعل حُراس المقابر جواسيس لهم، للكشف عن الجثامين وإعطائهم تقارير بذلك، الأمر الذي جعلنا نرفض دفن جثامين من توفي أثناء القتال في مناطق سيطرة الحوثي؛ حيث لا زلنا نعيش وعائلاتنا فيها».
وفي موازاة ذلك، كشف ضابط متقاعد في الجيش اليمني ينتمي إلى محافظة تعز ويعيش في صنعاء، عن مضايقات تعرض لها من قبل عناصر الميليشيات الحوثية في الحي السكني الذي يقطنه، قائلاً: «تعرضت منذ بداية الانقلاب لمضايقات كثيرة من عناصر الحوثيين، وكانوا دائماً يترددون على منزلي ويسألون الجيران عني، وكل ذلك بسبب خوفهم من أن ألتحق بصفوف قوات الجيش الوطني».
وتحدث الضابط الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» بأن نجله، وهو أب لثلاثة أطفال، توفي في إحدى جبهات القتال في الساحل الغربي لليمن، جنوب الحديدة، أثناء قتاله بجانب قوات الجيش، وأن كل همه كان إنهاء الانقلاب الحوثي.
وأضاف الرجل الستيني الذي يعيش في صنعاء منذ أكثر من ثلاثين عاماً، بالقول: «عندما غادر ابني قبل عامين كان الحوثيون يسألون عنه، وكنا دائماً نردد القول بأنه سافر إلى قريته في الحُجرية بمحافظة تعز، ولكنهم لم يصدقوا ذلك لأنهم يعرفون أنه أحد أفراد القوات المسلحة منذ ما قبل الانقلاب الحوثي، ما جعلهم يشددون رقابتهم علينا».
واختتم حديثه بالقول: «في أبريل (نيسان) الماضي عندما وصلني خبر وفاته لم أستطع الكلام أو الرد حتى على من يسألني، واكتفيت بالسفر أنا وشقيقه الأصغر إلى المخا (غرب تعز) لتشييع جثمانه والعودة بعد دفنه مباشرة، ولم يستطع أخواته أو والدته الذهاب معنا بسبب المضايقات في نقاط التفتيش الحوثية، كوني ضابطاً في الجيش، وحين يتم سؤالنا عنه كنا نقول لهم إنه انتقل للعيش في القرية مع أبنائه وزوجته التي فعلاً أصبحت تعيش مع والدها هناك».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.