البرلمان يقرّ قانون الإثراء غير المشروع... وخلافات ترجئ قانون العفو

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يترأس الجلسة أمس (رويترز)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يترأس الجلسة أمس (رويترز)
TT

البرلمان يقرّ قانون الإثراء غير المشروع... وخلافات ترجئ قانون العفو

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يترأس الجلسة أمس (رويترز)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يترأس الجلسة أمس (رويترز)

أقرّ البرلمان اللبناني، يوم أمس، قانون الإثراء غير المشروع، وما بات يُعرف بـ«الدولار الطالبي»، في الجلسة التشريعية الصباحية، وأرجئ البحث في قانون العفو العام الذي كان مدرجاً على جدول الأعمال إلى الجلسة المسائية، لعدم الاتفاق على صيغته النهائية بين الكتل وتهديد كتلة «التيار الوطني الحر» بمقاطعة الجلسة.
وبعد تأمين النصاب، بحضور 65 نائباً، انطلقت الجلسة على وَقْع اعتصام نفذه أهالي السجناء مطالبين بإقرار العفو العام خاصة، بعد إصابة المئات منهم بفيروس «كورونا». واستهلها رئيس البرلمان نبيه برّي بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والنائب السابق طارق حبشي وأرواح ضحايا انفجار مرفأ بيروت. ومع تعذر التوافق على صيغة نهائية ترضي مختلف الكتل النيابية لاقتراح قانون العفو العام، أعلن عن موافقة بري بناءً لاتصالات أجريت معه من «تكتل لبنان القوي» (الوطني الحر) التي هدّدت بمقاطعة الجلسة، على إرجاء البحث به إلى الجلسة المسائية، وطلب من لجنة مؤلفة من النواب إيلي الفرزلي، وعلي حسن خليل، وهادي حبيش، وآلان عون، وجميل السيد، وإبراهيم الموسوي، وبلال عبد الله، الاجتماع قبل الجلسة المسائية لإيجاد صيغة توافقية نظراً لحساسية الموضوع.
وقال النائب هادي أبو الحسن في اللقاء الديمقراطي الذي يدعم العفو العام: «إننا مع الحرص على الأمن الداخلي لا يجوز أن نرفض قانوناً إنسانياً كهذا».
في المقابل، أعلن النائب فريد الخازن عن موقف تكتل «لبنان القوي» الذي «يعارض قانون العفو وكان لدينا تحفظات من قبل»، فيما سبق لتكتل الجمهورية القوية (حزب القوات اللبنانية) أن أعلن مقاطعة الجلسة لعدم تضمنها القوانين التي تهم الشعب اللبناني في المرحلة الراهنة، بحسب بيان له. كما سبق لـ«كتلة المستقبل» أن أعلنت أنها «لن تسير بمسودة قانون العفو بالصيغة التي ورد فيها والمطروحة ‏في الجلسة».
وفي الجلسة الصباحية، أقر المجلس إلى جانب قانون الإثراء غير المشروع، قانون الدولار الطالبي بمادة وحيدة، بالسماح بإرسال الأهالي لأولادهم الذين يتعلمون في الخارج 10 آلاف دولار في السنة على سعر 1515 ليرة للدولار. وخلال بحث قانون الإثراء غير المشروع، اقترح نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي على برّي رفع الحصانة عن الجميع من دون استثناء، بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً إلى رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب والنواب والوزراء، فكان رد بري: «أنا حاضر في أقرب وقت لعقد جلسة لتعديل الدستور ورفع الحصانات عن الجميع»، مضيفاً: «طالما هناك طائفية وطوائف لا يمكن أن يحصل تقدم في لبنان»، وأكد «لقد سبق وأُوقف وزراء (وأنا من سلّمهم ولا يزايدن أحد)».
وتم إقرار مشروع القانون المتعلق بالإثراء غير المشروع مع إدخال تعديل عليه بناءً لطلب «كتلة المستقبل» قضى بحذف عبارة «رفع الحصانة عن رئيس مجلس الوزراء والوزراء» واستبدال بها عبارة: «يخضع جرم الإثراء غير المشروع لاختصاص القضاء العدلي».
وكان لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي لم يحضر الجلسة لإصابته بفيروس «كورونا»، تعليق على إقرار قانون الإثراء غير المشروع، وكتب على حسابه على «تويتر»: «إخضاع النواب والوزراء وكل الموظفين لقانون الإثراء غير المشروع إنجاز حققه تكتل لبنان القوي في مسار محاسبة كل قائم بخدمة عامة».
ولم يكتمل النصاب في الجلسة المسائية؛ فحدد بري موعداً لجلسة مقبلة في 20 أكتوبر (تشرين الأول)، يتم خلالها انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء بدلاً من النواب المستقيلين. وقال رئيس البرلمان: «سأفتح حينها جلسة تشريعية لإقرار قانون العفو في حال توصّلت اللجنة إلى اتفاق بشأنه. وأضاف: «طرحي كان التخفيف من السجون بعد تفشي «كورونا»، وكان يجب إقرار أي قانون وليس بالضرورة ما كان مطروحاً»، مؤكدا أنه «يمكن تعديل قانون العفو وإعادة البحث به مبدياً خشيته من «الوصول إلى 900 حالة (كورونا) في السجون من دون أن نكون قادرين على معالجة المصابين». وقال النائب علي حسن خليل «قانون العفو العام مستثنى منه الجرائم المرتكبة بحق الجيش والإرهاب الداخلي والخارجي، وكنّا مستعدّين للتعاطي مع النقاش بطريقة إيجابيّة، وما من قانون مثالي ولكن يجب أن يراعي الأوضاع التي تواجهنا على الأرض، لا سيّما موضوع (كورونا)».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.