وزير الدفاع الأميركي يبحث في تونس «تهديدات» التنظيمات المتطرفة

الزيارة تشمل الجزائر والمغرب بهدف «تعزيز العلاقات الوثيقة» في المجال الأمني

الرئيس قيس سعيد خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي في قصر قرطاج أمس (رويترز)
الرئيس قيس سعيد خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي في قصر قرطاج أمس (رويترز)
TT

وزير الدفاع الأميركي يبحث في تونس «تهديدات» التنظيمات المتطرفة

الرئيس قيس سعيد خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي في قصر قرطاج أمس (رويترز)
الرئيس قيس سعيد خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي في قصر قرطاج أمس (رويترز)

بدأ مارك إسبر، وزير الدفاع الأميركي، أمس، جولة إلى دول المغرب العربي، استهلها بزيارة تونس، قبل توجهه إلى الجزائر والمغرب. واعتبرها عدد من المراقبين «فرصة أمام واشنطن لتوطيد علاقاتها العسكرية مع منطقة المغرب العربي»، خاصة في ظل تزايد مخاطر التمدد الإرهابي، وتنافس عدة قوى دولية على تحقيق مكاسب استراتيجية، انطلاقا من الأراضي الليبية، مثل روسيا والصين وتركيا.
ومباشرة بعد وصوله العاصمة التونسية، التقى وزير الدفاع الأميركي الرئيس التونسي قيس سعيد، قبل أن يلقي خطابا في المقبرة العسكرية الأميركية في قرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة)، حيث دفن العسكريون الأميركيون، الذين سقطوا في الأراضي التونسية خلال المواجهات، التي دارت رحاها في تونس إبان الحرب العالمية الثانية.
كما التقى إسبر في جولته الأولى إلى أفريقيا منذ تولّيه حقيبة الدفاع، نظيره التونسي إبراهيم البرتاجي، ووقع معه اتفاقا للتعاون العسكري لمدة 10 سنوات.
وقال مسؤول عسكري أميركي إنّ الهدف من زيارة إسبر إلى تونس هو تعزيز العلاقات مع هذا الحليف «الكبير» في المنطقة، ومناقشة التهديدات التي تشكّلها التنظيمات المتطرفة، بالإضافة إلى «عدم الاستقرار الإقليمي الذي تفاقمه الأنشطة الخبيثة للصين وروسيا في القارة الأفريقية».
ويصل إسبر اليوم (الخميس) إلى الجزائر العاصمة كأول رئيس للبنتاغون يزورها منذ 15 عاماً، حيث سيجري محادثات مع الرئيس عبد المجيد تبّون، الذي يشغل أيضاً منصبي قائد القوات المسلّحة ووزير الدفاع. وينهي الوزير الأميركي جولته المغاربية غدا الجمعة في الرباط، حيث سيناقش مع المسؤولين المغاربة سبل «تعزيز العلاقات الوثيقة» في المجال الأمني مع المغرب.
وتكتسي زيارة إسبر إلى تونس أبعادا إقليمية وأمنية مهمة، نظرا لطبيعة الزيارة التي ستشمل أيضا الجزائر والمغرب، ولأنها ستخصص محطاتها الثلاث للتباحث والتشاور حول التصدي لتمدد التنظميات الإرهابية في شمال أفريقيا، ومناقشة الأزمة الليبية التي باتت منطقة جذب قوية لبعض التنظيمات المتطرفة.
كما تأتي زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى بلدان المغرب العربي أسابيع قليلة، بعد زيارة سابقة لقائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إلى العاصمة التونسية، توقف فيها أيضا في الجزائر والمغرب، وهو ما يؤكد تزايد اهتمام الجانب الأميركي ببلدان المغرب العربي الثلاثة، وتركيزه على دور هذه البلدان في مكافحة التنظيمات الإرهابية بصفة مشتركة.
ووفق عدد من الخبراء العسكريين التونسيين، وفي مقدمتهم علي الزرمديني وفيصل الشريف وعلية العلاني، فإن الهدف من زيارة إسبر إلى تونس هو تعزيز العلاقات مع هذا «الحليف الكبير» في المنطقة، ومناقشة التهديدات التي باتت تشكلها التنظيمات المتطرفة في شمال أفريقيا، وعلى رأسها «تنظيم داعش» و«القاعدة» الإرهابيان. واعتبرت هذه المصادر أن الوجود الروسي في ليبيا سيكون محور مباحثات الوزير الأميركي مع المسؤولين في كل من تونس والجزائر والمغرب.
علما بأن تونس تتمتع بوضع «حليف أساسي» للولايات المتحدة الأميركية من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ سنة 2015 وهذا الامتياز يمنحها الحصول على تدريبات عسكرية متطورة، والقروض لشراء معدات للبحث والتطوير، وشحنات عسكرية دفاعية.
وفي هذا السياق صرح السفير الأميركي لدى تونس، دونالد بلوم، إثر لقائه مع وزير الدفاع التونسي، إبراهيم البرتاجي، أن الإدارة الأميركية «ملتزمة بتقديم الدعم لتونس في مجالات التكوين والتدريب والمساعدة الفنية، بما يساهم في تعزيز بناء القدرات العملياتية للمؤسسة العسكرية التونسية». وأضاف البرتاجي موضحا أن الولايات المتحدة الأميركية «شريك أساسي متميز في مجال التعاون العسكري في ميادين التكوين والتدريب والاستعلام ودعم التجهيزات». مبرزا أن هناك إمكانية لأن تساهم الولايات المتحدة الأميركية في إنجاز القسط الثالث من نظام المراقبة المتحركة والثابتة في الحدود البحرية والبرية، ليشمل هذا النظام كامل الحدود الجنوبية الشرقية، باعتبارها تمثل الحدود المشتركة مع ليبيا المجاورة.
في السياق ذاته، أوضح علي الزرمديني، الخبير الأمني التونسي، أن الملف الليبي أصبح محور صراع حقيقي ومتسارع بين مختلف الأطراف الدولية في الوقت الحالي، وقال إن الولايات المتحدة الأميركية تسعى من خلال هذه الزيارة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي وشركائه في بلدان المغرب العربي كي يعملوا على نزع فتيل التوتر في ليبيا، اعتبارا إلى أن الطرف الأميركي غالبا ما مثل الراعي العسكري الأول لدول الاتحاد الأوروبي من خلال مظلة «الناتو». وأضاف المصدر ذاته أن الوجود العسكري الروسي على الأراضي الليبية «بات مزعجا للولايات المتحدة، ولذلك فإنها تعمل على لجم هذه التحركات بنزع فتيل الأزمة هناك»، على حد تعبيره.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».