البعثة الأممية تكشف تفاصيل «التفاهمات» الليبية في الغردقة

تناولت إجراءات للثقة وتبادل المحتجزين... وفتح خطوط المواصلات

TT

البعثة الأممية تكشف تفاصيل «التفاهمات» الليبية في الغردقة

بينما بدأت تركيا أمس نقل عدد كبير من «المرتزقة» الموالين لها من العاصمة الليبية طرابلس إلى أذربيجان، توسعت دائرة الحرب على الفساد داخل أوساط حكومة «الوفاق» لتشمل وزراء ومسؤولين بمختلف الإدارات، في وقت كشفت فيه بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، رسمياً، عن توصل جولة المحادثات الأمنية والعسكرية المباشرة التي عقدت بين الأفرقاء الليبيين بمدينة الغردقة المصرية، لمجموعة من «التوصيات المهمة».
وتواردت تقارير عن رصد مواقع متخصصة في تعقب حركة الطيران وصول طائرة مدنية ليبية، تابعة لشركة «البراق»، يعتقد أنها نقلت «مرتزقة سوريين» موالين لتركيا من مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، إلى مطار باكو بعاصمة أذربيجان في رحلة غير مجدولة. وقالت مصادر محلية في طرابلس، وفقاً لوسائل إعلام محلية أمس، إن «تركيا دشنت جسراً جوياً لنقل المرتزقة، عبر الاستعانة بطائرات تمتلكها شركات ليبية، بعضها تابع لحكومة (الوفاق) وجماعة (الإخوان)».
في غضون ذلك، أوضحت البعثة الأممية لدى ليبيا أن «محادثات الغردقة التي سادتها روح المسؤولية والشفافية والثقة المتبادلة بين وفدين، يضمان ضباطاً من الجيش والشرطة، ويمثلان حكومة (الوفاق) برئاسة فائز السراج، و(الجيش الوطني) بقيادة المشير خليفة حفتر، على مدى يومين، ناقشت عدداً من القضايا الأمنية والعسكرية الملحة، ومنها تدابير بناء الثقة، وفتح خطوط المواصلات، والترتيبات الأمنية في المنطقة التي سوف تحدد في المرحلة المقبلة على ضوء اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)».
وبحسب بيان للبعثة، صدر ليلة أول من أمس، فقد أوصى المشاركون بـ«الإسراع بعقد اجتماعات هذه اللجنة بلقاءات مباشرة خلال الأسبوع القادم، والإفراج الفوري عن كل المحتجزين على الهوية، من دون أي شروط أو قيود، واتخاذ التدابير العاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية قبل نهاية الشهر الحالي، عبر تشكيل لجان مختصة من الأطراف المعنية».
كما أوصى المشاركون بإيقاف حملات التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية، واستبدال خطاب التسامح والتصالح به، ونبذ العنف والإرهاب، والإسراع بفتح خطوط المواصلات الجوية والبرية، بما يضمن حرية التنقل للمواطنين بين كافة المدن الليبية. كما درس المجتمعون الترتيبات الأمنية للمنطقة التي سوف تحدد في المرحلة المقبلة على ضوء اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وأوصوا بأهمية إحالة موضوع مهام ومسؤوليات حرس المنشآت النفطية إلى اللجنة، وإعطائه الأولوية لغرض تقييم الموقف من جميع جوانبه ودراسته، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان انتظام عملية الإنتاج والتصدير. وبعدما عبَّرت عن امتنانها الصادق للحكومة المصرية على جهودها في تسهيل انعقاد هذه الجولة المهمة من المحادثات الليبية، وجهود أعضاء الوفدين، رحبت البعثة الأممية بالنتائج التي تم التوصل إليها، وأعربت عن أملها في أن يسهم هذا التطور الإيجابي في تمهيد الطريق أمام الأطراف الليبية نحو الاتفاق على وقف نهائي، ودائم لإطلاق النار في وقت قريب.
في سياق ذلك، قال بيان لرئيس الحكومة البريطانية، إنه ناقش هاتفياً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء أول من أمس، مخاوفهما بشأن الأزمة في ليبيا، بالإضافة إلى أهمية العمل معاً لمعالجة الوضع.
بدوره، قال السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في بيان مقتضب عبر موقع «تويتر»، إن «محادثات مصر هي دليل على نجاح العملية التي تيسرها الأمم المتحدة».
في السياق ذاته، التحق خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، بوفده المشارك في الجولة الثانية من الحوار الليبي، المزمع انطلاقها في مدينة بوزنيقة المغربية، تزامناً مع وصول وفد مجلس النواب بعد تأجيل عدة أيام لأسباب وصفت بأنها «لوجيستية»، وذلك بهدف استكمال التفاوض حول شروط ومعايير تولي المناصب السيادية.
لكن ميليشيات مصراتة المسلحة، الموالية لحكومة «الوفاق» والموجودة في بوقرين، استبقت نتائج هذه الاجتماعات بإعلان رفضها لها: «ما لم يكن فيها من يمثلها وباختيارها المباشر»، واتهمت في بيان لها «بعض الساسة الذين يدَّعون تمثيل الليبيين والتحدث باسمهم، من أجل استمرار الجلوس على الكراسي والظفر بالمناصب»، محذرة بشدة «كل من يريد العبث والتلاعب بمصير الليبيين لأهدافه الشخصية، أو الحزبية أو القبلية أو الجهوية»، وهددت بإمكانية تدخلها عسكرياً بقولها: «نؤكد أننا على استعداد تام، وجاهزية كاملة لتقديم أرواحنا ودمائنا وفاء لشهدائنا».
في المقابل، اتسعت دائرة الحرب على الفساد في أوساط حكومة «الوفاق» لتشمل وزراء ومسؤولين في مختلف الإدارات؛ حيث استدعى مكتب النائب العام وزيري العمل والمالية للتحقيق في اتهامات بالفساد، تتعلق بملف الاعتمادات المالية للحكومة، على أثر ورود مذكرة من هيئة مكافحة الفساد بهذا الشأن.
كما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر بجهاز الاستخبارات الموالي للحكومة، أنه تم القبض على ثلاثة مسؤولين بشركة الكهرباء العامة، بتعليمات من النائب العام.
وعلى مدى اليومين الماضيين اعتقلت السلطات الأمنية عدداً من مسؤولي مختلف الإدارات الحكومية بتهمة «اختلاس أموال عامة وتلاعب في ميزانية الدولة».
وكان النائب العام قد أمر بحبس وزير الحكم المحلي ميلاد الطاهر، ووكيل وزارته، بالإضافة إلى وكيل وزارة التعليم ومدير إدارة الحسابات بوزارة المالية، إلى جانب استدعاء المراقب المالي للهيئة العامة للمناطق الصناعية، وتكليف البحث الجنائي بالتحفظ على مدير مستشفى سبها. كما تم استدعاء رئيس الهيئة العامة للأوقاف وشؤون المساجد، وحبس رئيس لجنة تخريد السيارات بوزارة المواصلات، بعد يومين فقط من حبس رئيس بلدية بني وليد لاتهامه بتبديد 3 ملايين دينار مخصصة للنازحين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».