«السلفية اللبنانية».. اعتقالات بالجملة ومشهد مرتبك

ظهرت كردود فعل على تدخل «حزب الله» للقتال في أماكن الصراع ضد السنة

«السلفية اللبنانية».. اعتقالات بالجملة ومشهد مرتبك
TT

«السلفية اللبنانية».. اعتقالات بالجملة ومشهد مرتبك

«السلفية اللبنانية».. اعتقالات بالجملة ومشهد مرتبك

نجح الجيش اللبناني في تفكيك الكثير من الخلايا الإرهابية إن كانت لبنانية سورية أو ضمن المجموعات السلفية في لبنان. هذه السلسلة من الاعتقالات وضعت حدا، أقله في الوقت الراهن، لموجة الهجمات الإرهابية التي ضربت لبنان في السنوات الماضية، غير أن هروب أو اختفاء بعض القيادات التقليدية من المشهد السلفي يترك فراغا يمكن أن تستغله جهات راديكالية مرتبطة بالصراع السوري.
«الصيد الثمين» في سلسلة التوقيفات هذه تمثل في إلقاء القبض على سجى الدليمي، الزوجة السابقة لقائد «داعش» أبو بكر البغدادي والمتهمة بتورطها في هجمات إرهابية. ووفقا لصحيفة «السفير» اللبنانية، تبين أنه بعد أيام قليلة من معارك عرسال في أغسطس (آب) الماضي إثر توقيف عماد جمعة، تلقت طليقة أبو بكر البغدادي أمرا بمغادرة عرسال والانتقال إلى «مكان آمن» في الشمال اللبناني. وبعد فترة زمنية أوقف الجيش اللبناني شخصا بتهمة ارتباطه بمجموعات إرهابية، اعترف أثناء التحقيق معه بوجود امرأة في الشمال تتنقل بين الضنية ومخيم نهر البارد وطرابلس والبقاع وصيدا ومخيم عين الحلوة مهمتها تمويل خلايا إرهابية نائمة في أكثر من منطقة لبنانية. وبعد عملية رصد دقيقة جدا، تمكنت استخبارات الجيش من تحديد موقعها وتوقيف الدليمي، التي كانت تحمل هوية سورية مزورة، ومعها سائقها الفلسطيني، وطفلتها «هاجر» التي يتردد أنها ابنة البغدادي.
وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) تمكنت عناصر المخابرات في الجيش اللبناني من اعتقال متورط آخر في الحركات الجهادية، يدعى محمود أحمد أبو عباس في مجدل عنجر، في البقاع. ساهم عباس في نقل انتحاريين وسيارات مفخخة من القلمون السوري إلى لبنان، وكان ضالعا في عملية اغتيال الوزير محمد شطح الذي ينتمي إلى «تيار المستقبل»، وفقا لقناة «المنار» وقناة «الميادين»، المحطتين التلفزيونيتين المقربتين من «حزب الله».
وقد أوضح مصدر سلفي تحدث لـ«الشرق الأوسط» شرط عدم الكشف عن هويته أن «أبو عباس شاب هادئ وقع تحت تأثير بعض الشخصيات الجهادية من مجدل عنجر».
وهذه ليست المرة الأولى التي يحتل فيها اسم مجدل عنجر عناوين الصحف اللبنانية، البلدة الصغيرة الواقعة في وادي البقاع والمتاخمة للحدود السورية. ففي عام 2000 اختفى عشرات من الشباب من مجدل عنجر تبين لاحقا أنهم توجهوا «للجهاد في بلاد الرافدين ضد الغزو الأميركي» بمباركة أجهزة المخابرات السورية وبالتنسيق مع «أبو مصعب الزرقاوي»، الأب الروحي لـ«داعش» الذي كان يقود في ذلك الوقت ما عرف بـ«تنظيم القاعدة في العراق».
وفي عام 2011 شهدت البلدة اشتباكا بين المؤهل في فرع المعلومات اللبناني راشد صبري، ودرويش خنجر أحد أبرز المطلوبين من الأجهزة الأمنية والعسكرية في منطقة البقاع المتورط بقتل عناصر من الجيش اللبناني والمشاركة في عملية خطف الأستونيين السبعة. وقد انتهت الاشتباكات باستشهاد المؤهل صبري بعد إصابته بأكثر من 20 طلقا ناريا، بينما فارق خنجر الحياة جراء رصاصة في الصدر.
فضلا عن ذلك، تم في عام 2012 إطلاق الكثير من الدعوات إلى الجهاد في مجدل عنجر والقرى المجاورة الأخرى مثل كامد لوز.
ويشير المصدر «السلفي» إلى أن اعتقال أبو عباس جاء ليؤكد أن «الجهاديين القدامى الذين قاتلوا في العراق باتوا مثالا يحتذي به قسم كبير من الجيل الشاب السني الذي يتباهى بدعمه للدولة الإسلامية، والذي يجري استقطابه بسبب سهولة التواصل مع الحركات الراديكالية. هذا وقد ساهم توسع نفوذ تنظيم داعش في سوريا والعراق وتشكيل تحالف دولي لمحاربته في تأجيج النزعة السلفية لدى الشباب في مجدل عنجر». وليست مجدل عنجر البلدة السنية الوحيدة التي طالتها موجة الاعتقالات، إذ شهدت منطقة عكار وطرابلس، معقل السلفيين في لبنان، سلسلة مماثلة من عمليات الدهم والاعتقال. وبدأت القوى الأمنية بتنفيذ هذه العمليات إثر الاشتباكات التي وقعت مؤخرا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) بين الجيش اللبناني ومجموعة شادي المولوي المتهم بارتباطه بحركات جهادية متطرفة في سوريا، بما في ذلك جبهة النصرة والدولة الإسلامية.
وامتدت المواجهات إلى بلدة بحنين في منطقة المنية في الشمال، حيث نفذت القوى الأمنية عملية عسكرية ضد جماعة الشيخ خالد حبلص، بعد الكمين الذي نصب لدورية للجيش وأوقع عددا من الشهداء والجرحى. ولا يزال خالد حبلص وشادي المولوي الملاحقين أمنيا متوارين عن الأنظار حتى الآن.
فضلا عن ذلك، تم توقيف عدد من الشخصيات السلفية كالشيخ عمر بكري وحسام الصباغ الذي يرأس مجموعة جهادية، وجعفر الشهال، نجل الزعيم السلفي الشيخ داعي الإسلام الشهال، وأودعوا في السجن.
وتشير هذه الأحداث كلها إلى «تنامي الفكر السلفي المتطرف لدى الشباب بعدما فقدت السلفية التقليدية مصداقيتها، إذ اعتبرت منحازة إلى الدولة وإلى القضاء اللبناني الذي يلاحق المسلحين السنّة، بينما يغض النظر عن عناصر (حزب الله) ويسمح بتنقلهم بحرية بين لبنان وسوريا للقتال (إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد)»، كما يقول المصدر السلفي.
وفي الوقت الذي يقر المصدر بأن الكثير من عمليات الاعتقال مبررة ويرى أنه «من الواجب توقيف كل من له يد بالهجمات الإرهابية التي استهدفت الجيش اللبناني بشكل خاص»، يعتبر أن «الأحكام التي صدرت بحق بعض منهم هي قاسية، لا سيما أن الذين شجعوهم على حمل الأسلحة في بادئ الأمر هم رجال السياسة أنفسهم». وفي السياق نفسه، يعتبر الشيخ نبيل رحيم عضو هيئة العلماء المسلمين أن «العواقب التي قد تنشأ عن الشعور بالظلم والغبن لا شك ستظهر على المدى البعيد».
ويضيف المصدر أن السلفيين عامة باتوا موضع شك لدى الأجهزة الأمنية من دون تمييز بين مختلف المدارس الفكرية، إذ في لبنان 3 تيارات سلفية: أولا التيار السلفي التقليدي غير السياسي الذي يسعى إلى توحيد المسلمين تحت راية الإسلام النقي، والمصلحين الذين لهم نشاط سياسي والجهاديين الذين يمثلون أقلية داخل المجتمع. لذلك فإن «بعض الملاحقات كتلك التي طالت الشيخ داعي الإسلام الشهال (المرجعية السلفية الأبرز في لبنان) ستؤدي إلى نتائج عكسية على الساحة اللبنانية»، على حد قول المصدر السلفي.
يذكر أن القضاء اللبناني كان قد سطر مذكرة توقيف بحق الشهال وبحق الشيخ بلال دقماق على خلفية مخزن السلاح العائد للشهال، الذي جرى ضبطه في منزل دقماق، والاثنان اليوم باتا خارج البلاد.
وفي السياق نفسه، يشير الشيخ عدنان امامة، الناطق باسم هيئة العلماء المسلمين، إلى أن «الشارع السني تململ من ازدواجية المواقف وسياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها الدولة اللبنانية بين السنّة و(حزب الله)».
وعلى الرغم من أن الإعلان عن إعادة فتح قنوات التواصل بين «حزب الله» وتيار المستقبل، الممثل الأساسي للشارع السني، قد يساهم في تنفيس الاحتقان الطائفي الذي يخيم على الساحة اللبنانية والذي تؤججه صراعات المنطقة، إلا أن هروب أو اعتقال شخصيات سلفية وإسلامية معتدلة قد يكون له عواقب وخيمة في الداخل اللبناني. خطر سيتعاظم جراء تنامي الحراك المتطرف لدى الشباب السني سواء في البقاع أو طرابلس وانجذابه إلى تنظيمات على غرار «داعش»، «ناهيك بأن الفراغ الذي ستخلفه شخصيات سلفية معتدلة قد تستغله تيارات ومشيخة أكثر راديكالية»، وفق الشيخ رحيم.

* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري لـ«الشرق الأوسط»



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».