مشروع قانون يحجز 50 % من شواغر الوظائف لذوي القتلى في الجيش النظامي

النظام يحافظ على حاضنته الشعبية

رجال من أهالي مدينة دوما القريبة من دمشق يتحققون من خسائر نتجت عن إلقاء برميل متفجر من قبل قوات النظام قبل يومين (رويترز)
رجال من أهالي مدينة دوما القريبة من دمشق يتحققون من خسائر نتجت عن إلقاء برميل متفجر من قبل قوات النظام قبل يومين (رويترز)
TT

مشروع قانون يحجز 50 % من شواغر الوظائف لذوي القتلى في الجيش النظامي

رجال من أهالي مدينة دوما القريبة من دمشق يتحققون من خسائر نتجت عن إلقاء برميل متفجر من قبل قوات النظام قبل يومين (رويترز)
رجال من أهالي مدينة دوما القريبة من دمشق يتحققون من خسائر نتجت عن إلقاء برميل متفجر من قبل قوات النظام قبل يومين (رويترز)

يستمر النظام السوري في محاولات احتواء مؤيديه من العائلات وأهالي القتلى من قواته واللجان الشعبية، الذين سقطوا أثناء قتالهم في المعارك إلى جانب النظام، وذلك من خلال تقديم بعض الامتيازات الخاصة لأسرهم، وأهمها منح من أطلق عليهم تسمية «ذوي الشهداء» وظائف وعقود عمل ضمن مؤسسات القطاع العام في الدولة، كتعويض للأسرة التي فقدت معيلها في الحرب الدائرة داخل سوريا.
ويأتي الإجراء الصادر عن الرئاسة السورية في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي في هذا السياق، والرامي إلى احتواء الحاضنة الشعبية للنظام ومنعها من الخروج عنه، حيث أحال الرئيس السوري بشار الأسد إلى مجلس الشعب السوري قانونا يقضي بحجز نسبة 50 في المائة من الشواغر المراد ملؤها بموجب المسابقات والاختبارات التي تجريها الجهات العامة والوزارات بتخصيص لذوي القتلى في الجيش النظامي.
وذكر المحامي ياسر السليم، لـ«الشرق الأوسط»، أن النظام يريد من خلال هذا الإجراء وضع تلك الامتيازات في إطار قانوني عبر تشريعه من قبل مجلس الشعب الذي لا يملك عادة خيار رفض المراسيم المحالة إليه بهذه الطريقة، كونها صادرة عن رئاسة الجمهورية من ناحية، وكونها من ناحية أخرى تطالب بتعديل قانون هو موجود في الأصل ولا تحتاج سوى إضافة بعض المواد عليه.
ويرى السليم في القرار الصادر عن الأسد أنه يأتي في سياق التفرقة المقصودة بتمييز مناصريه عن باقي فئات الشعب والتي انتهجها النظام منذ اندلاع الأزمة في عام 2011 والهادفة إلى تصنيف السوريين وفق خانتي «المؤيد الوطني» و«المعارض الخائن». وجرى تكريس ذلك الانقسام من قبل النظام منذ أن أعلن حربه ضد الفئات المعارضة له، وشن عليهم حربه الاقتصادية والمعيشية بحرمانهم من الوظائف وفصلهم منها بالتوازي مع إعلانه حربه العسكرية عليهم.
وكان النظام قد واظب خلال السنوات الأخيرة على منح الوظائف الحكومية لفئة المؤيدين له، مستغلا الفراغ الوظيفي الذي كان يشغله المعارضون المنشقون عنه، أو الذين تم فصلهم بشكل تعسفي بموجب القرارات الصادرة عن القيادات الأمنية والحكومة من دون أي إنذار بحقهم، وأغفلت الأسباب الموجبة بذلك.
وبالتوازي مع ذلك، استمرت السلطة في دمشق في معاقبة الموظفين المعارضين ممن تعرضوا للاعتقال في الفروع الأمنية بعقوبة الفصل من الوظيفة، متجاوزة تلك القوانين التي لا تجيز إصدار عقوبة الفصل من الوظيفة إلا بحالات محددة وردت في قانون العاملين بالدولة، الذي نصّ صراحة على إمكانية إصدار تلك العقوبة، لكنه حصرها في قرار صادر عن رئاسة مجلس الوزراء فقط، حيث كانت تجري تلك الإجراءات ويتم اتخاذها بموجب مذكرات مرفوعة من فروع الأمن إلى المحافظين، الذين يرسلونها بدورهم إلى الإدارات المعنية بموجب قرارات صادرة عنهم، لاتخاذ إجراءات الفصل بحق من يرد اسمه في تلك المذكرات.
وغالبا ما تكون ذريعة الفصل هي الغياب غير المبرر عن الوظيفة لمدة زمنية تزيد على خمسة عشر يوما، وهي المدة التي قضاها الموظف في المعتقل.
ونتيجة ازدياد أعداد القتلى بين صفوف مقاتليه، عمد النظام إلى تخصيص وظائف العقود المؤقتة الموسمية والسنوية والتي كانت تمنح بموجب قرارات من المحافظين أو مديري الدوائر والوظائف التي تصدر في أروقة مكاتب التشغيل إلى ذوي القتلى، في جيش النظام على وجه التحديد، متجاوزا بذلك أحقية الأسبقية في التسجيل أو المؤهلات العلمية لصاحبه الذي ينتظر وظيفته حسب «مكتب الدور» الذي تم التسجيل فيه للحصول على الوظيفة.
وترى مصادر في المعارضة السورية أن النظام يقوم كل فترة زمنية بالإعلان عن وظائف أو فرص لتلك الفئة المستهدفة بالوظائف من قبله، خاصة بعد التململ الكبير الذي تعيشه فئة أهالي ضحايا الجيش الذين كان لازدياد أعدادهم سبب في إحداث حالة من السخط على النظام من قبل أهاليهم، معتبرين أن النظام فرّط في دمائهم خاصة في المعارك التي خاضها ضد تنظيم داعش في الرقة ومطار دير الزور، والتي أثبتت كيف أن النظام قام بتقديم جنوده على مذبح «داعش».
ويأتي القرار الأخير قبيل إجراء عدد من الوزارات اختبارات توظيف كانت قد أعلنت عنها سابقا، ومنها البنك المركزي والمعهد العالي للقضاء، ويسعى النظام من خلال إصداره لهذا القانون في هذا الوقت إلى وضع تلك الامتيازات الممنوحة لمنسوبيه في إطار تشريعي يمكنهم من الحصول على وظائفهم من المسابقات المنتظرة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.