هل حان الوقت ليمتلك «الذكاء الصناعي» قدرة على التخيُّل؟

باحثون من «كاوست» و «سنترال فلوريدا» يطورون خوارزمية تحاكي الإبداع البشري

تطوير نظم الذكاء الصناعي لتخيُّل الأشياء غير المُشاهدة من قبل
تطوير نظم الذكاء الصناعي لتخيُّل الأشياء غير المُشاهدة من قبل
TT

هل حان الوقت ليمتلك «الذكاء الصناعي» قدرة على التخيُّل؟

تطوير نظم الذكاء الصناعي لتخيُّل الأشياء غير المُشاهدة من قبل
تطوير نظم الذكاء الصناعي لتخيُّل الأشياء غير المُشاهدة من قبل

لم يعد مفهوم الذكاء الصناعي يقتصر على آلات يمكنها أن تتحدث أو تفكر، ولكنه أصبح قادراً الآن على الاستنتاج وتحويل الكلمات إلى صور، بفضل خوارزمية متطوّرة تجعله يميّز أشياء غير مشاهدة من قبل عن الأوصاف المكتوبة يمكن أن تساعد أو تمنح الذكاء الصناعي القدرة على «التخيُّل».

تخيّل صناعي
هذه الخوارزمية - التي طوّرها الدكتور محمد الحسيني، أستاذ علوم الحاسب الآلي المساعد بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، بالتعاون مع الدكتور محمد الفقي من جامعة سنترال فلوريدا - تُمهّد الطريق أمام «التخيُّل الصناعي» والتصنيف الآلي للأنواع النباتية والحيوانية الجديدة.
يوضح الحسيني: «يعد التخيُّل أحد أبرز خصائص الذكاء البشري التي تمكّننا ليس فقط من إنشاء منتجات إبداعية مثل الفن والموسيقى، بل وتساعدنا على فهم واستيعاب العالم المرئي أيضاً».
ويعتمد الذكاء الصناعي على بيانات تدريبية لتطوير قدرته في التعرُّف على الأشياء والاستجابة لبيئته. يكتسب البشر هذه القدرة أيضاً بالخبرة المتراكمة، ولكن البشر يستطيعون فعل شيء لا يستطيع الذكاء الصناعي أن يفعله؛ إذ يمكنهم - بديهياً - استنتاج التصنيف المحتمل لشيء لم يصادفوه من قبل، بتخيُّل كيف سيبدو هذا الشيء من وصف مكتوب عنه أو عن طريق الاستدلال من شيء مشابه.
وفي الذكاء الصناعي، تزداد حالياً أهمية هذه القدرة على تخيُّل الأشياء غير المُشاهدة من قبل مع طرح تلك التكنولوجيا في تطبيقات واقعية معقدة، إذ يمكن أن يكون للتصنيف أو التعرف الخاطئ على الأشياء الجديدة عواقب كارثية.

تعلّم بلا صور
لكن الحجم الهائل للبيانات اللازمة لتدريب الذكاء الصناعي على تطبيقات العالم الواقعي يعدّ عقبة، فليس من المجدي تدريبه على صورٍ لجزء ضئيل من الأنواع النباتية والحيوانية المعروفة في العالم، ناهيك بالأنواع غير المُكتشفة أو غير المُصنّفة التي لا تُعد ولا تُحصى.لذلك تهدف أبحاث الحسيني والفقي إلى تطوير ما يُسمى «خوارزمية التعلّم دون صور» (ZSL) للمساعدة في التعرف على الأشياء غير المشاهدة من قبل، وفقاً لأوصاف على مستوى الفئات دون توافر أمثلة تدريبية.
يقول الحسيني: «صممنا نموذج عملية التعلم المرئي للفئات «غير المشاهدة من قبل» بربط خوارزمية التعلم دون صور بالإبداع البشري، مع ملاحظة أن الخوارزمية تقوم على التعرف على الأشياء غير المُشاهدة من قبل في حين أن الإبداع يتعلق بإنشاء «شيء مُحبب لم يُرَ من قبل».
في الإبداع، يجب أن يكون الشيء الجديد - الممتع أو «المحبب» - مختلفاً عن الطريقة أو البراعة الفنية لما سبقه، ولكن ليس مختلفاً تماماً فيتعذر التعرّف عليه. وبالطريقة نفسها، صمم الحسيني والفقي بعناية نموذجاً لإشارة تعلّم تشجّع على الاختلاف عن الأصناف المُشاهدة من قبل، ولكن دون مبالغة، حتى لا تجعل الفئات المتخيلة غير واقعية وتفقد الرابط المعرفي بالأصناف المُشاهدة من قبل. أظهرت الخوارزمية الناتجة تحسناً ثابتاً بالقياس على أحدث المعايير المرجعية لخوارزميات التعلم دون صور.
يضيف الحسيني: «أحد التطبيقات الممكنة لنهجنا هو التعرّف على الأنواع غير المُشاهدة من قبل. ويمكن أن يساعد الذكاء الصناعي المدعوم بهذه التقنية على الإفادة بمشاهدات الأنواع دون استخدام صور، باستخدام أوصاف لغوية فقط». ويرى بعض العلماء حول العالم أن الخيال هو الذي يقف وراء قدرة الإنسان على الإبداع، والإبداع هو الذي ساعد البشرية على التطوّر منذ أقدم العصور، ويبدو أن الذكاء الصناعي أيضاً سيكون محتاجاً لامتلاك القدرة على التخيل أيضاً من أجل أن يتطور.



«محاصيل ذكية مناخياً»... استراتيجية علمية لتحقيق أعلى إنتاجية

الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
TT

«محاصيل ذكية مناخياً»... استراتيجية علمية لتحقيق أعلى إنتاجية

الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)
الدكتور كاو شو وفريقه يفحصون ثمار الطماطم التي خضعت للتعديل الجيني ضمن الإستراتيجية الجديدة (الأكاديمية الصينية للعلوم)

بحلول عام 2050، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة، ما يتطلب زيادة في إنتاجية المحاصيل الزراعية بنسبة 60 في المائة، لتلبية احتياجات الغذاء. ومع ذلك، فإن الإنتاج الحالي لا يكفي، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا العجز بسبب الضغوط الناتجة عن تغير المناخ.

على سبيل المثال، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين خلال موسم النمو إلى انخفاض في الإنتاجية يصل إلى 13 في المائة. لذا، يركز العلماء حالياً على تطوير محاصيل «ذكية مناخياً» قادرة على تحقيق إنتاجية أعلى في الظروف الطبيعية، مع الحفاظ على إنتاجية مستقرة تحت ضغوط الحرارة.

وفي خطوة نحو تحسين إنتاج المحاصيل في ظل الظروف المناخية المتغيرة، عمل علماء في الصين على تحسين أدوات التعديل الجيني لتطوير استراتيجية جديدة تعزز خصائص نمو وتطور النباتات.

وطوَّر فريق من معهد علم الوراثة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم استراتيجية تعتمد على تعديل جين، يلعب دوراً حاسماً في تنظيم آلية طبيعية في النباتات، تؤثر بشكل كبير على إنتاجية النبات وحلاوة الثمار وجودة الحبوب. ونُشرت نتائج الدراسة في عدد 15 ديسمبر (كانون الأول) الماضي من دورية «Cell».

«المصدَر والمستقبِل»

تحتاج النباتات إلى المياه والعناصر الغذائية والضوء لتنمو؛ حيث يعتمد كل جزء منها على هذه المكونات الأساسية. فالجذور تتطلب طاقة من عملية التمثيل الضوئي لامتصاص المياه والعناصر الغذائية من التربة، بينما تحتاج الأوراق للمياه والعناصر الغذائية التي تمتصها الجذور لتقوم بعملية التمثيل الضوئي، وتصنيع الغلوكوز الذي يعد المصدر الأساسي للطاقة في النبات.

وتُمتص هذه الموارد وتُنتَج في أماكن مختلفة داخل النبات، ما يتطلب نظاماً معقداً لنقلها بين الأماكن التي تُنتج أو تُستخدم فيها.

ويستخدم العلماء مصطلحَي «المصدَر» (Source) و«المستقبِل» (Sink) لوصف هذه العمليات؛ حيث يكون «المصدر» هو المكان الذي يتم فيه امتصاص أو إنتاج الموارد اللازمة لنمو النباتات، بينما «المستقبِل» هو المكان الذي تُستخدم فيه هذه الموارد. ويحدد التوازن في هذه العملية قدرة النباتات على النمو والإثمار.

ومع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، تتعرض هذه العمليات الحيوية للخطر، ما يؤدي لتدهور إنتاجية وجودة المحاصيل.

يقول الدكتور كاو شو، الباحث الرئيسي للدراسة في المركز الوطني لبحوث جينات النبات، في معهد علم الوراثة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، إن علاقة «المصدَر والمستقبِل» هي نظرية كلاسيكية عمرها قرن من الزمان؛ لكنها ما زالت تحظى باهتمام مستمر في مجال علم الأحياء النباتية، وتعد مجالاً بحثياً مهماً وصعباً.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن هذه النظرية تركز على إنتاج وتوزيع المركبات الكربونية -مثل السكروز- التي تلعب دوراً محورياً في حياة النباتات، من أعضاء المصدر (كالأوراق) إلى المستقبِل (مثل الجذور والثمار والبذور) التي تخزن أو تستهلك هذه المركبات لتوفير الغذاء والمواد الأساسية للإنسان. وأشار إلى أن تحسين العلاقة بين «المصدَر والمستقبِل» يمكن أن يسهم في زيادة الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المائة.

تعديل جيني

تستند الاستراتيجية الجديدة على تحسين استجابة النباتات للحرارة، من خلال التحكم في توزيع الكربون على الأجزاء المستقبلة للطاقة في النباتات.

وركز الباحثون في دراستهم على جين يُعرف باسم «CWIN»، المسؤول عن تنظيم العلاقة بين «المصدَر» و«المستقبِل» في النبات. وعند تعرض النبات للإجهاد الحراري، ينخفض نشاط هذا الجين، ما يؤدي إلى فقدان التوازن بين «المصدر» و«المستقبل»، ويقلل توزيع الكربون على الثمار، ما يؤثر سلباً على نمو وجودة وإنتاجية المحاصيل.

ولحل هذه المشكلة، أجرى الفريق تعديلاً للجين، عن طريق إدخال تسلسل جيني خاص يتفاعل مع درجات الحرارة المرتفعة، في أصناف الأرز والطماطم، باستخدام تقنيات التحرير الجيني المتطورة.

وأوضح شو أن هذا التعديل يساعد على تنشيط التعبير عن الجين عند التعرض للحرارة العالية، ما يضمن استقرار تدفق الكربون إلى الثمار، ويعزز الإنتاجية. كما يعزز التعديل توزيع الكربون على الثمار في الظروف الطبيعية، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية.

وأظهرت الاختبارات المتعددة على الطماطم أن هذه الاستراتيجية زادت المحصول بنسبة تصل إلى 47 في المائة في الظروف العادية، وبنسبة 33 في المائة تحت الإجهاد الحراري. كما حسَّنت جودة الثمار من حيث توحيد الحجم ونسبة الحلاوة.

وطبَّق فريق البحث الأسلوب نفسه على الأرز، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية بنسبة 13 في المائة في الظروف العادية، و25 في المائة تحت الإجهاد الحراري، ما ساهم بشكل كبير في تعويض خسائر الإنتاج الناتجة عن الحرارة العالية.

وفق شو، فإن الاستراتيجية الجديدة تعتمد على مجموعة شاملة من تقنيات التحرير الجيني لتحسين المحاصيل وتقييم الإنتاجية، ما يمهد الطريق لتطوير محاصيل ذكية مناخياً تحقق إنتاجية عالية في الظروف الطبيعية، وتقلل من خسائر الإنتاج تحت ظروف الإجهاد المختلفة. وطُبقت هذه الاستراتيجية أيضاً على محاصيل مثل فول الصويا والقمح والذرة.