«المسرح الأفريقي المعاصر» فنون أدائية تلعب على الحكي والتراث الشفهي

«المسرح الأفريقي المعاصر» فنون أدائية تلعب على الحكي والتراث الشفهي
TT

«المسرح الأفريقي المعاصر» فنون أدائية تلعب على الحكي والتراث الشفهي

«المسرح الأفريقي المعاصر» فنون أدائية تلعب على الحكي والتراث الشفهي

كيف يقوم كتاب المسرح الأفارقة المعاصرون بـ«أفرقة» التقنيات أو المسرحيات الغربية؟ ولماذا يستخدمون لغات متعددة في النص الواحد؟ وكيف يمكن للمسرح أن يسهم في التنمية السياسية والاجتماعية في بلدانهم، ودوره في مقاومة الاستعمار، ومدى بروز العناصر الشعبية والتقليدية في فضائه؟
حول هذه الأسئلة وغيرها دارت فصول كتاب «المسرح الأفريقي المعاصر» الذي صدر حديثاً ضمن مطبوعات هيئة الكتاب المصرية، وقامت مؤلفته الباحثة المصرية الدكتورة أسماء يحيى الطاهر بتحليل بنية المسرحيات الأفريقية المعاصرة التي تنبني على الفنون الأدائية، وتستمد وتستلهم نصوصها من التراث الأفريقي الشفهي.
ينقسم الكتاب إلى مدخل نظري يتناول الشفهية التي تعد المصدر الأساسي للفنون الأدائية الأفريقية، وتصنيفها، إضافة إلى تطور المسرح الأفريقي من الدراما الطقسية التقليدية إلى المسرح المعاصر، مروراً بالمسرح الشعبي والمسرح التنموي. وجاء الباب الأول بعنوان «العروض الأدائية الدينية في المسرح الأفريقي المعاصر»، وقسمته الباحثة إلى فصلين؛ الأول «الصياغة الدرامية للعروض الدينية الأفريقية»، والثاني «المسرحيات الأفريقية الدينية/ السياسية الساخرة». أما الباب الثاني فكان عنوانه «الصياغة الدرامية للفنون السردية في المسرح الأفريقي المعاصر»، وجاء في أربعة فصول؛ هي «الصياغة الدرامية للملحمة في أفريقيا»، و«الصياغة الدرامية لعروض آنانسى... حكايات المحتال»، و«إعادة سرد الحكايات الشعبية»، و«مسرحيات الشهادة السردية». ومن أجل الإجابة عن الشق الخاص بكيف تمت استعارة تلك الفنون الأدائية ومواءمتها وتكييفها للسياق المسرحي؛ قامت الباحثة بدراسة وتحليل بنية 11 مسرحية تنتمي لمختلف أطراف القارة الأربعة، من غانا ونيجيريا في الغرب، ومصر في الشمال، وكينيا وأوغندا في الشرق، فضلاً عن جنوب أفريقيا، وهي مسرحيات ينتمي زمن كتابتها لمرحلة ما بعد الاستعمار، وبالتحديد منذ عام 1970 وحتى عام 2012، وهي الفترة التي لم تعد الفنون الأدائية فيها وسيلة لمقاومة السيطرة الاستعمارية على الثقافة الأفريقية الأصيلة فحسب، بل صارت محض اختيار آيديولوجي حر للكتاب المسرحيين.
وأظهرت العروض والمسرحيات التي اختارتها الباحثة للدراسة أن هناك عناصر في الفنون الأدائية التقليدية لا تزال تحتل اهتمام كتاب المسرح الأفارقة المعاصرين؛ أولها ما يتعلق بالأمور الدينية، حيث شغل الدين اهتمام كتاب المسرح هناك، وثانيها القضايا السياسية.
وأشارت المؤلفة، وهي ابنة الكاتب المصري الراحل يحيى الطاهر عبد الله، إلى أن المسرحيتين تناولتا أساليب الاستغلال الديني من قبل السياسيين والقادة لتبرير الفساد والاستغلال، كما تحدثتا، في الوقت نفسه، عن إمكانية استخدام الدين بشكل يخدم مصالح الشعب.
وأشارت الكاتبة إلى القضايا السياسية التي تعرضت لها بعض المسرحيات، وذكرت أن مسرحية «انهض ألبرت» التي تم عرضها على مسرح السوق في العاصمة الجنوب أفريقية جوهانسبرغ عام 1980، تنتمي إلى ما يعرف بحركة «مسرح الاحتجاج»، وتهدف إلى رفض الممارسات التي يقوم بها المستعمرون البيض ضد أهل البلاد، وتعد المسرحية نمطاً من أنماط الشهادة على زمن التمييز العنصري في نصف القرن العشرين الأخير.
وترى الباحثة أن المسرح الأفريقي يستخدم تقنيات وعناصر مستمدة من الفنون الأدائية مثل الحكي، وقد بدأت بعض المسرحيات بشخصية الراوي التي تقوم بالسرد مباشرة أو تنبه الجمهور بأنه على وشك الاستماع لحكاية، وهناك مسرحيات بدأت عروضها بتهيئته، ولفت نظره أنه على وشك مشاهدة قطعة سردية، وكان ذلك إما بأغنية مديح وبعض من مربعات السيرة الهلالية، أو برقصة رمزية يتخللها تقديم الممثلين للجمهور على أنهم رواة القصة، كما لاحظت المؤلفة أن الراوي يتأرجح في المسرحيات الأفريقية بين كونه راوياً وكونه شخصية مسرحية، وهى حيلة ضمن محاولة صياغة الحكي بشكل درامي، كما استخدمت بعض المسرحيات تقنية السرد، واعتمد المؤلفون في بناء بعضها على الحكايات الشعبية، والملاحم.
لقد لجأ بعض المؤلفين، كما تضيف، إلى الطقوس الأفريقية التقليدية لإثراء موضوعات مسرحياتهم، واستخدم بعضهم طقس إعادة البعث المأخوذ عن المسيحية والأضحية، ومراسم الزواج النوبي، والصلوات القبطية والمصرية القديمة والختان التقليدي وتبجيل الأسلاف، والرقص والتطهير والرقصات المستوحاة من بعض الأنشطة التقليدية كالصيد والحرب. والوساطة مع أرواح الأسلاف وطقس الخروج والجنازة.
كما استخدمت المسرحيون الأفارقة السخرية كوسيلة أدائية في عروض المسرح الشعبي، واستفادوا من فن الإيماء أو «المايم»، وهو أحد أشكال الأداء في المسرح الشعبي، وفى العروض الأدائية الأفريقية؛ سواء كانت دينية أو سردية؛ ذابت المسافات التي تفصل بين الجمهور ومنطقة العرض، واعتمدت بعض العروض الأفريقية على فضاء فارغ.
واستخدم الكتاب الفنون الأدائية في مسرحياتهم كوسيلة مقاومة ترفض الهيمنة الاستعمارية على الثقافة الأفريقية والتمييز العنصري الذي يضع الأبيض وثقافته وفنونه في مقام اجتماعي أعلى من السود وثقافتهم وفنونهم، كما استخدموها لفتح نقاش حول العادات والتقاليد التي تتضمنها تلك الفنون، خصوصاً الفنون السردية. وتكون المسرحية بهذا المعنى أشبه بمنتدى أو حلقة نقاشية يناقش المشاركون فيها؛ سواء كانوا ممثلين أو جمهوراً التقاليد الاجتماعية من خلال الفنون الأدائية.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».