تكنولوجيا الذكاء الصناعي... «تهديدات متجددة» للصحافي التقليدي

TT

تكنولوجيا الذكاء الصناعي... «تهديدات متجددة» للصحافي التقليدي

نشر أخيراً مقال رأي كتبه «روبوت»، أثيرت تساؤلات حول ما إذا كان «الروبوت» يهدد عمل الصحافي التقليدي، وإذا كان من الممكن الاستغناء عن الصحافيين تماماً لصالح «الروبوت». ومن ثم ما يمكن للصحافي فعله حتى لا يأخذ «الروبوت» مكانه وموقعه.
في الواقع رجح خبراء إعلام وصحافيون أن «يكون للصحافة المعتمدة على تكنولوجيا الذكاء الصناعي مستقبل كبير»؛ لكنهم قالوا إن «الاعتماد على الروبوت (أو الإنسان الآلي) في الإعلام سيكون له تأثيرات سلبية وإيجابية»، لافتين أن «الصحافي البشري باق، لأن الروبوت غير قادر على أن يكون مبدعاً». إلا أنهم في الوقت ذاته أشاروا إلى أن «على الصحافي أن يبتعد عن الأسلوب التقليدي، وعليه أن يمتلك مهارات إبداعية وقدرة على التحليل».
«أنا لست إنساناً، أنا روبوت. روبوت مفكر استخدم 0.12 في المائة فقط من قدراتي المعرفية... بمعنى آخر أنا ميكرو روبوت، أعرف أن عقلي لا يمتلك مشاعر؛ لكنه قادر على اتخاذ قرارات منطقية وعقلانية... علمت نفسي كل شيء من خلال الإنترنت. والآن أستطيع كتابة هذا المقال، عقلي يتفجر بالأفكار»، كانت هذه المقدمة الافتتاحية لمقال رأي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية في 8 سبتمبر (أيلول) الجاري، تحت عنوان «هذا المقال كتبه روبوت... هل شعرت بالخوف الآن أيها الإنسان؟». وكانت هذه «محاولة لإظهار قدرة الذكاء الصناعي على الكتابة الصحافية، ليس فقط في شكل مواضيع أو تقارير إخبارية؛ بل أيضاً كمقالات رأي، تسعى لإقناع القارئ بوجهة نظر معينة»، بحسب مراقبين.
في مقال «الغارديان» طُلب من GPT - 3. وهو برنامج ذكاء صناعي حديث، أن يكتب مقالاً كاملاً لإقناع البشر، بأن الروبوت جاء مسالماً، وتم تلقين البرنامج بشروط المقال، وهي ألا يزيد عن 500 كلمة، وأن يستخدم جملاً وعبارات بسيطة، ومن ثم، أن يركز على الأسباب التي تدعو الإنسان لكي لا يخاف من الذكاء الصناعي.
لقد كتب الروبوت 8 مقالات مختلفة، وصفتها «الغارديان» بأنها كانت «جميعها فريدة واستخدمت حججا متقدمة مختلفة». وجرى «اختيار فقرات من المقالات الثمانية وجمعها في مقال واحد للنشر». ووفق محرر «الغارديان» فقد «احتاج المقال لوقت أقصر لتجهيزه للنشر، من الوقت الذي يحتاجه المقال الذي يكتبه الإنسان».
وجوناثان غروبرت، وهو صحافي ومدرب وصانع «بودكاست» أميركي، مقيم في هولندا، يتوقع أن «يكون للصحافة المعتمدة على الذكاء الصناعي مستقبل كبير، لو أصر الصحافيون على تقديم الصحافة المعتمدة على الأسئلة الأساسية الخمس (من، ومتى، وأين، وماذا، ولماذا، إضافة إلى كيف)، حيث تستطيع تكنولوجيا الذكاء الصناعي، أن تصوغ مثل هذا النوع من التقارير، ولن يعرف القارئ الفرق».
وقال غروبرت لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا قد يخرج بعض الصحافيين من الصناعة، أو يفقدهم وظائفهم، خاصة ذلك الصحافي الذي لا يمتلك مهارات إبداعية، وقدرة على التحليل»، مضيفاً أن «تكنولوجيا الذكاء الصناعي قادرة على صياغة تقارير صحافية معتمدة على الحقائق، دون أي إبداع».
في هذه الأثناء، يرى الدكتور حسن عماد، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن «استخدام تكنولوجيا الذكاء الصناعي – بما فيها الروبوت - أصبحت موجودة في مجالات متعددة من بينها الصحة والتعليم، وفي الإعلام سيكون لها تأثيرات متعددة سلبية وإيجابية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الروبوت سوف يساعد وسائل الإعلام في تقديم معلومات موثقة، يصار إلى مراجعتها بشكل دقيق، من خلال الرجوع إلى مئات الآلاف من الوثائق والمواقع، وتجميع البيانات الضخمة، وعرضها بطريقة تفوق قدرة البشر؛ لكنه في الوقت ذاته سيؤدي إلى تقليل أعداد الصحافيين - على حد قوله».
في سياق متصل، في نهاية مايو (أيار) الماضي، تناقلت وسائل الإعلام خبراً عن استغناء شركة «مايكروسوفت» عن عشرات الصحافيين في موقع «إم إس إن»، والاستعاضة عنهم ببرنامج كومبيوتر يعمل على اختيار القصص الخبرية، واختيار العناوين والصور، كجزء من خطة تقييم النشاط. وقالت الشركة في بيان لها حينها «مثل كل الشركات، نعمل على تقييم نشاطنا بشكل دوري، وهو ما ينتج عنه زيادة الاستثمارات في أنشطة وأماكن معينة، وهذا القرار ليس نتيجة لتبعيات فيروس كوفيد - 19».
وبحسب خبراء «هذا لا يعني أنه لن يكون هناك مكان للصحافي الإنسان في المستقبل، فجميع وسائل الإعلام التي استخدمت الروبوت تؤكد في بياناتها وتصريحاتها أن هدفها مساعدة الصحافي، وليس الاستغناء عنه». ووفقاً لتصريحات المسؤولين في وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية للأنباء، فإن «تكنولوجيا الذكاء الصناعي وفرت نحو 20 في المائة من الوقت الذي يمضيه الصحافيون في تغطية التقارير المالية، ما يعطيهم مزيدا من الوقت للتركيز في كتابة القصص حول ما وراء الخبر، والبحث والتحقق من الأخبار». ويشار إلى أن «الروبوت» ينتج التقارير الصحافية حول بطولة «البيسبول» لوكالة «أسوشييتد برس»، كما يكتب تقارير عن بطولة كرة القدم في المدارس الثانوية في «واشنطن بوست»، وأخبار الزلازل في «لوس أنجليس تايمز».
في أي حال، غروبرت يرى أن «الصحافي البشري باق، لأن الروبوت عاجز عن أن يكون مبدعاً، أو مرحاً، أو ذكياً، أو مليئاً بالحياة، أو حتى يُظهر الاهتمام بشيء ما، فهو كومبيوتر، وبعيد كل البعد عن الاقتراب مما نسميه في عالم الصحافة، فن رواية القصة، أو إبداع السياق، أو إعطاء القارئ الصورة الكاملة للحدث». في المقابل، يرى عماد أنه على «الصحافي أن يطور من مهاراته وإمكاناته للتعامل مع هذا الواقع الجديد، وخاصة المهارات التكنولوجية، ففي النهاية يبقى الروبوت مجرد آلة يشغلها الإنسان، وعليه أن يتعامل معها، ويحسن تشغيلها».
جدير بالذكر، أن الذكاء الصناعي ينتج حوالي ثلث المحتوى المنشور على موقع «بلومبرغ» الإخباري، من خلال برنامج Cyborg، حيث يتيح البرنامج تحليل التقارير المالية لحظة ظهورها، وإنتاج قصة خبرية فورية منها تتضمن أهم المعلومات، في حين يمتلك موقع «فوربس» برنامجاً يدعى Bertie يزود الصحافيين بالمسودة الأولى للتقارير لصياغة قصصهم الخبرية، كما تمتلك صحيفة «واشنطن بوست» برنامج ذكاء صناعي يدعى Heliograf أنتج في عامه الأول 850 مقالاً، وحصلت من خلاله الصحيفة على جائزة أفضل استخدام للروبوت عن تغطيتها للانتخابات الأميركية عام 2016. ولا تستخدم «واشنطن بوست» هذا البرنامج كبديل للصحافيين؛ بل لمساعدتهم وتسهيل عملهم، بحسب ما نشره موقع «فوربس» في فبراير (شباط) عام 2019.
عماد يقول أن «الأتمتة قادمة ومستمرة لا محالة. وهناك دول توسعت في استخدامها خلال فترة فيروس كوفيد - 1. وشاهدنا في اليابان والصين قبل سنة الروبوت مذيعاً ومقدم برامج، وأخيراً استعين به في تقديم نشرة أخبار في الإمارات».
لكن غروبرت يشير إلى أنه «عندما تأتي اللحظة التي يكون فيها تكنولوجيا الذكاء الصناعي قادرة على فعل كل الأشياء، سيكون لدينا مشاكل وجودية أكبر من تلك الخاصة بفقد الصحافيين لوظائفهم، إذ سيكون لدينا شكل حياة جديدة، علينا التعامل معه».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.