المفوضية الأوروبية تحضّ على إقفال «المناطق الحمراء»

تعيش الأجهزة الصحّية في الاتحاد الأوروبي، ومعها الدوائر المعنيّة مباشرة بإدارة أزمة «كوفيد - 19»، حالاً من القلق الشديد مع تدهور الوضع الوبائي في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، وبلوغ الإصابات أرقاماً تجاوزت في عدد من الدول تلك التي كانت سائدة في ذروة المرحلة الأولى، عندما أُصيبت الحركة الاقتصادية في أوروبا بحالة من الغيبوبة، ودخلت في أزمة لم تعرف بقسوتها منذ أكثر من مائة عام.
ويقول مسؤول مقرّب من المفوّضة الأوروبية لشؤون الصحة ستيلّا كيرياكيديس، إن الأرقام والتقارير الصحية الأخيرة «ترسم مشهداً حالياً للوباء يتجاوز أسوأ السيناريوهات التي كنا نتوقعها أواخر الخريف، وليس في بداياته». وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعربت عن قلقها إزاء الارتفاع المتواصل في عدد الإصابات الأوروبية التي تستدعي علاجاً في المستشفى، وازدياد الحالات الخطرة في وحدات العناية الفائقة، ودعت الحكومات إلى «الاستعداد لمرحلة دقيقة لا تخلو من المخاطر التي قد تنشأ عن تغيير محتمل في مواصفات الفيروس أو عن مواصفات ليست معروفة بعد بشكل كامل عن تداعياته».
وجاء في مذكّرة داخلية بعث بها المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة إلى المفوضيّة، يوم الأربعاء الماضي، أن «26 منطقة وإقليماً أوروبيّاً تجاوزت أرقام الإصابات فيها الخط الأحمر، الذي يشكّل الحد الفاصل بين مرحلة التدابير الصارمة للوقاية والاحتواء، ومرحلة العزل التام لمنع خروج الوباء عن السيطرة». ورغم عدم ذكر هذه المناطق والأقاليم بالأسماء، قالت مصادر مطّلعة إن تسعاً منها في إسبانيا، والبقيّة موزّعة بين فرنسا وبلجيكا وهولندا والنمسا واليونان ومالطا وبلغاريا.
تجدر الإشارة إلى أن هذا «الخط الأحمر» الذي اعتمدته منظمة الصحة العالمية في توجيهاتها لإدارة الجائحة، ويستند إليه المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة في إعداد توصياته إلى الدول الأعضاء، يقوم على نتائج الدراسة التي وضعها خبراء معهد الصحة العامة في جامعة «هارفارد» الأميركية، ويحدّد الخط الفاصل بين المرحلتين عند بلوغ الإصابات اليومية 25لكل مائة ألف مواطن على مدى أسبوع، و350 إصابة على مدى 14 يوماً. ويرى خبراء المركز الأوروبي أن الإقفال التام في المناطق والأقاليم التي تجاوزت فيها الإصابات الخط الأحمر بات السبيل الوحيد لمنع خروج الوباء عن السيطرة، ويحذّرون من أن تأخير تدابير الإقفال التام سيؤدي إلى فرضه لاحقاً بشروط أقسى ولفترات أطول.
ويشدّد المسؤولون في المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة على ضرورة الإسراع في اتخاذ التدابير الوقائية والاحتوائية الصارمة، وعدم تضييع الوقت في المفاضلة بين الاعتبارات الصحية والاقتصادية، كما يحذّرون من أن الفترة الفاصلة من الآن حتى ظهور اللقاحات ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الوضع الوبائي وتداعياته على شتّى الأصعدة، خصوصاً الاقتصادي منها.
وفيما بدأت الأوساط العلمية تخفّف من توقعاتها حول ظهور اللقاحات والمباشرة بتوزيعها قبل نهاية السنة الحالية، وتضرب مواعيد لهذا الاستحقاق أواخر الفصل الأول من العام المقبل، كشف مسؤول في وزارة الصحة الصينية أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت عن تأييدها للحملة التي بدأتها الصين في يوليو (تموز) الفائت لتلقيح آلاف العمّال الذين يقدّمون خدمات أساسية، وبعض الفئات الأكثر تعرّضاً، وذلك قبل نهاية التجارب السريرية في المرحلة الثالثة، والتأكد من فعالية اللقاح وسلامته.
وعادت منظمة الصحة لتحذّر أمس على لسان مديرها العام تيدروس أدناهوم، من عواقب إخضاع إدارة الأزمة والجهود العلمية الجارية لتطوير اللقاحات للحسابات السياسية، فيما أعلن الباحث البريطاني جيريمي فارّار، الذي يدير مجموعة «ويلكوم ترست»، أن السبيل الوحيد للخروج نهائياً من أزمة «كوفيد - 19» هو «تلقيح عدد محدود من الأشخاص في كل البلدان، وليس تلقيح الجميع في بعض البلدان». وقال فارّار إن تلقيح 20 في المائة أو 30 في المائة من السكّان الأكثر تعرّضاً في كل بلد هو السبيل الوحيد الكفيل بإعادة الحياة الطبيعية، وإنقاذ الاقتصاد العالمي، معرباً عن خشيته من أن الدول الغنيّة التي تموّل المشاريع المتقدمة لتطوير اللقاح ستنحو في الاتجاه المعاكس عند ظهور اللقاح. وتنشط المجموعة التي يديرها فارّار منذ سنوات في تمويل البحوث العلمية المتطورة من أرباح صندوق استثماري خيري بقيمة 30 مليار دولار، وتشارك حالياً في تمويل 9 مشاريع لتطوير لقاح ضد «كوفيد - 19»، من بينها اللقاح الذي يجري تطويره في جامعة «أكسفورد». وكان فارّار من بين الأوائل الذين حذّروا في ديسمبر (كانون الأول) الفائت من خطورة الالتهابات التنفسية التي ظهرت على الإصابات الأولى في مدينة ووهان الصينية، وتنكّب مجموعته منذ عامين على الاستعداد العالمي لمواجهة الجائحات بعد أن لعبت دوراً أساسياً في تطوير لقاح ضد وباء «إيبولا».
ودعا فارّار، الدول الغنيّة، إلى توثيق التعاون مع منظمة الصحة العالمية والتحالف الدولي لتطوير اللقاحات، مذكّراً بأن «حكومات الدول الكبرى والبنك الدولي ومؤسسات مالية أخرى تنفق 500 مليار دولار شهريّاً لحماية الاقتصاد العالمي، فيما تكفي 35مليار دولار لتمويل الخطة التي تشرف عليها منظمة الصحة من أجل توزيع اللقاحات بشكل عادل على كل الدول العالم»، ومؤكداً بأن مثل هذا الاستثمار هو الأفضل في تاريخ البشرية. يذكر أن الحكومة البريطانية كانت قد أعلنت بلسان المدير العام لفريق الاستجابة لـ«كوفيد - 19» سايمون مانلي، بأنها ستزيد مساهمتها في موازنة منظمة الصحة العالمية بنسبة 30 في المائة خلال السنوات الأربع المقبلة لمواجهة جائحة «كورونا»، وأنها ستخصص 340 مليون جنيه إسترليني لهذا الغرض.