وسط عودة 6 ملايين طالب وطالبة لاستئناف التعليم العام والعالي في السعودية قبل أسابيع، تصاعدت وتيرة نمو قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في البلاد، لا سيما بعد اعتماد السعودية التعليم عن بعد في النظام التعليم خلال الفترة الحالية التي تفرضها الظروف الاستثنائية الناجمة عن جائحة كورونا المستجد. وغيّر قرار اعتماد التعليم من المنازل موازين البيع والشراء في أسواق الحواسيب وأدوات التقنية والأجهزة المرتبطة، في حين ارتفع الطلب على شركات التقنية المتخصصة في تقديم البرامج والحلول للشبكات الإلكترونية. وعزز حجم ارتفاع الطلب على خدمات هذه الشركات، نجاحها في فترة منع التجول وما قدمته من حلول تقنية لقطاعات حكومية مختلفة اعتمدت على شبكات الإنترنت بنسبة تجاوزت 95 في المائة لضمان استمرارية العمل، وتجنب تعطل الأعمال. وسجل حجم تبادل المعلومات إلكترونياً بين الجهات الحكومية، وفقاً لآخر إحصائية معلنة، 143 مليون عملية في أبريل (نيسان) الماضي، بزيادة تقدر بنحو 70 في المائة عن الفترة ذاتها من العام الماضي، في حين وفرت للمستفيدين (الأفراد وقطاع الأعمال) أكثر من 3600 خدمة إلكترونية مختلفة، في حين يجري نصف مليون موظف حكومي أكثر من 10 ملايين دقيقة لاجتماعات يومية. «الشرق الأوسط» اطلعت على مرئيات قطاع التقنية وسوق الحواسيب في خضم الطفرة الجارية:
- من داخل السوق
يقول عاملون في السوق، إن حجم مبيعات الأجهزة اللوحية بمختلف أشكالها، والطابعات، فاقت كل التوقعات؛ الأمر الذي دفع بشركات كبرى في هذا المجال إلى مخاطبة الشركات الأم لتوريد كميات إضافية في بعض المنتجات الإلكترونية، في حين ارتفع حجم الطلب على المؤسسات والشركات المتخصصة في تقديم الدعم الفني والتقني بنسبة تجاوزت 80 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ولم يفصح العاملون الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، عن حجم هذه التعاملات والعقود، إلا أنهم أكدوا أن غالبية هذه العقود تركزت في بناء الشبكات والبرمجيات وتقديم الخدمات المساندة في عمليات الاتصال للمدارس الأهلية والتي تعتمد غالبيتها على تقنية منفصلة عن وزارة التعليم؛ الأمر الذي دفعها إلى طلب المساعدة والمساندة من هذه الشركات.
- طلب غير مسبوق
من ناحيته، قال لـ«الشرق الأوسط» محمد باشماخ، وهو مورد لأجهزة حاسب آلي، إنه رغم عدم وجود أرقام دقيقة حول نسبة المبيعات والطلب على أجهزة الحاسب الآلي في السوق، فإن الطلب عليها ارتفع بشكل «غير مسبوق»، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن السبب في ذلك مربوط بقرار التعليم عن بعد، التي أعلنته وزارة التعليم في المملكة؛ ما زاد احتياج الطلاب والعاملين في قطاع التعليم إلى أجهزة حواسيب آلية بمختلف أصنافها وأشكالها لاستخدامها في العملية التعليمية.
وأضاف باشماخ، أن الطلب الحالي أدى إلى نفاد كميات كبيرة بشكل كبير، مبيناً أن ذلك ساهم في ارتفاع أسعارها، ورفع معدل الربح المتوقع، الذي عادة ما يكون ضمن هوامش محدود في الظروف العادية.
بدوره، لفت أحد العاملين في قطاع التجزئة في إحدى أسواق أجهزة الحاسب الآلي الرئيسية في الرياض (لم يرغب في الإشارة إلى اسمه)، إلى أنه منذ منتصف أغسطس (آب) الماضي شهدت سوق أجهزة الحاسب الآلي إقبالاً كبيراً لم تعتد عليه السوق، وقال لـ«الشرق الأوسط»، «الإقبال من قبل الطلاب والمعلمين كان أضعاف إقبال الموظفين بعد قرارات التحول للعمل أو التعليم عن بعد».
- تدفق استثمارات
ويجسد استمرار الطلب على التقنية مؤشراً إلى أن السعودية تخوض نقلة نوعية لجميع القطاعات العام منها والخاص تتوافق مع «روية المملكة 2030» التي تعتمد على نقل المملكة بشكل جذري لتكون مركزاً دولياً لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقادرة على المنافسة عالمياً من خلال التقنيات الحديثة والتمكين لمجتمع معلوماتي متطور؛ الأمر الذي سيدفع إلى توليد فرص استثمارية متعددة لتطوير المحتوى الرقمي، والتوسع في أنظمة الاتصالات، وأنظمة التحول الرقمي، وتطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات.
وتوقعت مصادر، أن تشهد الأيام المقبلة الإعلان عن عدد من الاستثمارات الجديدة في القطاعات الرئيسية والمساندة في الاتصالات وتقنية المعلومات، ستركز في جوانب تقديم الدعم والمساندة وفي الابراج وتقديم خدمات الاتصالات، خاصة أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أعلنت في وقت سابق عزمها تعزيز البيئة التنظيمية لأبراج الاتصالات المتنقلة من خلال رفع نسبة المشاركة فيها من قبل مقدمي الخدمة عن طريق الاندماجات في ملكية الأبراج أو الاستحواذ عليها من قبل المستثمرين المهتمين.
ويقدر حجم الأبراج وفقاً لآخر الإحصائيات المعلنة في عام 2017 قرابة 38 ألف برج بحجم استثمار يزيد على 4.5 مليار دولار، تخدم الهاتف المتنقل بالخدمات الصوتية، وخدمات البيانات والنطاق العريض اللاسلكي؛ ما يؤكد أن الشركات العاملة في السوق المحلية تمتلك بنية تحتية متميزة يمكنها من تقديم خدمات عالية الجودة.
- نمو الاقتصاد الرقمي
وتتزامن تطورات التعليم عن بعد وتزايد الطلب على استخدامات التقنية مع تسارع نمو الاقتصاد الرقمي في السعودية بنسبة أداء 2.5 في المائة مقارنة بالاقتصاد التقليدي، وهو ما يبشر باستثمارات كبيرة ستدخل السوق السعودية في مواقع مختلفة من القطاع، خاصة مع تنامي عملية التعليم «الإلكتروني» الذي يعتمد تكنولوجيات الاتصال والمعلومات، والبيئة إلكترونية المتكاملة لعرض المقررات الدراسية واستخدام الشبكات الافتراضية، وتوفر سبل الإرشاد والتوجيه وتنظيم الاختبارات وكذلك إدارة المصادر والعمليات وتقويمها، وهو ما يسهم في تقديم التعليم وتنوع الفرص فيه دون ترك مواقعهم.
ويبلغ حجم سوق التجارة الإلكترونية حول العالم نحو 30 تريليون دولار، في حين يبلغ حجم هذه السوق في المملكة نحو 80 مليار ريال (21 مليار دولار)، في حين بلغ عدد المتسوقين إلكترونياً 14 مليون متسوق، بينما بلغ عدد المتاجر الإلكترونية 45 ألف متجر مسجل على منصة «معروف» – الحكومية - بزيادة 79 في المائة على عام 2018، وهي دلالات على قوة البنية التحتية لشبكات الاتصالات وتقنية المعلومات في تقديم هذه الخدمة، بدعم ومساندة قطاعات مختلفة نقدم الدعم اللوجيستي والتقني للمستفيدين. وهنا يصف في حديث لـ«الشرق الأوسط» مروان الشريف، المختص في الشأن الاقتصادي، أن النقلات السريعة في مجال التقنية أوجدت أنماطاً جديدة للتعلم والتعليم الذاتي، أو كما يطلق عليه «التعليم عن بعد» الذي يعتمد على التقنية والأجهزة الذكية من خلال غرف التدريس الافتراضية، وهذه الاستراتيجية ستنقل قطاع التعليم إلى مراحل متقدمة جداً في تقديم فصول تعلم متطورة تتوافق مع المعطيات الحالية بعيدا عن التقليدية.
ويبدو أن شركات الاتصالات نجحت، كما يقول الشريف، في تقديم الخدمة الرئيسية في توفير هذه المنصات التعليمية من خلال «الإنترنت»، ما يؤكد على أن هذه الشركات تمتلك البنية التحتية المتكاملة التي مكنتها من تجاوز اصعب المراحل إبان فترة منع التجول الكلي، موضحاً أن السعودية تسير وبقوة نحو تحقيق أهدافها المعلنة في تنويع مصادر الاقتصاد ومنها الاستثمارات في الاتصالات وتقنية المعلومات.