ما الذي ينتظر شرق المتوسط؟https://aawsat.com/home/article/2529111/%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7%D8%9F
تجري، في العقد الأخير المنصرم، أحداث عاصفة في شرق البحر المتوسط، وتضاف صراعات وخطوط صدع جديدة إلى الصراعات والخطوط القديمة، ويزداد انجرار القوى الفاعلة الخارجية إلى المنافسات التي تجري بين القوى الفاعلة الإقليمية، حيث اشتدت هذه المنافسات في الفترة الأخيرة بالتوازي مع اكتشاف حقول جديدة للغاز الطبيعي في البحر. النزاعات المسلحة داخل دول المنطقة، ورغم كل المحاولات لإنهاء العنف، باتت أمراً اعتياديا وشائعاً. حدة المواجهة بين القوى الإقليمية وصلت إلى مستوى عالٍ لدرجة أنه أصبحت تناقش إمكانية نشوب صراع عسكري بين الدولتين العضوين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو)، اليونان وتركيا، ناهيك عن سيناريو استخدام العقوبات داخل كتلة الحلفاء (مع أنه لا يزال هناك أساس لافتراض أن هذا لن يحدث). دور روسيا في الأحداث الجارية هنا، بات أكثر وضوحاً في مجالات عدة مثل الدبلوماسية والأمن والاقتصاد، وبالدرجة الأولى الطاقة. موسكو تروج بقوة لصيغتها المألوفة المتمثلة في «الصداقة مع الجميع»، وتقدم بشكل متزايد للاعبين الإقليميين خدمات الوساطة التي تميزت فيها، وباتت في الفترة الأخيرة تستعرض بعض الأحيان قوتها أمام منافسيها العالميين. في هذا السياق، يكفي ذكر التدريبات الأكبر من نوعها في التنسيق والعمل المشترك بين تشكيلات الأسطول البحري العسكري الروسي وقواتها الجوفضائية، والتي جرت في الفترة من 1 إلى 8 سبتمبر (أيلول) لأول مرة في تاريخ روسيا الحديثة. على وجه الخصوص، شاركت فيها 28 سفينة، بما في ذلك غواصتان، بالإضافة إلى 34 طائرة، وتم إطلاق الصواريخ، بما فيها إلى مناطق البحر البعيدة، وتم خلال هذه التدريبات تنفيذ عمليات إنزال للقوات على ساحل غير مجهز. أود الإشارة هنا إلى أن موسكو قلقة بشأن الاتفاقية غير المحدودة زمنياً حول التعاون الدفاعي المتبادل التي وقعها مؤخراً وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، والتي بموجبها سيتم توسيع القاعدة العسكرية الأميركية الحالية في جزيرة كريت وسيتم إنشاء ثلاث قواعد جديدة في الجزء القاري. يعتقد المحللون العسكريون الروس أن اليونان، بمحاولتها استخدام الأميركيين في صراعها مع تركيا، ستصبح عن غير قصد بيدقاً في اللعبة ضد موسكو، ولن تتلقى شيئا من الولايات المتحدة عندما تحل الأخيرة مشاكلها مع تركيا. إذا تحدثنا عن الوساطة، فإن ما يلفت الانتباه هنا الزيارة الأخيرة الحافلة بالأحداث لوزير الخارجية سيرغي لافروف إلى قبرص، التي أعطت دفعة قوية للتعاون الروسي - القبرصي، حيث عرض خلالها الوزير الروسي خدمات موسكو في حل النزاع القبرصي - التركي، في حال وافق الجانبان على ذلك. إن نمو الثقة بين موسكو وأنقرة والتطور التدريجي للتعاون الروسي - التركي يمكن أن يجعل هذه الفكرة قابلة للتحقيق. وفقاً لبعض المعلومات، لقد لعبت موسكو بالفعل دوراً في تحسين العلاقات بين تركيا ومصر، حيث تشارك بنشاط في العلاقات التجارية والاقتصادية مع هاتين الدولتين. لقد أشار لافروف إلى أن تعميق التعاون الروسي - التركي لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على الحوار مع نيقوسيا، وأكد أن العلاقات بين روسيا وقبرص تتسم حالياً بطابع الصداقة والثقة. وقبرص أعربت عن تقديرها الكبير لنتائج زيارة لافروف ومنحته خلالها أعلى وسام. عدد قليل فقط من الحاقدين قالوا إن روسيا لن تقف أبداً لصالح الدفاع عن مصالح قبرص على حساب علاقاتها مع تركيا، التي لها وزن أكبر بالنسبة لروسيا. لا تنوي تركيا، رغم الضغوط من جهات مختلفة، التخلي عن خططها لتطوير منطقة شرق المتوسط المتنازع عليها مع اليونان وقبرص، وستواصل حفر الآبار وستكون مستعدة لاتخاذ خطوات حاسمة لـ«الدفاع عن حقوقها»، كما تقول، لا سيما مع الأخذ بالحسبان الرأي العام لسكانها. لكنها في الوقت نفسه، تتخذ خطوات تصالحية. لقد فوجئ العديد من المحللين الروس برد الفعل السلبي للمعارضة البرلمانية التركية على قرار قيادة البلاد بسحب سفينة الأبحاث «أوروتش ريس» من المنطقة المتنازع عليها، وإعادتها إلى مياهها الإقليمية بعد أن كان قد تم إرسالها في 10 أغسطس (آب) إلى تلك المنطقة برفقة سفن حربية. شكك بعض المحللين الروس في جدية الجوهر «التصالحي» لهذه الخطوة من قبل إردوغان، معتبرين أنها مجرد بادرة تكتيكية (خاصة أن السفينة الراسية في أنطاليا، وفقاً لما أعلنته تركيا، فقط لتجديد الإمدادات) موجهة ليس فقط إلى اليونان، لكن إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً قبل قمته في 24 - 25 سبتمبر (أيلول). على أي حال، أين الخطأ في خطوات تركيا لتهدئة الصراع، خاصة أن هناك حديثا جادا في أوروبا حول إمكانية فرض عقوبات على أنقرة؟ إذ أن مناورة إردوغان محاولة مهمة للجميع لتقليل التوتر الخطير على مصالح البلاد في العلاقات مع عضو مثلها في الناتو هو اليونان. خطورة هذا التوتر بدأت تثير قلقا خاصا خلال مناورات الدبابات التي أجراها الجيش اليوناني في حقل التدريب «كسانثي» قرب الحدود مع تركيا، وكانت قد شاركت فيها دبابات أميركية. من ناحية، ينتقد المعارضون إردوغان، وإن لم يكن بشكل نشط، بسبب القعقعة بالأسلحة وغياب الحوار مع دول المنطقة، ومن ناحية أخرى بسبب التنازلات غير المبررة لليونانيين. لكن رد الفعل الإيجابي المتواضع على سحب السفينة في دول الاتحاد الأوروبي وفي اليونان يشير إلى أن تحرك إردوغان يصل إلى هدفه. في محاولة لحث بروكسل على اتخاذ إجراءات صارمة ضد إردوغان من أجل إجباره على تقديم تنازلات، عرقلت قبرص، قبل زيارة لافروف، محاولة الاتحاد الأوروبي تبني عقوبات ضد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو وعدد من كبار المسؤولين في بيلاروس، مطالبة بفرض عقوبات على تركيا. ومع ذلك، وفقاً لمعظم المحللين، فإن فرص موافقة الاتحاد الأوروبي على عقوبات ضد أنقرة ضئيلة نوعاً ما. وتبقى فرنسا الخصم الأقوى لإردوغان في أوروبا، بالإضافة إلى اليونان وقبرص، التي أعلنت على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون أن تركيا «لم تعد شريكاً» لدول الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط وتطالب إردوغان بـ«توضيح نواياه» قبل حصول اتصال هاتفي بينهما. أما أقوى داعم لـ«الخط الناعم» تجاه أنقرة في أوروبا فهي ألمانيا، حيث تقطنها جالية تركية ضخمة ومؤثرة، ومن بين أعضائها العديد من المؤيدين لمسار الرئيس التركي وحزبه. دبلوماسية الغاز أداة مهمة للعمل الروسي في المنطقة. إنه عنصر مهم في التفاعل الروسي - التركي المعقد في ليبيا. روسيا وتركيا مهتمتان بتخفيف التناقضات بينهما، عن طريق وقف الأعمال العدائية بين الأطراف الليبية المتصارعة، ويمكننا أن نتوقع بثقة أن موسكو وأنقرة ستتخذان في المستقبل القريب خطوات جادة لتطبيع الوضع في ليبيا، ووفقاً لبعض المعلومات، بالفعل يعملان بشكل بناء للغاية في هذا الاتجاه. هنا يمكن أن تكون تجربة التعاون المكتسبة في سوريا، بما في ذلك تسيير الدوريات المشتركة، مفيدة للغاية بالنسبة لهما. في حال أثمرت جهود موسكو وأنقرة، فإنهما سيعززان مواقفهما في ليبيا. كما أخبرني أحد السياسيين الأتراك الذي رغب في عدم الكشف عن هويته، فإنه من الأنسب لتركيا الآن أن تتعامل مع قوة عالمية واحدة قوية هي روسيا، التي لديها معها بالفعل خبرة واسعة في الخروج من المواقف الصعبة وفي التعاون البناء في ظروف اختلاف الرؤى، وتطابق في المصالح المهمة، بدلاً من التعامل مع عدد قليل الدول التي تتعارض معها مصالحها بشكل عميق. - خاص بـ«الشرق الأوسط»
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».
كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.
صبغة شامية
خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».
محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».
بين «العشق» و«القلق»
رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.
حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.
ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.
تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.
جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».
ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.
لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.
دعوات مقاطعة
تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».
حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.
وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.
وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».
في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».
عزيزي المواطن المصري الطيب الساذج البرئ .. تذكر دائماً ان كل مطعم سوري تتعامل معه وتدفع له فلوسك كان في يوم ما مطعم مصري .. السوريين ماجابوش المطاعم بتاعتهم معاهم من سوريا .. هذه المطاعم كان أصحابها مصريين وكان العاملين بها مصريين .. مئات الآلاف من العائلات المصرية كانت تعتمد...
الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».
ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».
كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».
ترحيب مشروط
كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».
ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.
أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».
وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.
على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».
استثمارات متنوعة
يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».
ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».
ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.
وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».
وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.
و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».
«حملات موجهة»
انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».
رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».
وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».
وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».
ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».
لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».
«استثمارات متنامية»
ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».
وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.
ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.
لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».
حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».
فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».
بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».
وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.