وزير الدفاع الأميركي السابق يشن حربا إعلامية على إدارة أوباما

«مذكرات وزير أثناء الحرب» أصبحت حديث المشهد السياسي

وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس وجه اتهامات صريحة للرئيس تشير لشكوكه العميقة في القيادة العسكرية
وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس وجه اتهامات صريحة للرئيس تشير لشكوكه العميقة في القيادة العسكرية
TT

وزير الدفاع الأميركي السابق يشن حربا إعلامية على إدارة أوباما

وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس وجه اتهامات صريحة للرئيس تشير لشكوكه العميقة في القيادة العسكرية
وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس وجه اتهامات صريحة للرئيس تشير لشكوكه العميقة في القيادة العسكرية

في ليلة رأس السنة، انزلقت قدما وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس وسقط على الأرض. تعرض لإصابة في رقبته ونقل بعدها للمستشفى، وهناك لف عليها واق يمنعها من الحركة حتى تشفى. لكن هذه الإصابة لم تمنعه من الظهور بكثافة على وسائل الإعلام على مختلف أنواعها لإكمال نقده الشديد لإدارة الرئيس باراك أوباما الذي بدأه في مذكراته الصادرة حديثا «الواجب: مذكرات وزير أثناء الحرب».
في مذكراته التي أصبحت حديث المشهد السياسي الأميركي، يوجه غيتس اتهامات صريحة للرئيس تشير لشكوكه العميقة في القيادة العسكرية، وعدم إيمانه وحماسه للحرب في أفغانستان والعراق، ورغبته الملحة للخروج سريعا. كما وجه غيتس انتقادات جارحة لنائب الرئيس بايدن الذي قال إنه «لم يتخذ قرارا صائبا في السياسة الخارجية خلال العقود الأربعة الماضية. كما أطلق وزير الدفاع السابق عاصفة من الانتقادات الممرورة لأعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين. وصف غيتس البيئة التي يعملون بها بالقبيحة وأكد أنه لم يكن يحتمل الجلوس للاستماع لاستجواباتهم.
كرات النار الملتهبة التي قذفها أحدثت ردود فعل واسعة، وبدأت بعدها المعركة على وسائل الإعلام بين الوزير من جهة والديمقراطيين من جهة أخرى. انتقلت الحرب من الكتاب إلى الشاشات ومواقع الصحف والمجلات. هناك رغبة واضحة داخل الإدارة الأميركية والحزب الديمقراطي بتدمير أو التقليل من أهمية المذكرات. السكوت عما ورد فيها سيؤكد صحتها، وهذا ما سيضر بصورة الرئيس وإدارته وحزبه.
أول الردود جاءت كما هو متوقع من الرئيس باراك أوباما الذي لم يرد أن يدخل نفسه في دوامة الجدل والصراع بل رغب بأن يرتفع على الخلافات، ولكنه لمح بطريقة ما إلى أن الحرب ربما قد تكون أثرت على الوزير. في أحد تصريحاته قال الرئيس باراك أوباما: «الحرب ليست سهلة. كل المشتبكين معها يدركون ذلك جيدا. ولكني أرغب بالتأكيد أن غيتس كان وزيرا استثنائيا خلال مدة عمله كوزير للدفاع. صديق لي وسأكون دائما ممتنا للخدمة التي قدمها». لكن هذا التصريح المهذب الذي أدلى به الرئيس انتقده بعض من أنصاره ممن أشار إلى أن غيتس قام بتصرف يشبه الخيانة ويستحق رد أقوى. يستاءلون: «كيف لوزير سابق أن يكشف أسرار رئيس ما زال في البيت الأبيض؟!» آخرون رددوا اتهامات مثل: «هذا هو الوقت الخاطئ لإصدار الكتاب» و«لماذا لم يكن الوزير شجاعا ويلعن بصراحة تحفظاته على الرئيس أوباما بينما كان يلتقيه بشكل مستمر وليس بعد أن خرج من المنصب» ويضيفون بغضب: «أنها طعنة في الظهر».
رد غيتس على مثل هذه الانتقادات عندما قال في أحد حواراته الصحافية إنه «لم يكن منافقا أو حتى صامتا بل لو تحدثت مع أي أحد من الإدارة ستجد أني عبرت عن تحفظاتي بشكل صريح. انعدام الوفاء سيتم إذا قمت بتسريب مثل هذه التحفظات بينما كنت في الخدمة، وهذا ما لم يحدث». لكن السيناتور الشهير هاري ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ شن هجوما على غيتس وقال إنه «سعى لتشويه صورته وصورة نائب الرئيس بايدن من أجل المال فقط، أي حتى تحقق مذكراته مبيعات عالية. غيتس أضر بصورة ريد عندما ذكر في مذكراته أن السيناتور الشهير طلب منه أن يتم الاستثمار في أبحاث تخص القولون العصبي» ويعلق غيتس ساخرا على هذا الطلب بالقول: «مع حربين مستمرتين وقضايا أخرى عالقة.. لم أعرف هل أضحك من هذا الطلب أم أبكي!» لكن فيما يخص اتهامات ريد على شجع غيتس قال وزير الدفاع السابق إنه «سيتبرع بغالبية عوائد المذكرات للجهات الخيرية التي تدعم الجنود الجرحى جراء الحروب».
في حوار مع المذيعة المعروفة كيتي كوريك واصل غيتس هجومه على الإدارة الأميركية عندما طلب من أعضاء في إدارة الرئيس ممن انتقدوه «أن ينظروا في المرآة»، وقال إن «الرئيس أوباما كان السبب وراء البيئة المتوترة المحتقنة داخل فريقه»، وأضاف: «الرئيس هو المسؤول عما يجري داخل إدارته. بيئة ونمط البيت الأبيض يشكلهما الرئيس نفسه». وفي حوار آخر مع إذاعة «إن بي آر» يبدو الوزير مدافعا عن الرئيس ومهاجما أكثر أعضاء في فريقه حيث يقول «حتى الرئيس خاض الكثير من الصراعات معهم». ويصفهم بأنهم يخرجون كثيرا عن تراتبية المناصب ويضيف بنبرة تهكم «بعض صغار العمر في الإدارة كانوا في الثانوية العامة عندما كنت رئيسا للاستخبارات!» في حوار مع المذيع شون هانيتي على محطة «فوكس نيوز» الأميركية يكشف غيتس عن الكلمات الساخرة والعدائية المصوبة باستمرار نحو إدارة الرئيس جورج بوش ويذكر غيتس أنه كان يقول لنفسه «هل أنا شخص غير مرئي؟!» على اعتبار أنه كان هو أيضا وزيرا للدفاع أثناء حكم الرئيس بوش، لكن فريق الرئيس لا يعيره أي اهتمام أو احترام. رغم الهجوم والانتقادات المتواصلة فإنه يغدق الكثير من المديح على وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون التي يقول عنها في أحد الحوارات إن «طموحها السياسي لم يؤثر على توصياتها للرئيس أوباما». ويضيف «هناك فرق بين أن تكون في الكونغرس أو تجهز لحملتك الانتخابية وبين أن تكون داخل الإدارة وتتحمل مسؤولية المنصب الذي تشغله. هي كانت تتحمل مسؤولياتها كوزيرة خارجية ولم أسمعها أبدا أنها تدخلت في القضايا المحلية».
يكتب غيتس كل ليلة الكثير من الرسائل الموجهة لأهالي الجنود القتلى. هذه الرسائل الحزينة دافعها، كما يقول، الرغبة بعدم تحويل هؤلاء الجنود إلى مجرد أرقام إحصائية، ولكنه أراد أن يؤنسن العلمية كلها. ولكن مثل هذه العادة اليومية الحزينة تدفعه للبكاء كل ليلة تقريبا. عندما استمع المذيع الشهير تشارلي روز لهذه القصة التقط منها السؤال المنطقي القائل: «ألم تؤثر هذه العواطف الثقيلة على رؤيتك للأمن القومي وهو ما يراه الرئيس». اعترض الوزير غيتس على صحة مثل هذه الفكرة. لكن أشهر الانتقادات الموجهة لغيتس تؤكد أن مذكراته متناقضة وعاطفية بحيث إنه ينتقل سريعا من نقد الرئيس أوباما إلى امتداحه ومن ثم انتقاده مرة أخرى.
المعركة التي يخوضها أعداء غيتس من أجل العبث بصورته والتقليل من أهمية ما كتبه ليست ناجحة لحد الآن. الوزير صاحب مصداقية عالية ويملك سمعة حسنة، وهو أيضا مقاتل شرس وهذا ما يفعله في وسائل الإعلام هذه الأيام. يبدو أنه مصمم على ذلك رغم آلام الرقبة ونصائح الأطباء.



الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.